بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)
صدق الله العظيم
مقدمة
لقد ظلت الدعوة الإسلامية الجديدة، ومنذ أمد بعيد، توظف نفسها، وتجند كل ما تملك من طاقة في سبيل حرية الإنسان، وفى سبيل كرامته.. وإنه لمن المحقق عندنا أنه ليست هناك حرية تُبلغ، ولا كرامة تُرتجى، الاّ عن طريق تحرير المرأة تحريرا شاملا، يعيد لها إنسانيتها المهدرة وكرامتها المفقودة، وبهذا وحده تُعاد صياغة المجتمع صياغة جديدة، حيث تصلح نواته في الأسرة إصلاحا يجعل علائقها تقوم على الثقة وعلى المرحمة وعلى المحبة، فيسعد الأزواج، وينشأ الأطفال نشأة سوية، في جو سليم معافى، مبرأ من نقص الأخلاق وعيوب السلوك، ومن كل الآفات التى إيفت بها مجتمعاتنا المعاصرة..
لكل هذه الإعتبارات، فإن المرأة صانعة الرجال، وهى حجر الزاوية لنهضتنا الدينية المرتقبة، التى بها يبعث الإسلام جذعا قويا خلاقا، يستوعب حاجات الإنسان المعاصر، ويفجر طاقاته الكامنة، ويستوعب خصائصه الأصيلة بما يخصّب الحياة ويعمقها، وينزلها منازل الشرف، ومنازل الكرامة.. ومن هذا السبيل جاء اهتمامنا بقضية المرأة، والتى نثق أنها لن تجد حلها الجذرى والنهائى الا بتطوير شريعة الأحوال الشخصية من شريعة الفروع القائمة في بعض صورها اليوم الى شريعة الأصول التى نرتقب قيامها في الأيام المقبلة بعون الله وتوفيقه..
قوانين الأحوال الشخصية الحاضرة عاجزة
غني عن القول كما غني عن البيان، الحديث عن تخلف قوانين الأحوال الشخصية التى تحكم بها محاكمنا اليوم، فإنها قوانين قاصرة من جميع الوجوه، حيث اعتمدت على آراء الفقهاء التى بعدت عن روح الدين، وتجافت عن نصوص الشريعة.. ففى الوقت الذى نجد فيه أن روح الدين ونصوص الشريعة يقومان على المودة والمرحمة وحسن المعاشرة، نجد ان محاكمنا الشرعية لا تزال حبيسة لآراء الفقهاء، الذين يرون أنه ليس من واجب الزوج إشباع زوجته الأكول أو علاج زوجته المريضة، التى فقدت بالمرض أهليتها كزوجة.. وهذا على سبيل المثال فقط، والاّ فان هذه الصور البشعة المتخلفة كثيرة، ثم بعد ذلك كله تجد احترامها وقدسيتها، في محاكم دوائر الأحوال الشخصية، التى يقبع قضاتها فوق أكوام القضايا والمشاكل المماثلة، من غير أن يحركوا ساكنا، في تبصرة المواطنين بعيوب أمثال هذه القوانين الرجعية المتخلفة، وما ذاك الاّ بسبب تحجرهم وجمودهم، الذى توارثوه من طبيعة تعليمهم القاصر، المجافي لروح العصر، فمن أجل هذا، قد كنا، ولا نزال نشدد النكير عليهم، وندعو لتصفية وجودهم القانوني تصفية شاملة، لأن قوانين الأحوال الشخصية أعز من أن يؤتمن عليها أمثال هؤلاء!