الخاتمة:
الإسلام برسالته الثانية هو المذهبية التي ستجدد شباب الاكوان جميعها – شباب الاشياء والاحياء.. ذلك بأنه هو الروح الذي سينفخ في هيكل الحضارة الغربية الآلية الحاضرة التي فقدت الروح – الحضارة الآلية الحاضرة هي (العملاق بقدمين من طين).. نحن اليوم نحتاج إلى مدنية جديدة تملك القدرة على تنظيم المجتمع بصورة تفك التعارض القائم بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. هذه المدنية هي الإسلام برسالته الثانية.. ولقد اوسعنا هذا الأمر شرحا، وتفصيلا، في العديد من كتبنا، وبخاصة (الرسالة الثانية من الإسلام)..
في هذا الكتاب عن الاستقلال بينّا ان الاستقلال انما يقوم على ثلاث دعامات: الاستقلال السياسي، والاستقلال الاقتصادي، والاستقلال الاجتماعي.. وهذه الدعامات تكون بمثابة المسرح الذي يلعب عليه الافراد - كلّ دوره - الذي به يحقق فرديته التي لا يشبهه فيها فرد من افراد القطيع.. الفرد هنا الرجل والمرأة..
للإسلام منهاج في التربية، والسلوك، به يحقق الافراد فرديتهم.. هذا أمر مفصل في كتبنا أيضا.. ولقد ركزّنا على المرأة هنا لأنها تنوء بعبء ثقيل موروث من عهود الظلمات.. المرأة أكبر من استضعف في الأرض، ولذلك فإنما هي المعنية، في المكان الأول، بقوله تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين..) هذه بشرى.. تحقيقها مسألة زمن فقط..
وقبل ان نختم الخاتمة هذه نحب ان نشير إلى أمر عاجل نختم به خاتمتنا.. ذلك الأمر هو الخطر الذي يهدد الاستقلال الحاضر الذ تتمتع به البلاد، والذي بالمحافظة عليه يسير الناس قدما إلى اشادة الدعائم الثلاث التي تحدثنا عنها في هذا الكتاب.. إننا حين نتحدث عن الحفاظ على الاستقلال الحاضر إنما نبدأ من نقطة بداية لايكون بغيرها أدنى عمل نافع..
إن الحفاظ على استقلال البلاد هو مسئولية السودانيين جميعا: السلطة، والمعارضة، والشعب، هذا الاستقلال الذي لم يتم، في أول يناير 1956م، الّا بعد اجتماع كلمة الأحزاب، الحكومة والمعارضة، على وجوب التخلّي عن الارتباط بأي من دولتي الحكم الثنائي.. وإنه لمن الخيانة الوطنية اليوم أن تتعاون فئة ما، سودانية، مع قوة أجنبية خارج البلاد، على نحو يغريها بالتدخل في شئون البلاد، وتهدد استقلالها، وسلامتها.. ذلك بأنه بنفس القدر الذي كانت به الوحدة الوطنية، أول الأمر، طريق الفوز بالاستقلال عن دولتي الحكم الثنائي، فإنها اليوم، وبصورة أوكد، هي طريق الحفاظ على هذا الاستقلال، وذلك في وقت يتزايد فيه الصراع بين الدول الكبرى للسيطرة على الدول الصغرى، ويتخذ أسلوبا جديدا، كما قد رأينا، تستغل فيه القوى الطامعة شهوة الحكم لدى المعارضة ضد السلطة الوطنية، كما تستغل استعدادها للمساومة بإستقلال بلادها من أجل الوصول إلى دست الحكم.. ولقد تمثلت هذه الإنجازات، أول ماتمثلت، في حل مشكلة الجنوب، ذلك الحل الذي ظلّ مستعصيا طوال العهود الماضية، والذي به إنطفأت نار الحرب الاهلية التي أوشكت أن تؤدي بالوحدة الوطنية.. ثم، وعلى نفس المبدأ، والإقتناع الرّاسخ، الذي به استجابت مايو لمطالب الجنوب السياسية العادلة بالحكم الاقليمي، واصلت السعي لتطبيق الحكم الاقليمي في عموم السودان مستجيبة بذلك للمطالب الاقليمية الآخرى في الشرق، والغرب، التي بدأت تتصاعد بصورة صارخة، وتهدد بالإنفجار أبّان فترة حكم الأحزاب التي تلت ثورة أكتوبر.. ثم جاءت المصالحة الوطنية كإنجاز آخر به إجتمعت كلمة السلطة الحاكمة في الداخل، والمعارضة في الخارج، على التعاون المشترك، داخل البلاد من أجل بناء الوطن، ومن أجل تفويت الفرصة على أطماع القوة الخارجية أن تجد طريقها إلى البلاد من خلال ظروف الصراع بين السلطة في الداخل والمعارضة في الخارج.. والذي نعتقده هو أن هذا الذي تحقق حتى الآن، ماهو الّا وسيلة تهيأت بها البلاد على نحو أفضل، لتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، التي تفضي إلى الاستقلال التام، والكامل.. فالوحدة الوطنية الحقيقة لا تتحقق الّا بالوحدة الفكرية.. ومن ثم فإن المصالحة الوطنية لا تعني وحدها تصفية الخلاف الفكري بين السلطة والمعارضة، والقوى الوطنية الآخرى، وإنما هي، في نظرنا، خطوة نحو اعداد المسرح لذلك.. فالخلاف لا يصفّى الّا بالحوار الحر ولابد من (المنابر الحرّة).. ولكن على المعارضة في مقابل حقها في المشاركة في بناء الوطن، بإبداء الرأي، والنقد الموضوعي المخلص، الّا تضع معارضتها في خدمة المطامع الأجنبية على نحو ما فعلت، ولايزال بعضها يفعل، بالتعاون مع ليبيا، والإتحاد السوفيتي، وغيرها، وأن تلتزم عمليا بمبدأ صيانة الوحدة الوطنية واستقلال البلاد، وبمبدأ المحافظة على المكتسبات الاقتصادية والسياسية، التي تحققت على يدي نظام مايو.. ثم على سلطة مايو تبني، ورعاية، هذه المنابر لتتويج الإنجازات العظيمة بإنجاز تدخل به التاريخ من أعظم أبوابه!!
فإنما بهذه المنابر تتبلور الوحدة الفكرية، وتوجه مسيرة التنمية وتدّعم برامجها، بالحوار البنّاء، كما تتم توعية الشعب، وتعبئة طاقاته الرّوحية، والفكرية، والمادية، في اتجاه إنجاح أعمال التنمية الواسعة والكبيرة التي تنتظم البلاد اليوم، وبرامج تسليم السلطة للشعب التي انتهت إلى قيام الحكم الإقليمي ذلك الإنجاز السياسي الرّائع..
إن الله راعي هذه البلاد.. وهو قد جنّبها الويلات ولقّاها الكرامة من غير استحقاق منها لها.. ولكنه الفضل من ذي الفضل العظيم، فله الحمد، وله المنّة..
الأخوان الجمهوريون
أمدرمان/ السودان ص ب 1151
تلفون 569121