القرآن المكي أصل والقرآن المدني فرع
الآن الأمة الأولانية مشت مراحل.. كانت شريعتها على مستوى الإيمان.. وكان قرآنها من كتاب الله القرآن المدني.. شريعتها نهضت على أساسه.. في الوقت دا نفسه كانت شريعة نبينا قائمة على أصول القرآن - على القرآن المكي.. بديء، في أول الأمر، بنزول القرآن المكي، ثم عندما عجز الناس عن إلتزامه، وظهر ظهورا عمليا أنهم لا يستطيعون الأصول (القرآن المكي)، نزل إلى الفروع (القرآن المدني) ليدرجهم، ولينقلهم إلى أمام، موش ليقيفوا عندها زي ما ظنينا نحن في الوقت الحاضر.. ما جاء بيهو الفرع يحاول يرفعنا للأصل.. والفرق بين الأصل والفرع أنو أنت في الأصل رجل رشيد ومسئول.. عندك حرية أن تفكر، وأن تقول، وأن تعمل، على شرط واحد هو أن تتحمل مسئولية عملك.. دا هو مقام الرجولة.. الرجل يعمل ويتحمل مسئولية عمله.. الطفل لا يستطيع أن يتحمل مسئولية عمله.. ولذلك هو عايز وصي عليه ليكون هذا الوصي حاجزا بينه وبين المسئولية الكبيرة.. الفرق بين الطفولة والرجولة هي أن الرجل يتحمل مسئولية عمله، والطفل يتهرب من مسئولية عمله فوجب أن يكون عليه وصي ليكون حاجزا بينه وبين المسئولية الكبيرة، لأنه لا يستطيعها.. القرآن المدني فروع بمعنى أنه قائم على الوصاية، النبي، الرشيد، الكامل، جعل وصيا على القصر ليرشدهم، ولذلك أمر بأن يشاورهم.. فالشورى محاولة لتعليم القصر ولإعطائهم الفرصة لتحقيق إنسانيتهم ولإنضاج شخصيتهم.. فهم يشاورون في شئونهم فإذا أصابوا الرأي نفذ الوصي عليهم رأيهم وإن أخطأوا بصرهم بالصواب ونفذه في نفس الوقت.. فالشورى غير ملزمة.. بعض الناس لما يتكلم عن الديمقراطية، أو عن الدستور الإسلامي يقولوا: "حكم الشوررى".. يجب أن يكون واضحا فإن الشورى ليست ديمقراطية، وإنما الشورى حكم الوصي الرشيد، جعل على القصر، وأمر بأن يرشدهم – أمر بأن يشاورهم: ((وشاورهم في الأمر))، زي ما قال ليه ((فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا، غليظ القلب، لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر.. فإذا عزمت فتوكل على الله)) دي تعني أنك تشاورهم، فإذا كان مشورتهم ظهر ليك أنها أقل مما ترى أنت من رأي فنفذ رأيك، لأن رأيهم غير ملزم ليك.. ثم اشرح ليهم ليه، ووين، كانت المفارقة، عشان يتعلموا.. زي ما هو في الثقافة العامة معروف فإن رأي المستشار ما ملزم.. حتى رأي المستشار الفني.. لو انت جبتو، انت رئيس الدولة، وجبت المستشار الفني، واستشرته في أمر، فأنت ما ملزم أن تأخذ برأيه.. قد تطرحه كله وتأخذ رأي غيره.. ثم أن الشورى ماها ملزمة.. المستشير ماهو ملزم يستشير، أو يستشير منو.. هنا يتضح تماما أن الشورى إنما هي مرتبة قصور – مرتبة وصاية.. والقرآن المدني إنما سمي "فرع" لأنه قائم على الوصاية.. والقرآن المكي إنما سمي "أصل" لأنه قائم على المسئولية.. وسماته واضحة.. فهو يقول: ((وقل الحق من ربكم!! فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.)) أو يقول: ((فذكر!! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر..)).. لي قدام جات مسألة السيطرة، حتى لقد جاء الحديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا "ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" فإذا فعلوا عصموا مني أموالهم، ودماءهم، إلا بحقها، وأمرهم إلى الله)) وتمشي المسألة بالصورة دي في التشريع.. فنحن الحاجة العاوزين نؤكدها هي أنو قرآننا إثنين – قرآن مكي، وقرآن مدني.. دا، بطبيعة الحال، وارد، الناس بيعرفوا أن القرآن مكي ومدني.. لكنهم ما بفتكروا أنو في إختلاف بين المكي والمدني، وإنما هو القرآن.. نحن عايزين النقطة دي يكون فيها أمر جديد، هو أن قرآن مكة قرآن أصول الدين، وقرآن المدينة قرآن فروعه، وأن الأمة المؤمنة شريعتها مستمدة من الفروع وذلك لتحولها، وتنقلها، لتستأهل قرآن الأصول، ولتكون هي الأمة المسلمة، في مستقبل الأيام.. وكنا قد قررنا، قبل كدا، البارحة، أن الأمة أيضا أمتين – أمة العقيدة، وأمة العلم، أمة المؤمنين، وأمة المسلمين.. أمة المسلمين كأمة، كمجتمع، ما جات في التاريخ، إلى اليوم.. وهي المجتمع المبشر بيهو أن يجيء غدا – مبشر بيهو في القرآن، ومبشر بيهو في الحديث.. مبشر بيهو في القرآن في قوله تعالى: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيدا)) ومبشر بيهو في الحديث: ((بدأ الإسلام غريبا. وسيعود غريبا)).. "سيعود" دي هي البشارة بمجيء الأمة المسلمة.. وبعدين العارفين سبب الغرابة الأولى يعرفوا أن "سيعود" هذه معناها "بالتوحيد".. سيعود غريبا معناها أن التوحيد يرجع مرة ثانية لينبعث في الناس، ويرتفع عموده إلى قمة جديدة.. قمة التوحيد تمشي ليفوق، كل حين، وباستمرار، من لدن آدم، وحيث بدأ رفع هذا العمود.. ((خير ما جئت به، أنا والنبيون من قبلي: "لا إله إلا الله")) كل الأنبياء جاءوا بـ "لا إله إلا الله".. اختلفوا في الشرائع، واتفقوا في التوحيد.. وكل بعث، وكل حركة، لتغيير الناس ما بتجيء بالشريعة، وإنما بتجيء بلا إله إلا الله، ثم من "لا إله إلا الله"، في مستواها الجديد، بتنزل التشاريع لتحل مشاكل الناس حسب الوقت.. يمكنك أنت أن تتصور عمود التوحيد، من لدن آدم، يرفعوا فيه حتة، حتة، بالصورة دي.. كلما جاء نبي جاء بلا إله إلا الله، ورفع عمود التوحيد رفعة جديدة.. يمكنك برضو أن تتصور عمود التوحيد زي الساري بتاع المولد.. ساري المولد البيرفعوه في ساحة المولد دا.. لو كان الساري بتاعك أربعة أمتار قد تربط الحبل ثلاثة أمتار من الأرض، وتخلي في رأس الساري متر واحد، وتنزل إلى الأرض أربعة حبال.. الحبال الأربعة ديل بتنزلها لتربطها بأوتاد.. يجوز تكون الأوتاد على بعد مترين أو ثلاثة أمتار من قاعدة العمود – من قاعدة الساري، أعني.. لما إنت تضرب أربعة أوتاد متقابلة وعلى بعد مترين أو ثلاثة أمتار وتشد على هذه الأوتاد الحبال الأربعة النازلة من إرتفاع ثلاثة أمتار من عمودك فإن هذا العمود – هذا الساري – يثبت..
فإذا كان العمود ارتفع ليبقى ستين مترا بدلا من ثلاثة، الأوتاد بتاعتك ما بتظل هنا، لازم الأوتاد تمشي بعيد، وإلا العمود ما بقيف.. والحبل بتاعك بيرتفع لي فوق، ما بكون ثلاثة أمتار من الأرض، ويفضل سبعة وخمسين مترا فوق العقدة.. برضه العقدة بتاعك على العمود لازم ترتفع لي فوق لتخلي ثلاثة أمتار من القمة.. بعدين حبالك بتقع بعيد من القاعدة.. الحبال دي بتمثل التشاريع.. كلما ارتفع عمود التوحيد، كلما اتسعت الدائرة البشرع فيها.. عمود التوحيد دا لما جات البشارة برفعه من جديد جات بالصورة دي: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ.. فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: فئة قليلة، مهتدية، في فئة كبيرة، ضالة..)) دا في رواية من روايات الحديث.. هنا لما يرتفع العمود بالصورة دي بيكون في نهضة، وفي تغيير، وفي تبديل كبير جدا في حالة الناس، لأن "لا إله إلا الله" بتدخل في القلوب تاني مرة.. بعد ما كانت "لا إله إلا الله" في الحناجر بتدخل في القلوب.. بتلقى الناس أخلاقهم أخلاق إسلام.. بغير كدا ما يكون.. قبيل الغرابة جات في التوحيد برضو.. لما كان في الكعبة 360 صنم، وطلع عليهم نبينا، وقال ليهم، وهم قاعدين حول الكعبة، ((يا أيها الناس قولوا "لا إله إلا الله" تفلحوا!!)) استغربوا.. بعدين جاء القرآن يحكي لينا استغرابهم: ((قالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا؟؟ إن هذا لشيء عجاب!!)) دي هي بداية الإسلام الغريبة.. ثم تعود الغرابة مرة ثانية مع عودة الإسلام، لأنه يجيء بالتوحيد في مستوى جديد، يستغربه حتى الموحدين، في زعمهم.. يستغربه حتى الموحدين البقولوا "لا إله إلا الله".. لما ينبعث الدين من جديد إنما ينبعث في مستوى جديد يستغربوه، وينكروه، ويلجوا منه، زي ما لج منه الناس الأوائل، ثم يسوقهم الله إلى كلمة الحق لأن الحق منصور بالله، ولا بد منه.. فالعبارة بتاعة البشارة، في القرآن، والحديث، واردة بالصورة القلناها.. يجيء الإسلام من جديد، لكنه إنما يجيء بلا إله إلا الله من جديد.. و"لا إله إلا الله" الشهادة دي برضها شهادتين: ((شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم..)) شهد الله لنفسه بالتوحيد.. ثم تنزلت هذه الشهادة لأولي العلم اللي هي شهادة الأرض.. نحن في الأرض نقول: "لا إله إلا الله"، وربنا في عليائه قال لا إله إلا الله: ((شهد الله أنه لا إله إلا هو..)) العباد الواعين غرضهم أن يتحركوا بالشهادة من شهادة الأرض نحو شهادة السماء.. كأنك تريد أن تشهد بوحدانية الله كما شهد الله لنفسه بالوحدانية، وهيهات!! بعيد!! ولكن هذا الأمر هو المطلوب، ولذلك يجيء الحديث: ((لو توكلتم على الله حق توكله)) ، أو : ((إتقوا الله حق تقاته)) هذا في القرآن.. فحديث النبي: ((لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، ولعلمتم العلم الذي لا جهل بعده ثم قال: وما علم ذلك احد.. قالوا: ولا أنت؟؟ قال: ولا أنا!! قالوا: ما كنا نظن الأنبياء تقصر عن شيء!! قال: أن الله أجل، وأخطر، من أن يحيط بما عنده أحد..)) دا في الحديث.. وفي القرآن، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا: اتقوا الله حق تقاته)).. هناك: ((لو توكلتم على الله حق توكله)) وهنا: ((يأيها الذين آمنوا: اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.)) قالوا: أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟؟ قال: ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا..)).. نزل من القمة الكبيرة في المطالبة "بحق تقاته" إلى أن نتقيه ما استطعنا.. حق التقاة "للمسلمين"، والتقوى ما استطعنا "للمؤمنين".. داك قرآن أصل، ودا قرآن فرع.. فبالصورة دي القرآن يمشي في الثنائية المتتابعة، اثنين، اثنين، وباستمرار.. ونحن محاولتنا وباستمرار هي أن نرتفع من القاعدة (الفرع) نحو القمة (الأصل).. هنا فيما يخصنا القمة البنرتفع ليها هي الإسلام بالمعنى البيهو الإسلام هو الانقياد التام.. الإسلام بمعنى الانقياد التام دا هو ما نرتفع ليهو من الإيمان.. هكذا في المراقي دي يجب أن نكون في حركة مستمرة..