بسم الله الرحمن الرحيم
(فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)
صدق الله العظيم..
المقدمة:
ان هذا الشهر المبارك، شهر الله، رمضان، انما هو مناسبة لها ما قبلها، ولها ما بعدها، فهي موصولة بماضي الصائم، ومربوطة بمستقبله.. ذلك بأن العابد المجود الحريص على تخليص نفسه من جهالاتها، وإخراجها من كثافتها، إنما يستعد لشهر رمضان قبل مجيئه، وذلك إنما يكون بمراقبة نفسه، ومحاسبتها، فيما تأتي، وما تدع، ثم هو، أثناء ذلك، يشمر عن ساعد الجد، ويسارع في الخيرات، لا يألو، حتى إذا ما جاء رمضان وجده حاضر القلب، منضبط النفس، قوي العقل.
ان العابد، الذي هو بهذه الصفة، انما يستثمر هذا الشهر، على خير الوجوه، ويتوج حصيلته الروحية فيه، بما ينقله نقلة كبرى في مراقي القرب من الله، والمعرفة به... وهذه هي وظيفة العبادة الأصلية، وبقدر ما تؤدي العبادة وظيفتها هذه، تكن مقبولة عند الله، ومرجوة النفع لصاحبها.
ولكن المسلمين اليوم لا يعرفون للعبادة عامة، وللصوم خاصة، هذه الفضيلة الكبري، وإنما هم يتعاملون معها كواجب ثقيل، ويؤدونها، على مر السنين، بغير وعي، وبغير حذق، وهي، لذلك، لا تغير نفوسهم إلى الأحسن، ولا تهذب من أخلاقهم.. ومع ذلك، هم ينتظرون، وهما، جزاءها يوم القيامة مع ان القاعدة في الدين الحق ان كل عبادة لا تورث في التو رضا بالله، ولا تغير في سلوك العابد، انما هي عبادة باطلة.. وشاهدنا في ذلك قول الله تعالى عن الصلاة: (واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فمن لم تؤثر فيه صلاته حتى ينتهي عن الخلق الذميم، ويترك الفعل القبيح، فلا عبرة بصلاته، بل قد تكون صلاته هذه سببا في معاقبته، طردا، وبعدا من الحضرة الالهية، كما أخبرنا النبي حين قال: (رب مصل لم تزده صلاته من الله الا بعدا) وذلك لأنه صلى وهو غافل، غير حاضر، ولم يجتهد ليحضر مع الله قبل الدخول في الصلاة – والقاعدة عندنا هي: (انما يكون الحضور في الصلاة قبل الدخول فيها) – انظر كتابنا: (رسالة الصلاة) وكتابنا: (تعلموا كيف تصلون).. وشاهدنا أيضا حديث النبي عن الصوم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليست لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).. وقوله: (رب صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش)..
ان المسلمين اليوم، في جاهلية، وان صاموا، وان صلوا، وحجوا، ذلك بأنهم انما يمارسون شعائر دينهم بغير فكر – بغير حضور – وبغير صدق، ولو لم يكن أمرهم بهذه الصورة لما صاروا في أخلاقهم، وفي تعاملهم، في السوق، وفي المكتب والمصنع، كاليهود، والنصاري، بعد ان نصلوا عن دينهم، وفارقوا قيمه، وأبقوا على شكله.. فهم يقيمون الصلاة في البيع والكنائس ولكنهم في السوق يتعاملون بالربا، والغش، والكذب..
أولم ينذر النبي المسلمين، ويحذرهم من هذه الحالة حيث قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه، قالوا أاليهود والنصاري يا رسول الله؟ قال فمن)؟؟
بلى قد فعل!!
هل نطمع في تغيير يطرأ على المسلمين، يبدأ ببداية هذا الشهر العظيم، فيستيقظ الفكر منهم، ويصح صومهم، بأن يغدو محاربة مستمرة للعادة، وحضورا تاما مع الله؟ إذ (ليس الصوم هو الامساك عن شهوتي البطن والفرج، وإنما الصوم التزام بمحاربة العادات، وانتصار للفكر بدوام الحضور، حتى أنه ليصبح الصائم حاضرا مع الله، ومتخليا عن كل ما سوي الله.. وبارتقاء درجات الصائم ترتقي درجات المصلي) – انظر كتابنا: (تعلموا كيف تصلون) ص 59..
انه لحق، لا مراء فيه، ان المسلمين اليوم انما يحتاجون ليتعلموا كيف يصومون، مثلما أنهم محتاجون ليتعلموا كيف يصلون وكيف يتعاملون.. وهذا الكتيب هو جزء من سلسلة الكتب العديدة المستفيضة، التي أخرجها الجمهوريون لتعليم المسلمين، ولبعث الروح فيهم، ولاخراجهم، باحياء السنة، من الظلمات إلى النور، ليصيروا حقا، وصدقا، مسلمين، بعد أن طال عليهم الأمد (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)..