إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الماركسية في الميزان

الإشــتراكية المثــالية


الإشتراكيين البرييطانيين كانوا أسبق على الفكرة الإشتراكية من سكان القارة الأوربية .. الأمر المشهور هو أنه قد كان في بريطانيا رجل إسمه روبرت أوين ، يقال أنه هو أول من إستعمل كلمة إشتراكية .. روبرت أوين ، إشتراكيته ، في بريطانيا ، باقية حتى الآن .. و هي إشتراكية حزب العمال ، و الجهاز الفلسفي ليها سموه جمعية الفابيين FABIAN SOCIETY .. الإسم بتاعها جائي من قائد روماني قديم إسمه فابيوس .. يقال أن فابيوس ده ، كان عنده من المهارة التكتيكية ما يخليه يهزم العدو بدون ما يواجهه .. هو لا يواجه عدوه أصلا ً ، و لكنه بالكر ، و الفر ، و بالمناورات ، وبالتجسس ، قد كان يقلق راحة ، و نوم العدو ، و بالصورة دي يهزمه .. هم كأنما قالوا إننا نحن إشتراكيين على صورة من عمل فابيوس هذا في التكتيك الحربي .. لنا أسلوب مراوغة نستطيع بيهو أن نهزم الرأسمالية ، و المستغلين ، و أن ننصر الطبقات المستغلة .. السمة الكان عليها روبرت أوين في إشتراكيته ، كانت محاولة تطويرالوضع .. للعمال يسعوا لكسب التشاريع في البرلمان البتديهم حقوق التنظيم ، بعدين ، بنوع من الضغط إلى حد كبير ، قائم على الأوضاع السلمية ، و التنظيم النقابي ، يستطيعون أن يكرهوا أصحاب الأعمال ليحسنوا في حالة العمال ، سواء في ساعات العمل ، أم في زيادة الأجور .. روبرت أوين نفسه كان من أصحاب الأعمال .. و المعروف أن روبرت أوين لما جاء يطبق المسألة دي ، ليعطي فرصة للعمال ، من دوافع أنسانية ، من عندو ، وليمشي في تطبيق أفكاره ، حاربوه ، حاربه أصحاب الأعمال الكبيرة ، لغاية ما في الآخر أفلس . هنا كارل ماركس عنده نظرة للإشتراكية بتاعة روبرت أوين .. هو بيعتبرها مثالية .. مثالية معناها بتقوم على أفكار حالمة .. إذا كان هناك إنسان مستغلك ، و عندو حقك ، و أنت بتنتظر أن تأخذ منو حقك دا بالتي هي أحسن ، و بالمناورة ، و المداولة ، وبسن التشريع ، و بالإصلاح العام السلمي .. بالصورة دي ما بتكون في عندك فرصة .. و بتكون أنت مثالي .. هذا هو المعنى المقصود ..

الإشــتراكية العلميــة


في فرنسا الحركة (الإشتراكية) كانت تسمى (الشيوعية ..) كلمة الشيوعية جاية من أصل لاتيني ، معناه (الملكية العامة لوسائل الإنتاج) .. لكنها بتقوم على العنف .. الشيوعيون هم بقايا من الثورة الفرنسية المعروفة عندكم .. فهم يرون من ثم أن التغيير لازم يكون بالعنف .. فإذا كان العندو حقك ، و هو مستغلك ، و ما ممكن يديك حقك بالتي هي أحسن ، و هذا عندهم أمر طبيعي ، تصبح الحاجة العملية ، و العلمية ، أن شئتم ، هي أنك أنت تقاتله ، و تأخذ منه حقك بالقوة .. و القوة منها الثورة المسلحة ، ومنها دون ذلك ، و أنت بتحاول أن تجيبها بالصور المختلفة التي منها إتحاد الناس المتسغلين .. و المستغلين هم عادةً الطبقة الكبرى ، هم العدد الهائل في كل شعب .. العدد الكبير بيكون المستغَل ، والعدد المستغِل بيكون القليل .. فأنت بالتنظيم يمكنك تجميع ، و توحيد ، المستغلين ليقووا ، حتى يستطيعوا أن يأخذوا حقهم .. ومن ذلك جاء الشعار بتاعهم: (يا عمال العالم إتحدوا !! ليس عندكم ما تفقدونه سوى قيودكم) .. فهنا ، كارل ماركس ، أعجبته الفكرة (الإشتراكية) الفرنسية ، أو قل (الشيوعية) .. و لذلك فقد سمى مذهبه (بالشيوعية) .. فيما بعد ظهر التمييز بين (الإشتراكية) ، و (الشيوعية) ، و لكن ، في الأول ، في الوقت الأولاني ، ما كان في تمييز واضح .. ولكن ، في الآخر ، ظهر أن (الإشتراكية) مرحلة نحو (الشيوعية) .. إذا كنت أنت عايز تكون شيوعي ، في آخر المطاف ، لا بد أن تمر ، من الرأسمالية ، بمرحلة الإشتراكية ، ريثما تصل لمستوى الشيوعية .. هنا النظرة بتاعة كارل ماركس للموضوع دا سميت (الإشتراكية العلمية) .. لما هو سمى (الإشتراكية) بتاعة روبرت أوين (مثالية) سمى إشتراكيته (علمية) .. و علميتها بتجي من نظرته هو للتاريخ ، و للطبيعة .. عنده أن الطبيعة بتطور بإستمرار ، و عندها قوانين بتحكمها في تطورها هذا .. معرفة القوانين دي ، البتخضع ليها الطبيعة ، سواء أكانت في العناصرالصماء ، أم في المجتمع البشري ، أم في الفكر البشري ، معرفة القوانين دي ، كارل ماركس سماها (المادية الديلكتيكية) ـ المادية الجدلية ـ بعض الناس بيقولوا في ترجمتها .. لكن دي ترجمة غلط ، لأن المسألة مش مسألة جدل ، و إنما مسألة تطور .. فكأنما ، عند ماركس ، جدل الطبيعة صراع بين العناصر .. كان كأنما بيري أن الطبيعة بهذا الصراع بتناقض المتناقضات ، بتصفي المتناقضات ، بتطور .. و هي في تطورها ، إنما بتنتقل من الكم إلى الكيف .. فالعبارة دي ، بالصورة دي ، ترجمتها بكلمة (جدلية) لا تكفي .. و كذلك يرى كثير من الجماعة القالوا عليها (بالديلكتيكة).. فأنتم تسمعون عن: (المادية الديلكتيكية) عند ماركس ، و لكن ما هي ؟؟ هي علم القوانين العامة البتحكم الحركة سواء أكانت في العالم الخارجي أم في الفكر .. و الحركة معناها شكل المادة ، عند ماركس .. عنده أصلو ما في مادة بدون حركة ، و لا في حركة بدون مادة .. فإنما هو التطور المستمر ، في العناصر الموجودة في البيئة النحن بنعيش فيها ، و في داخلنا نحن ، و في مجتمعنا .. دا هو ما سماه ماركس (بالمادية الديلكتيكية) .. و ماركس ، زي ما قلنا عن وضعه بالنسبة للإقتصاد الكلاسيكي ، في بريطانيا ، كان ، بالصورة دي من فهمه للديالكتيك ، قد رصد ، و درس كثيراً من حقائق هذا الإقتصاد .. هو ، في الحقيقة ، لم يكن مهتماً بمجرد فكرة روبرت أوين الإشتراكية ، و لكن الرأسمالية نفسها درسها ، ورصدها .. درس حالة العمال ، و المصانع ، و الإستغلال ، والفائض ، و علاقات الإنتاج ، و كتب عنها كثيراً .. كان قد إستفاد من موقفه من فرنسا وإشتراكيتها كما شفناه .. أما عن موقفه من الفلسفة بتاعة هيغل فسنقول قولاً موجزاً .. أنا جبت ليكم كتاب: كتبه استالين عن (المادية الديلكتيكية) و (المادية التاريخية) يوريكم رأي ماركس في مسألة هيغل .. هو ، في بداية أمره كان من تلاميذ هيغل ، لكن ، في الآخر رأي هيغل فيلسوف مثالي .. مثالي بمعنى أنه بيتكلم عن غير المادة .. بيتكلم عن (الميتافيزيقيا) ـ ما وراء المادة ـ الروح .. هنا قال هو ، ودي عبارة أخذت منه:- (أن طريقتي الديلكتيكية لا تختلف عن الطريقة الهيغيلية من حيث الإحساس فحسب ، بل هي ضدها تماماً .. فحركة الفكر ، هذا الفكر ، الذي يشخصه هيغل ، و يطلق عليه إسم الفكرة ، هو في نظره خالق الواقع و صانعه ، و عنده ما الواقع إلا الشكل الحادثي للفكرة) .. دي فكرة هيغل ، أما ماركس فقد قال عنها: (إنها ، في نظري ، فعلى العكس !! حركة الفكر ليست سوى إنعكاس للحركة الواقعية ، منقولة إلى دماغ الإنسان ، و مستقرة فيه) .. يعني هذا أن هيغل بيرى أن الوجود المادي إنما برز كتنفيذ لفكرة سابقة .. ماركس بيرى أن الفكرة نفسها إنما هي أثر من أثر الحركة في المادة إنعكس على العقل البشري ، و إستقر فيه .. بمعنى آخر ، هيغل بيرى أن الفكرة سابقة للوجود .. ماركس بيرى أن الفكرة لاحقة للوجود .. بمعنى ، لسع أوسع ، ماركس عنده أن العقل أثر من آثار المادة .. هيغل يرى أن العقل سابق للمادة ، و هو الخلقها ، و أوجدها .. هنا دي هي المفارقة الحقيقية بينهم .. المفارقة الحقيقية هي أن (المادة سابقة للعقل) في فكرة ماركس ، و(العقل سابق للمادة) في فكرة هيغل .. من أجل ذلك هيغل بيعتبر ، عند ماركس ، مثالي .. هنا في بعض الناس بيقولوا أن هيغل كان يرى أن الوجود ـ الإنسان ، و الطبيعة ، ما نراه كله ، ومايمكن أن نراه ، هو ، في مجموعه ، يكون الله .. دا حسب هذه الفلسفة .. الله موجود ، لكنه هو جملة الوجود !! بطيبعة الحالة المسألة الماركسية ، المسألة المادية ، بتعتمد على زعمها أن المادة ما محتاجة لشئ خارج عنها .. أنا أفتكر أن النقطة دي هي المحك الحقيقي ، و لذلك فإنها تحتاج لبعض التعبير عنها شوية لي قدام ، و تستحق بعض الإهتمام بيها زيادة ..