خاتمة:
ان شهر رمضان هو قمة الشهور بالنسبة للسالكين في طريق الله..
ونحن، حين نتحدث عن السالكين، انما نريد أن نقرر ان أمرنا هذا، أمر الدين، كله جد، لا هزل فيه.. هو ضبط للنفس، وكبح لهواها، لتنقاد في طريق الهدي النبوي، تحيي السنة، وتوظف وقتها جميعه لله، في حسن اتباع للنبي، وفي ثقة به، ومحبة له.. تقيم الليل، كما كان يفعل هو، وتجاهد في خدمة الناس بالنهار، بالسعي في قضاء حاجاتهم، وتوصيل الخير إليهم..
وبذا يبدأ الدين من جديد، وسط ركام من الأباطيل، والقشور التي يقيم عليها الملايين من المسلمين اليوم، أولئك الذين لم يعد لهم هم الا التكالب على الدنيا، والتنافس فيها، والظفر بها بكل سبيل، اطبقت عليهم الغفلة، وحجبوا بالجهل، والهوس الديني عن حقيقة دينهم، كما حجبوا عن حقيقة ما هم فيه من ضياع، اذ هم يتمسكون بمظهر الدين، ويفرطون أشد التفريط في باطنه، وجوهره..
سيبدأ الدين من جديد، بنص الحديث الشريف: (بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبي للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. فهذا هو دين السالكين، الجادين، المفكرين، الواعين، السائرين إلى الله، الداعين اليه على بصيرة، اذ قد علموا أن الله عزيز لا يقبل الشركة، فإذا اعطي العابد نفسه كلها للدين، يعطيه الدين جزءا منه!! ولذلك هم يجاهدون لتفريغ قلوبهم مما سوى الله.. هدفهم حال النبي الذي حكاه القرآن: (قل ان صلاتي ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)..
ان شهر رمضان هو قمة الشهور، بالنسبة لهؤلاء السالكين، لأنه معد ليبلغ فيه العمل الروحي أوجه، بالصيام، والقيام، والبذل، من النفس ومن المال، ومن الوقت، بغير حدود.. وشهر رمضان هو شهر الجود، وقد أثر عن النبي، في هذا الشأن، انه كان (أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان)..
ان شهر الصوم الذي هو أثمن الشهور، هو عند المسلمين اليوم مهدر القيمة.. فهم لا يعرفون كيف يستغلونه، ولا كيف يمتطونه ليقطعوا به عقبات النفوس، اذ هم لا يعرفون كيف يصومون.. وقد أنى لهم أن يفيقوا من هذه الغفلة، فيبعثوا في صومهم الحياة، والحركة، والفكر..
نسأل الله أن يهدي المسلمين للتي هي أقوم، انه نعم المولى ونعم المجيب..