صيام المواصلة
لقد كان النبي يصوم صيام المواصلة، وهو لا يفطر عند مغيب شمس اليوم الأول انما يواصل الصيام بالليل، ونهار اليوم الثاني، ثم لا يفطر أيضا عند مغيب شمس اليوم الثاني ويواصل الصيام لليل الثاني ويفطر في نهاية نهار اليوم الثالث.. فهو يصوم ثلاثة أيام وليلتين.. وقد كان ينهي من يريد أن يقلده في هذا الصيام من أصحابه.. فصيام المواصلة هو عمله في خاصة نفسه، هو سنته، بينما اقتصر صيام الأصحاب على رمضان، وهذه هي شريعته، فنحن الجمهوريين دعاة إلى بعث السنة، والسنة عندنا هي عمل النبي في خاصة نفسه، فهل نحن دعاة إلى صيام المواصلة؟ الجواب لا!! لماذا؟!
لأن النبي قد فدى آخر هذه الأمة بهذا الصيام، فهو بينما كان يشجع الأصحاب على قيام الليل، والليل، في الماضي، فرض عليه وحده حيث كان يقول: (أفضل الصلاة، الصلاة بالليل والناس نيام)، كان ينهاهم عن صيام المواصلة – فقد روي أن بعض الأصحاب أراد أن يقلده في هذا فنهاهم فقالوا له: (انا نراك تواصل يا رسول الله!!) فقال لهم: (إني لست كأحدكم فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني).. فقد كان يطعمه اليقين – العلم -.. فروح التفدية واضحة من روح هذا الحديث – فقد كان لا يعطي الفرصة لأي من أصحابه أن يجرب ممارسة هذا الصيام بينما كان لا يمانع أن يحاول محاكاته بعض الأصحاب – بل يرغبهم – في بعض عمله الخاص به كصلاة الثلث الأخير وزكاة العفو (رغم انهم لم يبلغوا ما كان عليه في كلتيهما).. وهو انما يفعل بأصحابه ذلك لأمرين أحدهما درأ للمشقة عنهم والعنت، ذلك لأن صيام المواصلة مشقة شديدة.. وثانيهما أن عمله لم يكن مكتوبا عليهم وانما كان من باب الندب، وهو قد فداهم في صيام المواصلة بعض التفدية، ولكن تفديته كلها لأمة المسلمين التي اشتاق إليها وتنبأ بمجيئها.. فقد صام النبي صيام المواصلة وأنزل لنا المنهاج المتكامل وعلى رأسه (الصلاة، وصيام الشهر، والنافلة) والذي به نرقى المراقي، فأصبح لا حاجة لنا من بعد ذلك بصيام المواصلة..
وقد تحدثنا هنا عن صيام المواصلة لنلفت نظر القارئ إلى هذه التفدية، حتى تزيد محبته للنبي الكريم، ويقوي تعلقه به، مما يجعل تقليده سهلا ومثمرا.. ولينظر في مجالات التفدية الأخرى التي وضع بها النبي كثيرا من الاصر عنا: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة، والانجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم أصرهم، والأغلال التي كانت عليهم).. و(لقد جاءكم رسول من انفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم).. فهو يشق عليه ما يعنتنا ومن هنا جاءت التفدية وحمل الاصر عنا.
ومن امثلة التفدية أيضا، على سبيل المثال، لا الحصر، دخول الخلوات، و(الضحية)..