إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

الباب الأول

بنك فيصل في ميزان الشريعة والدين



ما هو الربا؟


الربا لغة هو الزيادة.. وهو في الشريعة، الزيادة بلا مقابل.. مما يحقق الظلم، والإستغلال. وقد إتفق الفقهاء على أن الربا هو (زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير ان يقابل هذه الزيادة عوض، فإن كانت الزيادة بسبب "تأخير الدفع" فهو ربا النسيئة، أى التأخير، وإن كانت الزيادة مجرّدة من التأخير، ولم يقابلها شىء، فهو ربا الفضل)، راجع "الفقه على المذاهب الأربعة"، باب "الربا".

الربا من أغلظ المحرمات


والربا مغلّظ الحرمة بصورة لا مثيل لها. فقد جاء عنه في سورة البقرة (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فإنتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فإن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).
وجاء في التنفير، الغريب، عن الربا، في الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه ان النبى صلي الله عليه وسلم قال: (الربا سبعون بابا أيسرها ان ينكح الرجل أمه في الإسلام) سنن ابن ماجه وعن جابر بن عبد الله قال: (لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه، قال: هم سواء!!) – رواه مسلم.

لماذا حرّم الإسلام الربا؟


واضح مما أوردنا من النصوص أن الربا، من أشد المحرمات توكيدا، وأكثرها ضررا، على مقترفيها، وما ذاك، الاّ لأن الربا جريمة عظمى، في حق الفرد، وفي حق المجتمع. لقد كان اتجاه الإسلام في تحريم الربا، يعمد الى تصفية أكثر الجوانب سوءا، وظلما، في النظام الرأسمالي، آنذاك، الى أن يحين الحين لتصفية الرأسمالية، تماما، بقيام المجتمع الإشتراكى، يظهر ذلك في التركيز على عدم الظلم، في قوله تعالى: (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
فالرأسمالية كلها تقوم على الظلم، ولكن الظلم في الربا، اوضح من غيره، والمجتمع في ذلك الوقت، في حياته البسيطة كان اقدر على محاربة الربا، من تجاوز الرأسمالية برمتها. وكذلك إتجه التشريع في التدّرج بالبداية بالربا، كما أشرنا آنفا.. لقد حرّم الربا لأنه يهزم غرض الدين في تحقيق المعاملة الرفيعة التي تقوم على البر والتعاون – والدين المعاملة- ببناء القيّم الإنسانية لأن الربا يقوم على قيمة المادة، وحدها، ويهمل كل ما عداها، مما ينتج عنه ظلم الآخرين، وأخذ ثمار مجهوداتهم، واستغلال حاجتهم.. هذه الشدة في تحريم الربا، تجعل المؤمن الوّرع، يتجافى عن الحلال الطيب، ويفر عما فيه أدنى شبهة من الربا، دع عنك أكل الربا، وتبريره، واستخراج الفتاوى في تأييده، كما سنرى في بنك فيصل الإسلامي..

البنك الإسلامي يعترف بممارسة الربا


سألت مجلة الإهرام الإقتصادي، العدد (493) أول مارس 1976م الأمير محمد الفيصل، مؤسس البنوك الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة، بنك فيصل السوداني والمصري: (هل يمتد نشاط البنك خارج مصر؟؟) فأجاب: (بالطبع لديه الإمكانية أن يتعامل مع الخارج.. والخارج كله يتعامل بالربا في جميع أعمال الكمبيالات والإعتمادات.. البنك إذن مضطر للتعامل مع الخارج خاصة في الإعتمادات المستندية، وهى تمّثل تعهّد البنك أن يدفع للمصدر قيمة البضائع المشحونة بعد تقديم مستند الشحن، وشروط الإعتماد. وتقوم البنوك بهذا العمل فيتحصل البنك على فوائد المبالغ المستحقة للبنك الراسل، وبهذا يجد البنك نفسه مضطرا، للتعامل بالربا أو التقوقع، والإنعزال عن المعاملات، مع البنوك الأخرى داخل القطر، وخارجه، مما يقضى عليه بالنهاية والفشل التام)..
بنك فيصل الإسلامي، إذن، وبحسب رأى الأمير السعودي، المؤسس له، يمارس الربا حتى لا يقضى عليه (بالنهاية والفشل التام)!! ثم هو يعتبر خوفه من الفشل، بمثابة الإضطرار الذي يبيح له ممارسة الربا..
وهذا أيضا.. رأى الدكتور أحمد النجار المنظّر لفكرة البنوك الإسلامية، فهو قد قال: (اننا اذا كنا نستطيع ان نقول للعالم الإسلامي امتنع عن الربا، ونستطيع بذلك أن نطّهر معاملاتنا، لا نملك فرض هذا الحكم على البلاد غير الإسلامية، التي نتعامل معها، وما دمنا مضطرين للتعامل مع هذه البلاد، في إستيراد سلع لم نصل الى إنتاجها بعد، فلا مناص من التغاضى عن وزر الربا، الذي يشوب معاملاتنا، معهم، وذلك قياسا على القاعدة "الضرورات تبيح المحظورات") إنتهى: "المدخل الى النظرية الإقتصادية في المنهج الإسلامي" صفحة 169.
السؤال هو: لماذا أنشئت البنوك الإسلامية ما دامت هناك ضرورة تفرض ممارسة الربا؟ وما المأخذ على البنوك الربوية إذا تذّرعت بأن ضرورة الحياة تفرض عليها أن تمارس الربا؟
إن الضرورة التي تبيح الحرام، إنما هى ضرورة الحياة أو الموت، وليست ضرورة إنشاء البنوك الإسلامية والتعامل مع البنوك الأجنبية، قال تعالي في ذلك (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّ‌مًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً، أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ‌، فَإِنَّهُ رِ‌جْسٌ، أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ‌ اللَّـهِ بِهِ.. فَمَنِ اضْطُرَّ‌ غَيْرَ‌ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَ‌بَّكَ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ..) هذه هى الضرورة المقصودة بعبارة (الضرورات تبيح المحظورات)، وهى إنما تحل الحرام حين يكون ليس هناك سبيل غيره لدفع الهلاك..
ومن حسن التوفيق، ان هذا هو رأى الأمير السعودي نفسه.. فهو قد قال لمجلة الإهرام الإقتصادي في نفس العدد (والإقتراض بالربا محرّم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، ويحضرنا في هذا المقام ما ذهب اليه بعض الفقهاء من أن الضرورة شرعا لا تتحقق الاّ حيث يخشى الإنسان الهلاك على نفسه.) إنتهى.. وهذا أيضا هو رأى الدكتور النجار الذي عبّر عنه في كتابه آنف الذكر صفحة 161 بقوله: (الضرورة في الإسلام محددة بالحديث الشريف (أن يجىء الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله).) إنتهى. هذا هو رأى مفكري ومؤسسي البنوك الإسلامية عن الضرورة ورغم هذا الرأى الواضح حللّوا التعامل بالربا خشية فشل البنك الإسلامي بإعتبار (ان الضرورات تبيح المحظورات) فهل رأى الناس استخفافا بالحق، واستهتارا بالحلال، والحرام مثل هذا؟!