إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية

الدعاة السلفيون هم المجرمون الحقيقيون:


لقد واجه الجمهوريون منذ بروزهم بدعوتهم لبعث الدين بإحياء السنة وتحكيم آيات الأصول بأخذ الدستور الإسلامي والقوانين منها – واجهوا هوساً دينياً تزعمه الدعاة السلفيون من قضاة شرعيين ووعاظ وأئمة مساجد كما واجهوا هوساً سياسياً تزعمته الأحزاب الطائفية والأخوان المسلمون استخدموا فيه القضاة الشرعيين والوعاظ وأئمة المساجد لإثارة الفتنة ومن ثم تحريض السلطة لايقاف نشاط الجمهوريين بحجة المحافظة على الأمن والنظام.
وقد تمثل هذا الهوس الديني في توجيه الاتهامات الباطلة للجمهوريين من منابر المساجد ونشر الأكاذيب والإشاعات المغرضة حول فكرتهم وتحريض المواطنين البسطاء على استعمال العنف مع الجمهوريين وقد وصل هذا التحريض حد التحريض على القتل باسم الدين والجهاد في سبيله.
وقد كان غرض الجمهوريين من الشكاوى العديدة التي تقدموا بها لمحاكم الجنايات في عدد من مدن السودان ضد أولئك المحرضين المعتدين والناشرين للكذب حول الفكرة الجمهورية هو إفهام أولئك الناس ان هذا الأسلوب في محاربة الفكر لا يقره الدين ولا يقره القانون المطبق اليوم في بلادنا وان من يلجأ لذلك الاسلوب الهمجي هو في الواقع مجرم وليس داعياً دينياً.
ونحن نعلم أن المجرمين الحقيقيين هم أولئك الدعاة الذين يحرضون الناس على ارتكاب جرائم العنف ضد الجمهوريين ويثيرون الفتن ويشعلون نارها ثم يلجأوون للإنكار عندما يواجههم القانون.

القاضي الشرعي صديق محمد عبد الله ينفي معرفته بالقضية ثم يدافع عن المتهم ويطلب من المحكمة أن تسجل له صوت شكر:


لم ينكر المتهم الجيلي زين العابدين ما نسب اليه من تهديدات بالقتل للأخ الجمهوري الأمين أحمد نور فقد جاء في رد ممثل الدفاع أن ما قاله المتهمون (لا يشكل جريمة في قانون العقوبات).
وقد ظن المتهم الجيلي زين العابدين ان رأي القاضي الشرعي صديق محمد عبد الله وتبريره لما فعله يشكل دفاعاً يخرجه عن نطاق الإدانة بموجب قانون العقوبات والغريب في الأمر ان القاضي الشرعي صديق محمد عبد الله كان يحمل نفس الفهم ولذلك ذهب يبرر تهديد المتهم للأمين أحمد نور بالقتل بأنه عمل منطلق من قاعدة صحيحة هي قاعدة دينية وان عقيدة المتهم تحتم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان دافع المتهم كان هو الإصلاح والأخذ بيد الغير ولم يكن دافعاً شخصياً أو عدائياً وان ما قاله المتهم هو كلمة حق لو تخلف عن قولها لأثم وسئل بين يدي الله.
وأخيراً طلب هذا الشاهد من المحكمة أن تبرئ المتهم وتسجل له صوت شكر لأنه تجرأ وقال الحق..
وبالرجوع لأقوال هذا الشاهد نجد أنه يقرر في أول كلامه انه لا يعرف شيئاً عن القضية نفسها ورغم ذلك ذهب يبرر ما قاله الشاهد على نحو ما اوضحنا ولا يعني هذا سوى شيء واحد هو ان هذا الشاهد قد كذب وهو حالف لليمين لأنه لو لم يكن يعرف شيئاً عن القضية لما انبرى عن الدفاع عن المتهم في القضية بل لما أصبح هو صاحب القضية وكأنه المتهم فيها يتحدث عن الدوافع التي دفعت المتهم للتهديد بالقتل ويحسنها ويسوق لها التخريجات الملتوية باسم الدين والعقيدة.
ومقرر عندنا منذ زمن ان القضاة الشرعيين ليسوا قضاة وليسوا شرعيين. ونحن اليوم نقول عن هذا الشاهد صديق محمد عبد الله انه ليس بقاضي وانه ليس بشرعي لأنه كذب وهو حالف لليمين ووارد في الحديث الشريف (لا يكذب المؤمن). وهو ليس بقاضي لأنه يعتقد ان ما يمنعه قانون عقوبات السودان لا تمنعه الشريعة .. فإذا كان قانون العقوبات يمنع التهديد بالقتل ويحفظ حياة الناس ويحمي ممتلكاتهم وسمعتهم فهل يظن هذا القاضي الشرعي ان الشريعة تفرط في شيء من ذلك؟ ان الشريعة تمنع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وتقتص لمن قتل وتمنع السرقة والنهب .. وتحد من يعتدي على مال غيره وأنها تمنع القذف وتحد القاذف.
ولا يمكن أن يكون شخص يحمل تصورا لمجتمع يكون لكل فرد فيه الحق في ان يحكم على غيره من الناس وينفذ حكمه بيده – لا يمكن ان يكون لهذا الشخص أدنى فكرة عن القضاء دع عنك أن يكون قاضياً يحكم بين الناس ، اذ بغير هذه القوانين لا يمكن ان يقوم مجتمع ذو كيان.
إن اقوال هذا الشاهد تكشف عن انه لا يعرف شيئا عن دستور البلاد ولا عن حقوق الناس الأساسية التي ينص عليها الدستور والذي بموجبه قامت الهيئة القضائية التي ينتمي اليها الشاهد ومنه استمدت سلطاتها وبه تحدد اختصاصها في فرض سيادة حكم القانون .. فهل يمكن يكون هذا الشاهد قاضياً؟

القانون الذي يسري الان في السودان هو قانون العقوبات لسنة 1974 وأننا لم نطبق الشريعة الإسلامية بعد:


هذا هو ما قالته محكمة جنايات الأبيض وهو قول صحيح يدل على ان هذه المحكمة تعرف اختصاصها وتعمل في حدوده وهو تطبيق قانون العقوبات وهو قانون دستوري شرع في جملته ليحمي حياة الناس و حرياتهم وأموالهم وسمعتهم وهو بذلك شرع ليرعى المقومات الأساسية للمجتمع السوداني التي نص عليها الدستور في الباب الثاني ومن ثم تصبح ممارسة الحريات والحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور في الباب الثالث أمرا ممكناً.
ولكن يفهم من عبارة المحكمة ان تطبيق الشريعة في بلادنا أمر منتظر ومرتقب وفي الواقع هنالك اتجاه بارز وسط القانونيين يدعو لتطبيق الشريعة حتى ان لجنة كونت للنظر في تعديل القوانيين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية وقد أوضح الجمهوريون رأيهم في هذه اللجنة وقالوا إنها لا تفلح إلا في خلق بلبلة وأوضحوا ان تطبيق قانون العقوبات الإسلامية لن يتم إلا في ظل الدستور الإسلامي .. وليس في الشريعة الموروثة دستور لأن حكم الوقت الماضي قد اقتضى ان تقوم الشريعة على المصادرة المؤقتة والحكيمة والعادلة للحقوق الأساسية للأفراد والتي تقتضي المساواة بين المواطنين في الدولة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز بسبب العقيدة أو الجنس أو العنصر .. وقد قامت الشريعة على آيات الفروع المدنية والتي كانت نزولاً عن آيات الأصول المكية وهي الآيات التي تحمل الدستور الإسلامي لأنها ترسي الحقوق الأساسية للبشر ولا تميز بينهم بسبب الجنس أو العقيدة أو العنصر أو اللون .. والجمهوريون هم وحدهم الدعاة للدستور الإسلامي لأنهم وحدهم الدعاة لبعث آيات الأصول وإحياء السنة كمنهاج يعيد تربية المسلمين ويجعلهم مؤهلين لحكم الدستور الإسلامي.
ونحن حين نتحدث عن دستورية قانون العقوبات إنما ننسبه للدستور العلماني والذي يعتبر خطوة جليلة نحو الدستور الإسلامي توصلت اليها البشرية نتيجة صراع طويل عبر التاريخ من أجل الحرية وهو على ذلك مقصر عن شأو الدستور الإسلامي في تحقيق الحقوق الأساسية للإنسان المعاصر ذلك بأن الدستور الإسلامي أكبر من الدستور العلماني وهو أكبر من الشريعة .. وحين يدعو السلفيون اليوم لتحكيم الشريعة انما يضعونها في مقارنة غير حكيمة مع الدستور العلماني فيظهرون قصورها الحالي عنه فيشوهون الإسلام ويزهدون الناس فيه ..