بيت الطاعة عنوان لقصور الشريعة السلفية
ولقد جاء في ختام تلخيص مكتب الأحوال الشخصية لإتحاد نساء السودان، مطالبته بالحل الجذري الذى يلغي حكم "بيت الطاعة" إلغاءا تاما.. ونحن بدورنا نخاطب إتحاد نساء السودان مرة أخرى، بعد أن خاطبناه مرات عديدات ونخاطب أيضا المثقفين الحادبين على قضية المرأة وعلى قضية الإنسان، بأن بيت الطاعة باق ما بقيت قوامة الرجال على النساء، وما بقي الطلاق بيد الرجال، بمعنى آخر ماظلت الشريعة السلفية صاحبة الكلمة في قضايا الأحوال الشخصية..
ونحب أن نكون مفهومين، فإن الشريعة السلفية التى تعمل بها محاكمنا اليوم حينا، وتخرج عليها في أكثر الأحيان، ليست هى كلمة الدين الأخيرة.. ذلك أنها قامت على اعتبارات مرحلية، تعلقت بطاقة وحاجة إنسانية القرن السابع، وهى طاقة جد محدودة، اذا ما قيست بطاقة مجتمعنا الكوكبى المعاصر، ولقد اقنضت تلك الظروف المرحلية، وصاية الرجال على الرجال، ومن باب أولى وصاية الرجال على النساء.. وتمثلت تلك الوصاية في قوامة الرجال على النساء في أمر الأحوال الشخصية على نص ماورد في الآية الكريمة ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم)) وواضح من النص الكريم أن القوامة كانت مشدودة لواقع الحال في القرن السابع، فجاءت معلولة، بسب من قصور المرأة في مجال التجربة والكسب، الذى كان يعتمد على شدة الأسر وقوة البطش.. ولقد تفرع من هذه القوامة، كل صور عدم المساواة بين الرجال والنساء على نحو عام، وبصفة خاصة في قوانين الأحوال الشخصية، حيث أن المرأة على الربع من الرجل في الزواج وعلى النصف منه في الميراث، ثم أن الطلاق حق خاص بالرجل يستعمله كيف شاء ومتى شاء، ولقد كان هذا الوضع يجد حكمته وتبريره في الماضى بسبب من قصور المرأة وتخلف المجتمع، كما أنه لم تتجسد عيوبه، كما هو الحال الآن بسبب بقية من أخلاق الدين عند الرجال.. ولكن هذا النظام قد استعلن فشله اليوم ببروز قامة المرأة الجديدة، وظروف المجتمع المعاصر..
وعلى هذا الأساس من الفهم، فإن حكم "بيت الطاعة" منبثق من قانون الوصاية الذى قامت عليه الشريعة السلفية، ولقد عانت بلادنا كثيرامن حكم "بيت الطاعة" لايزال يجرها لمشاكل لا حصر لها، هددت سلامة الأسر، وشردت الأطفال، وقادت الى انحرافات كثيرة أضرت بحياة الأفراد وعقدت من مشكلة المجتمع.. ومما جاء في هذا الصدد من تلخيص مكتب الأحوال الشخصية لإتحاد نساء السودان عن فيلم "اريد حلا" مايلى: ((وهنا يبدأ الفيلم مسلطا الأضواء على مشكلة المرأة، بل المجتمع بأسره، لما تعانيه النساء في ساحات محاكم الأحوال الشخصية وكيف يعاملن وكيف يقهرن وكيف تساند تلك القوانين الرجل وتنصره ظلما وكيف تعالج مشاكل النفقة، وكيف تعاني نساء من الحاجة ومعهن أطفال أبرياء لا ذنب لهم)) ثم يمضي السياق في نقد أعمال المحاكم في تأخير الجلسات وتطويل الإجراءآت، مما يعرض النساء لذل الحاجة.. ولقد كان حكم "بيت الطاعة" ينفذ في بلادنا بواسطة البوليس الى وقت قريب، ثم ألغيت تلك الصورة من التنفيذ، ولكن ظلت المشكلة على ماهى عليه، لأن المرأة المحكوم عليها بالطاعة تصبح معلقة، فلا هي زوج ولا هي مطلقة، وبمعنى آخر عليها أن تختار بين موقفين: اما أن تتبع زوجها ذليلة ومضطهدة ومهيضة الجناح وإما أن تظل ناشزا، وكما هو معلوم، فان الناشز تسقط عنها الحقوق الزوجية، كالنفقة مثلا..
إن إلغاء التنفيذ بالقوة، لا يعني إلغاء الحكم، بل ان الحكم باق.. ولقد فهمت زعيمات الحركة النسائية في أول الأمر، ان الحكم نفسه قد ألغى، ولقد نبه الجمهوريون لهذا الخطأ الأساسى في حينه ولكن دون جدوى..