مقالة الصادق
ونحن هنا نثبت مقالة الصادق عنا، كما جاءت بجريدة الشرق الأوسط الجمعة 19/4/1982، فهو بعد مقدمة عامة قال:
(ولكن إلى جانب هذه الدعوات والتيارات قامت في عالمنا الإسلامي حركات دينية تأثرت بالفكر الأوربي والحضارة الأوربية الوافدة تأثرا حملها على إفراغ الإسلام تماما والدعوة لملل ونحل جديدة مثل الغاديانية والبابية والبهائية ودعوة الأخوان الجمهوريين التي ولدت في السودان منذ ربع قرن ولكنها بقيت ضعيفة حتى قيام حركة الخامس والعشرين من مايو 1969. بعد قيام تلك الحركة دخلت الدعوات الإسلامية في السودان في نزاع مع السلطة الجديدة وأنحاز الأخوان الجمهوريون إليها فوجدوا مجالا للتمدد والإنتشار ولهم الآن عدد من الجيوب في بعض المدن السودانية وفي بعض المعاهد والجامعات وهي (دعوة الأخوان الجمهوريين) تجد من النظام الحالي في السودان نوعا من الإعتراف يشهد عليه تعيين إثنين من زعمائها (سيدة وأستاذ) في لجنة تطوير الإتحاد الإشتراكي، التي باشرت أعمالها في بداية هذا العام.
هذه الدعوات التي تجاوبت مع الفكر والحضارة الأوربية لدرجة إفراغ الإسلام تختلف فيما بينها إختلافات واسعة في كثير من التفاصيل ولكنها على إختلافها تتفق في خمس نقاط أساسية هي: -
أولا- الإيمان برسالة بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. رسالة يحملها شخص تجلى فيه روح الله أو نال فتحا روحيا حمله رسالة ثانية بعد رسالة المصطفى.
ثانيا- القول بنسخ الشريعة لا مجرد تجاوز المذاهب أو دعوة لإجتهاد جديد بل نسخ الشريعة على نحو ما نسخت رسالات الأنبياء اللاحقين رسالات الأنبياء السابقين.
ثالثا- إلغاء الجهاد لا مجرد الإجتهاد في ظروف الجهاد وبيان دوره في الماضي ودوره في العصر الحديث بل إلغاؤه أصلا.
رابعا- حل بيضة الإسلام بحيث يجوز بل يجب الصلح مع أعدائه سواء كان ذلك العدو هو الإستعمار أو الصهيونية.
مثلا: الغاديانية كانت تري الترحيب بالإمبراطورية البريطانية لا تقية ولكن إيمانا بأنها الخير الذي أختاره الله لعباده.
وتلك الدعوات جميعها وبدرجات متفاوتة تبذل الود نحو الصهيونية.
خامسا- مهادنة أو مخادعة الحكام في البلاد الإسلامية ما أستطاعوا إلى ذلك سبيلا، مثلا: البهائية إحتلت مكانا مرموقا في إيران الشاه.
ومن المسائل الهامة التي تستخدمها هذه الدعوات للترويج لفكرها إفتراض أن الرسالة الإسلامية محصورة فيما فهمته مدرسة التقليد. وما دامت تلك المدرسة بعيدة عن فهم الظروف العصرية وترشيدها فقد لزمت الحاجة في نظرهم لرسالة جديدة. هذه إحدى الثغرات التي ولج منها هؤلاء. ألا رحم الله الإمام إبن القيم الجوزية إذ قال في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ما معناه أن تقييد السياسة الشرعية بالنصوص النقلية منح فرصة إستغلها الذين أرادوا التنصل مع هداية الإسلام ورمي الشريعة بالقصور. إذ قال: (وهذا موضع مزلة أقدام ومظلة إسهام وهو مقام ضنك ومعترك صعب فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرأوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له عطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعا إنها حق مطابق للواقع ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع ولأمر الله إنها لم تفارق ما جاء به الرسول وإن نفت ما فهموه هم من شريعته بإجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الواقع وتذييل أحدهما على الآخر فلما رأى أولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمر إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا من أوضاع سياستهم شرا طويلا وفسادا عريضا فتفاقم الأمر وتعذر إستدراكه وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك وإنتقاذها من تلك المهالك).
ولكن مهما كانت الثغرات ومهما تحالفت تلك الدعوات مع الحكام ومع الإستعمار والصهيونية فإن وعي الشعوب الإسلامية كان وما زال لها بالمرصاد.
إن وعي الشعوب الإسلامية يحاصر تلك الدعوات ويحصرها وفوق ذلك الوعي تصدها عناية الله، إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) إنتهى حديث الصادق..