ربا الدفع المؤجل
والبنك لم يكتف بالمرابحة لتحصيل الفائدة التي يعتبرها ربحا، ولم توقفه كل الشبهات، والمحاذير، التي ذكرناها.. فهو اذا كان يرى أن رأسماله المستحق هو سعر السلعة زائدا ربح البنك، فإن المشتري اذا كان لا يستطيع الدفع الفوري، فإن البنك يؤجل له الدفع، ويزيد عليه السعر مقابل هذا الأجل، وهذا هو الربا بعينه (أخّرني أزدك).. فمن الناحية العملية مثلا فإن العميل يحضر للبنك فاتورة قانونية مبدئية بسعر البضاعة في السوق فيقوم البنك بتقدير سعر أعلى مقابل تأجيل الدفع، فيكون، من الناحية العملية، قد وضع للسلعة الواحدة، سعرين، اذ يبيع السلعة بأكثر من سعر يومها من أجل النساء، كما يعبر الفقهاء كان هذا من البنك مع صريح النص، في قوله تعالي: (إِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ).. وهكذا أصبح البنك يأخذ سعرا زائدا، مقابل هذه (النظرة)، وهكذا يصبح للسلعة الواحدة ثمنان عند البنك، ثمن للدفع الفورى، وثمن للدفع المؤجل، يزيد في مقابل مدة الزمن.. وهم يبررون ذلك كما جاء في كتيبهم ص 5 (يجوز حسب رأى جمهور الفقهاء والذي سارت عليه هيئة الرقابة الشرعية أن يزيد سعر بيع السلعة اذا كان الدفع مؤجلا بشرط ان يكون السعر محددا تحديدا نهائيا عند البيع).. ولكن أين فتوى هيئة الرقابة هذه من قوله تعالي: (إِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ).. والبنك بالسعرين للسلعة الواحدة، قد جعل بيعتين في بيعة، وقد جاء في الحديث الشريف: (من باع بيعتين في بيعه فله أوكسهما أو الربا!!).. وجاء في الموطأ الجزء الثاني صفحة 156 (وحدثنى مالك انه بلغه ان رجلا قال لرجل ابتع لى هذا البعير بنقد حتى ابتاعه منك الى اجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه وحدثني مالك انه بلغه ان القاسم بن محمد سئل عن رجل اشترى سلعة بعشرة دنانير نقدا او بخمسة عشر دينار الى اجل فكره ذلك ونهى عنه!!).. والغريب ان السيد نائب المدير، يزعم ان زيادتهم السعر ابتداء بسبب تأخير الدفع ليست ربا، ولكن اذا أعسر العميل عند حلول أجل الدفع، فإن الزيادة على السعر المحدد، تكون ربا، وفات على السيد نائب المدير، ان سبب الربا في الحالتين هو الزيادة من أجل عنصر الزمن، (أخّرني أزدك)..
التحايل على أكل الربا
ان رأى الفقهاء الذي سارت عليه هيئة الرقابة الشرعية والذي يبيح البيع المؤجل الدفع، بفائدة، مع التحريم الواضح للقرض المؤجل السداد بفائدة، رأى لا قيمة له، لأنه يميّز بين المال في صورة النقد، والمال في صورة السلعة، مع أن المال يمكن أن يتحوّل الى سلعة في أى لحظة، فيصبح التمييّز بينهما لا طائل تحته.. ومن أمثلة هذا الفهم الملتوي الذي يحاول تبرير الربا بإظهاره بمظهر البيع ما ورد في مجلة البنوك الإسلامية التي يصدرها الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية في العدد التاسع فبراير 1980م صفحة 17 حيث جاء: (ان لإقتراض 50 جنيها مثلا لتسترد على مدى عام، كل شهر خمسة جنيهات حرام قطعا، لأن المدين سيدفع عشرة جنيهات أكثر مما أخذ. ولكن اذا كان هناك سلعة تباع نقدا بمبلغ خمسين جنيها وتباع بالتقسيط بحيث يدفع المشتري خمسة جنيهات كل شهر لمدة عام فهذه الصفقة حلال قطعا.
المسألة كلها تتصل بالقرض بربا فهو حرام. أما المعاملات فلها جوانب واسعة من اليسر والسهولة.) إنتهى..
ان هذا المثال، الذي ساقه مفكروا البنوك الإسلامية، يقف شاهدا على مبلغ التزييف، الذي يتحايلون به على أكل الربا. اذ ان الشخص المحتاج لمبلغ الخمسين جنيها يمكن ان يشتري سلعة، بهذا الثمن بأقساط خمسة جنيهات في كل شهر لمدة عام، ولأنه يريد المبلغ ولا يريد تلك السلعة فإنه يمكن ان يبيعها بعد شرائها مباشرة، لنفس صاحبها بمبلغ الخمسين جنيها فيكون مدينا له بمبلغ العشر جنيهات، والتي كانت سعر الفائدة على القرض اساسا، قبل ان يحول المال المقترض الى سلعة. وهذا الإلتواء وهذا الخداع يمارس باسم الشريعة وباسم الإسلام وانه لمن الجرأة على الله قول البنوك الإسلامية (ان بيع السلعة بأكثر من سعر يومها بسبب النساء "حلال قطعا") وأين هم من الحديث الشريف (فله أوكسهما أو الربا)؟؟
صيغة مرابحة البنك
جاء في كتيب (كيف تتعامل مع بنك فيصل الإسلامي) ص 4 ما يلى:
(1/ يقدم العميل الراغب في الشراء طلبا للبنك يوّضح فيه نوع البضاعة وكميتها وأسعارها ومواصفاتها والمواعيد المطلوب الحصول عليها فيها ونسبة الربح التي يقترح أن يدفعها للبنك وطريقة الدفع ويدعم الطلب بالمستندات اللازمة مثل الفواتير المبدئية ورخصة الإستيراد "اذا كانت السلعة مستوردة"..
2/ في حالة الإستيراد يقدم العميل تفويضا كتابيا للبنك يمكّنه من القيام بإجراءآت الإستيراد والتخليص نيابة عنه.
3/ يقوم البنك بالإجراءآت اللازمة للحصول على البضاعة ودفع قيمتها ونفقات الترحيل والتأمين الخ.. حتى وصول البضاعة للمكان المتفق عليه لإتمام عملية البيع.
4/ بمجّرد وصول البضاعة يخطر البنك العميل ويعطيه الخيار في شراء البضاعة التي تم الحصول عليها حسب مواصفاته خلال فترة محددة فاذا لم يقم العميل بالشراء يكون للبنك الحق في بيعها لأى شخص آخر) إنتهى.. وهكذا فإن التاجر المورّد ليس للبنك سبب يجعله يربح منه في بضاعته المستوردة بإسمه، أو بيعها لغيره ان لم يحقق له هذا الربح، ليس له سبب، الاّ ان البنك يستطيع ان يدفع، وان التاجر المورّد محتاج لذلك، وهكذا يحقق البنك أرباحه بهذه الأساليب تحت شعار بيع المرابحة..
المرابحة والغرر
ان بيع المرابحة كما يمارسه البنك يدخله الغرر والغرر هو البيع المجهول العاقبة وهو عند الفقهاء (ما كان ظاهره يغر وباطنه مجهول وهو بيع المخاطرة ومنه الجهل بالثمن أو المثمن أو سلامته أو أجله)..
وقد روى ابو هريرة (نهى رسول الله عن بيع الغرر) رواه مسلم وعن علي قال: (نهى رسول الله عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة حتى تدرك).. أخرجه أبو داؤود كما أن الأحاديث النبوية تنهى المرء عن بيع ما ليس عنده وعن الربح فيما لم (يُضمن)، بمعنى ان يصبح في مسئوليته.. ولكن بنك فيصل يحدد مع العميل الربح الذي هو ثمرة البيع، و يربح فيما لم (يُضمن) وان كانت هيئة الرقابة الشرعية قد احتالت له بألا يلزم العميل بالشراء فإن العميل ملزم بالحاجة الملّحة التي استغلها البنك ولذلك، وكما يحدثنا السيد نائب المدير العام في محاضرته (لم يحدث سوى مرة واحدة أن رفض عميل استلام السلعة بعد وصولها) ولذلك فهذا الخيار الوهمي للعميل إنما هو حيلة، وهو خيار يكذبه الواقع العملى..
فالبيع واقع ثمرة، وحقيقة، واتفاقا مقدما على الربح، وعلى الثمن، والدفع.. ومع كل ذلك فما هو موقف البنك من الحديث الشريف، روى ابن حزام قال: (أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وقلت يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أأبتاع له من السوق ثم أبيعه؟؟ قال: لا تبع ما ليس عندك!!)..
وما رأى هيئة الرقابة الشرعية فيما جاء في كتاب (الغرر وأثره في العقود)، وما نصه: (قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا يحل بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لم يضمن!!" يدل هذا الحديث على انه لا يجوز ان يبيع الإنسان ما ليس عنده، ثم يذهب الى السوق ويشتريه، ليسلّمه للشخص الذي باعه له.. وعلة المنع هى "الغرر")؟؟ إنتهى والمعلّق على هذا الحديث ومؤلف هذا الكتاب، هو البروفسير الصديق محمد الأمين الضرير، وهو رئيس هيئة الرقابة الشرعية التي جوّزت للبنك مثل هذه المعاملات!! ترى هل كان البروفسير يدرى حين ذكر الحديث الذي اشرنا له في كتابه انه سيصبح مستشارا دينيا لبنك فيصل فيضطر، حسب موقعه الجديد، ان يحلّل ما كان يراه حراما؟!!
رأى عضو رقابة شرعية في مرابحة البنك
جاء في مجلة بنك فيصل الإسلامي السوداني عدد سبتمبر 1980 مقالا عن بيع المرابحة بقلم الدكتور يوسف حامد العالم (عميد كلية الدراسات الإجتماعية بجامعة أم درمان الإسلامية وعضو هيئة الرقابة الشرعية بالبنك)، ومما جاء في ذلك المقال قوله: (الملاحظ ان بعض العقود التي قدّمت لهيئة الرقابة الشرعية على أساس انها عقد مرابحة هذا العقد خليط من عقود عديدة جعلته غير صالح لأن يكون عقد مرابحة بالشروط اللازمة في عقد المرابحة لأن العقد اشتمل على عقد وكالة من صاحب الرخصة للبنك وعقد اقتراض لأن البنك هو الذي يقوم بدفع ثمن السلعة المستوردة بتلك الرخصة فهذا التداخل في العمليات جعل هذا العقد لا تنطبق عليه شروط عقد المرابحة..
البدائل لمثل هذا العقد:
1) أولا للبنك أن يشتري الرخصة من صاحبها ويستورد بها ما يراه من السلع ثم يبيعها مرابحة لصاحب الرخصة أو لغيره.
2) ان يكون وكيلا عن صاحب الرخصة بشروط الوكالة ويأخذ أجره عن القيام بالوكالة.
3) أن يكون شريكا لصاحب الرخصة ويلتزم بواجبات الشراكة) إنتهى..
وهكذا شهد شاهد من أهلها بأن بيع المرابحة لا يتأتى لمن لا يملك السلعة واذا علمنا ان خليط العقود الذي أفسد عقد المرابحة، كما يقول السيد العضو، هو أيضا وارد في صيغة مرابحة البنك كما نقلناها أعلاه من كتيب البنك في البنود من 1 الى 4، واذا كان هذا هو الرأى الشرعي من عضو الفتوى وان بدائله ليست فيها صيغة شرعية للمرابحة، فكيف مرابحة البنك يا ترى؟؟ وهل هو مشتري رخص؟!! وهل لا يزال العضو على رأيه؟!!