وصيتي للرجال..
* اعلموا: أن الصورة التي تعرض نفسها دائماً على الأذهان، عند الحديث عن حقـوق المرأة، تلك الصورة التي تجعل الرجل والمرأة ضدين، لبعضهما البعض، يتنازعان حقا بينهما، في خصومة، ولـدد، فإذا كسب أحدهما خسر الآخـر، هـذه الصـورة شائهة، وخاطئـة.. إن قضية المرأة ليست ضد الرجل، وإنما هي ضد الجهل، والتخلف، والظلم المـوروث.. وهي، من ثـم، قضية الرجل والمرأة معاً.. ولتعلموا: أن صراعنا دائما إنما هو ضد النقص، ابتغاء الكمال.. والكمال إنما هو حظ الرجـل، وحظ المـرأة في آن معاً.. فإن الفرد الكامل، إنما هو الابن الشرعي للمجتمع الكامل.. وهو، أكثر من هذا، الابن الشرعي للمرأة الكاملة.. يقول العارفون: إن الصلاح ((امرأة)).. ويريدون بذلك أن يقولوا: أن المرأة الصالحة إذا تزوجها الرجل الصالح، أو تزوجها الرجل الطيب، كريم الأخلاق، سخي اليـد، حسن الدين، فإنها تنجب ابنا صالحا.. ولكن الرجل الصالح إذا تزوج امرأة مرذولة، دنيئة النشأة، رقيقة الدين، كزة النفس، فإنـه لا ينجب إلا أبناء فاسدين، رقيقي الدين، سيئي الخلق.. وذلك أمر مفهوم، ومقدر، وأسبابه واضحة.. فإن الولـد، إنما هو، من الناحية العضوية، يكاد يكون كله من المرأة.. هو من عظمها، ودمها، ولحمها.. فهي تعطيه في أحشائها، كل تكوينه الجسماني.. ثم هي، إذا برز من أحشائها، تعطيه، من كيانها، كل غذائه، تقريباً، إلى أن يفطم.. هذا من الناحية العضوية وأما من الناحية الروحية فإن حالتها النفسية، ومزاجها، يؤثران عليه، وهو جنين، ثم يؤثران عليه، وهو رضيع، ثم يؤثران عليه، وهو طفل يشب في مدارج اليفاعة، تأثيراً يكاد يكون كاملا.. ويكفي أنه، عندما تفتح عيناه لأول مرة، إنما تفتحان عليها هي.. فيلفح وجهه دفء أنفاسها، وتمس جلده نعومة أناملها، وتستقر في أعماق عقله نظراتها الحنينة، ويطرق أذنيه عذب مناجاتها، ومناغاتها.. وبالاختصار، فهو يأخذ منها كل مزاجه، وكل تكوينه، الجسماني، والروحي، والخلقي، والفكري، ثم هو لا يكون سعيه، فيما بعـد، بين الناس، إلا متأثـرا، تأثرا كاملا، بكل هذا التكوين المبكر.. ثم إن أحدنا، في جميع أطوار حياته، محاط بالمرأة، من جميع أقطـاره.. فهي الزوجـة، وهي، قبـل ذلك، الأم، وهي، بعد ذلك، الأخـت، والبنت.. ثم إنها هي تحت جلدنا، وفي إهابنا.. أليست نفس أحدنا امرأة؟؟ بلى!! فإن أحـدنا، من رجل أو امرأة، إنما هو نتاج مشترك للقاء الذكر بالأنثى.. ففي كل رجل حظ من الأنوثة.. وفي كل امرأة حظ من الذكورة.. والسعي في مراتب الكمال، للرجل أن يتخلص من هذا الخلط المشوش، حتى يكون كامل الرجولة.. وللمرأة أن تتخلص من هذا الخلط المشوش، أيضا، حتى تكون كاملة الأنوثة.. فإن الرجـل، كامل الرجـولة لم يجئ بعـد.. والمرأة كاملة الأنوثة لم تجئ بعـد.. وإنما هما مقبلان، على التحقيق، وذلك بفضل الله، و ((الله ذو الفضل العظيم)).. إننا نحن الآن نعاشر نقص بعضنا بعضا.. فالنساء يعايشن، ويعاشرن نقص رجالهـن.. والرجال يعايشون، ويعاشرون نقص نسائهم.. حتى إنه لحـق أن المباشرة الجنسية بين الرجـل وزوجته إنما هي مؤوفة بالنقص لأنها إنما هي، في المرحلة الحاضرة من مراحل نمونا، التقاء بين نقصنا، نحن الرجال، ونقـص نسائنا.. فلكأننا نباشر الرجال في النساء، من دون النساء، وإلى هـذا، وفي هذا المستوى، اللطيـف، الدقيـق، تشير الآية، في حـق قوم لوط: ((أإنكم لتأتون الرجال، شهوة، من دون النساء.. بل أنتم قوم تجهلون)) فلكأننا، في هذه المرحلة من نمونا، وتطورنا، نحو الكمال المرتقب، حين نعاشر زوجاتنا، الفضليات المعاشرة الجنسية، النظيفة، الانسانية، الرفيعة، إنما يعاشر نقصنا نقصهن.. وهذا هو السبب في قلـة السعـادة الزوجية الحاضرة، حتى أن كل الزيجات، بعد الأيام القلائل الأولى، التي تسمى، بالتعبير العصري، ((شهر العسل)) لا تكاد تقوم إلا على المجاملة، والاحتمال، والعرض.. لا الحب.. والعامة عندنا تقول: ((الـزواج أوله رغبة وآخـره عرض)) وقد يظن بعض الناس أن ما يقتل الحب بين الزوجين إنما هو مشاكل الحياة المادية، ومسئولية الكسب، والإعالة، وتدبيـر المعاش للأسـرة.. والحق أن هذا نتيجة، وليس سببا، وإنما السبب هو التنافر الذي ينشأ عندما يلتقي نقص الرجال، بنقص النساء.. وما هذا النقص إلا الانقسام الداخلي، والتشويش الداخلي، الناشئ من قصورنا المباشر.. ذلك القصور الذي سببه التقاء الأنوثة والذكـورة في أبوينا، فجاءت المرأة خليطا من الأنوثـة والذكـورة، ولكن حظ الأنوثة فيها أكبـر.. وجاء الرجل خليطا من الذكـورة والأنوثـة ولكن حظ الذكـورة فيه أكبر من حظ الأنوثـة.. فلا الأنثى أنثى كاملة.. ولا الذكر ذكر كامل.. وإنما قيمة التوحيد - كلمة ((لا إله إلا الله))، لنا أن تحقق لنا هذه التصفية، والتنقيـة، فتتم وحدتنا في بنيتنا بأن يجيء الرجل كامل الرجـولة.. وتجيء المرأة كاملة الأنوثـة – هذا هو كمـال الرجال وكمـال النساء – الرجل كامل الرجولة، والمرأة كاملة الأنوثة - فإذا جاء هذا الطور من أطوار نمونا فإن السعادة تتحقق بالزواج بصورة هي ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).. وهذا الطور ينتظرنا وسبيلنا إليه هـو القرآن.. على أن يقوم تشريعنا الجماعي، والفردي، على أصوله لا على فروعـه..
* أعينوا النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرف كإنسان، لا كأنثى..
* غاروا على النساء.. ولا يكن مصدر غيرتكم الشعور بالامتلاك، كما هي الحالة الحاضرة.. ولكن غاروا على الطهر، وعلى العفة، وعلى التصون، لدى جميع النساء.. وسيكون من دوافع مثل هذه الغيرة أن تعفوا، أنتم أنفسكم، فإنه وارد في الحديث: ((عفوا تعف نساؤكم))..
* تسلطوا على النساء!! ولكن لا يكن تسلطكم عليهن عن طريق الوصاية، ولا عن طريق القـوة، ولا عن طريق الاستعلاء - استعلاء الذي ينظر من أعلى إلى أدنى- ولكن تسلطوا عليهن عن طريـق الحب.. أحبوهن، وتعلقوا بالمكارم، والشمائل، والرجولة، التي تجعلكم محبوبين لديهن.. فإن المـرأة إذا أحبـت بذلـت حياتـها فـداء لمن تحـب.. فليكـن هـذا طريقكم إلى ((استغلالهن))..
وصيتي للنساء..
* اعلمن أن الغيرة الجنسية هي من أكبر أسباب تسلط الرجال على النساء.. وستظل غيرة الرجال على النساء قائمة.. و من الخير أن تظل قائمة، لأنها هي صمام العفة، وضمانها. والعفة أعظم مزايا النساء، على الإطلاق.. وما جعلت قوامة الرجـل على المرأة إلا من أجلـها، في المكان الأول.. فكن عفيفات، صينات، تكن لكن القوامة على أنفسكن.
* أسـفرن، ولا تبرجـن.. فإن التبـرج دليل على خفة العقل، ورقـة الديـن، وسوء الخلـق.. ولا تستحق المتبرجة أن تتمتع بحرية السفـور.. يقول تعالى، في ذلك: ((واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم.. فإن شهدوا، فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا..)) ففي هذه الآية إذن بالسفور لمن تحسن التصرف في حرية السفور.. وفيـها أمر بمصادرة حريـة من تسيء التصـرف في السفـور.. كأن تكـون متبـرجة بالثياب الخليعـة، أو بالمظهـر الذي تستعـرض به أنـوثتها أمام الرجـال..
* وحين كانت أرفع شمائل النساء العفـة، فإن أرفع عملهن حسن التبعل.. وليس لحسن التبعل حـد ينتهي عنده التجويـد.. فلتعلم إحداكن أنها في بيتها ملكة، وليست خادمة.. وهي لن تعطى هذا الحـق، وإنما هي تأخذه بحسن تدبيرها لمملكتها من جميع الوجوه..
* اعلمن أن جمالكن، في المكان الأول، ليس في جمال أجسامكن، وإنما هو في كمال عـقولكن، وخـلقكن، وديـنكن.. فكن عوالات على هـذه.. ولتطالع هـذه الكمالات منكن من تلقين من الرجال من الوهلة الأولى للقائكن بهـم.
* اعلمن أن كرامـة إحداكن بيـدها.. فإن هانت عليها كرامتـها، فلن تجد مكرما، لا من الـزوج، ولا من الأخ، ولا من الأب.. قال شاعرهم:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقـها هوانا بها كانت على الناس أهـون
وقال الآخر:
من يهـن يسـهل الهـــوان عليـه ما لجـرح بميـت إيـلام
وصيتي للرجال والنساء معا..
* اعلموا أن الوحـدة ((الاجتماعية)) ليست الفـرد، من رجـل أو امـرأة، وإنما هي الزوج من رجـل وامـرأة.. فإنه لا مفاوز الحياة، ولا مراحل السلوك، تقطع بخير من التعاون، والتسانـد، والحب المتبادل، بين شطري هذه الوحـدة.. وفي هـذا، فإن المـرأة لهي جماع آيات الآفاق للرجل.. وإن الرجـل لهـو جماع آيات الآفاق للمـرأة.. والله تعالى يقـول، في آيات الآفاق: ((سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحـق.. أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟))..
وفي التواشـج، بين طرفي هذه الوحـدة يقول تعالى: ((فاستجاب لهم ربهم: أني لا أضيع عمل عامل منكم، مـن ذكر أو أنثى، بعضكم مـن بعض)).. ويقـول المعصـوم: ((النساء شقائق الرجال)).. فكأنه قال: إن كل شق لا يكون الوحـدة وحـده، وإنما بالتئامه مع شقيقه.. فليعرف كل واحد منكم لصاحبه مكانه هذا..
وعـــد..
كنا قد أخرجنا للناس في أول هذا العام كتيبا باسم: ((خطوة نحو الزواج في الإسلام)) يقترح حلا لأزمة الزواج الحاضرة، مستمداً من الشريعة الإسلامية السلفية ببعث بعض صورها المهجورة.. ولقد وعدنا يومئذ بإخراج كتابنا هذا الذي بين يدي القارئ وهو ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)) وها نحن، بفضل الله، وبتوفيقه، قد وفينا بهـذا الوعـد.. وندخل بهـذا في وعـد جديد نقطعه على أنفسنا، ونلتمس من الله العون على الوفاء به.. ذلك الوعد هو إخراج كتيب في حجم كتيب ((خطوة نحو الزواج في الإسلام)).. يكون اسمه: ((الزواج في الإسلام)) تقوم مراسيمه على الشريعة المطورة، على هدى أصول الدين، ولن يكون ذلك الكتاب خاصا بملة دون ملة، وإنما سيكون صورة يتوافى عليها الرضا من جميع الملل.. ذلك بأنها حين تقوم على أصول الدين إنما تقوم على المحتوى الإنساني الذي يتسامى على العقيدة، وينعقد على الأصول التي تلتقي فيها الإنسانية الرفيعة، من حيـث أنها إنسانيـة، بصـرف النظـر عن مللها، ونحلـها، وألوانـها، وألسنتها، وأقاليـمها.. وتلك هي مزيـة الإسلام.. ولسنا نبتغي شيئا، فيما نأتي وما نـدع، ما نبتغي إبراز هـذه المزيـة.. فإنه قد أنى للإنسانية الضاربة في التيـه، أن تستظـل بظـل الإسلام الـوريف..
وعنـد الله نلتمس التسديـد.. وعليـه التكلان..
أم درمان - السودان
ذو القعدة 1391 - ديسمبر 1971