الفكر الديني والهوس الديني:
ان الإختلافات الأساسية بين الفكر الديني، والهوس الديني، هي أن الفكر الديني يقوم على التربية، فيعنى بتربية اتباعه، وترشيدهم، وتهذيب سلوكهم، بالصورة التي تجعلهم يجسّدون القيم الدينية التي يدعون اليها في سلوكهم اليومي.. ويقوم الفكر الديني على تقديم محتوى محدد لحل مشكلات الحياة في جوانبها السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والتربوية.. والدعوة في الفكر الديني، تقوم على مخاطبة العقول، واقناعها، فأسلوب الدعوة هو الإسماح: (أدع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).. ففي الفكر الديني الفرد ليس مشغولا بالأعداء الخارجيين الاّ بالقدر الذي يدلّونه به على اعدائه الداخليين، أهواء النفس ورعوناتها، فالمفكر الديني لا يترك نفسه ويدعو الآخرين، وانما يدعو الآخرين بعد أن يستقيم له أمر نفسه..
أما بالنسبة للهوس الديني، فان التدين يقوم على العاطفة الفجّة، والإنفعال والتعصّب، وغياب الفكر المحدد.. ومع الهوس الديني لا يكون هنالك اهتمام بالتربية ومنهاجها، فغياب الدين يُعزي للآخرين، الذين غالبا ما يُتّهمون بالكفر، ويُعتبرون عقبة أمام عودة الدين يجب ازالتها ولو بالعنف، فلذلك المهووس دينيا كثير الإنشغال بالخارج، وبمفاسد المجتمع وانحرافاته، وبمفارقة الآخرين خصوصا الحكام، الذين يعتبرهم (طواغيت)، وينسب اليهم كل أسباب البلاء، وعلى رأسها عدم الحكم (بما أنزل الله).. وأكبر الأعمال الدينية عند المهووس هي إزالة ما يعتبره مفاسد وانحرافات في المجتمع عند الآخرين ولو بالعنف.. والمهووس دينيا، في غمرة انشغاله بالخارج، ولإنعدام التربية، والتصوّر الديني السليم، يتورّط في أبشع المخالفات الدينية، مثل قتل المسلمين، فيخسر بذلك الدين والدنيا.. والمهووس الديني، لغلبة العاطفة وغياب الفكر، والتربية، لمجرّد انتمائه للجماعة المعينة يعتبر نفسه هو صاحب الدين، وهو الوصي على الآخرين، مهما كانت مفارقاته لقيم الدين، والتزام هؤلاء الآخرين بها!!
والخطر الحقيقي، في الهوس الديني، يكمن في اعطائه لأعمال العنف، والإغتيالات مبررات دينية.. وبصورة خاصة يأتي هذا الخطر من الفهم الخاطيء والمنحرف، للكفر، وللجهاد، والإستشهاد..