ولقد كان الصديق الكريم موفقاً فاقترح علي أن أتقدم إلى أصحابه ببعض الأسئلة، ووعد أنه سيسجل، في الإجابات على الأسئلة، أصواتهم الطبيعية.. وبالفعل فإني قد تقدمت إليهم بالأسئلة الآتية: ـ
1 ـ في أي جزء من ليل الوقت نحن الآن؟؟
2 ـ من هو صاحب الوقت، ومن أين سيظهر، ومتى؟؟
3 ـ النبوة ختمت بأحمد، ولكن الرسالة لم تختم بمحمد.. ما معنى هذا؟؟
4ـ شريعة الإسلام الحاضرة، هل هي صالحة للوفاء بحاجة إنسان الغد؟؟ فإن لم تكن، فما الذي يجري؟؟
5 ـ هل المهدي المنتظر جاء وانتهى أمره، أم أنه أمامنا؟؟
6 ـ مجيء عيسى بن مريم، كيف يكون؟؟ هل هو الإسرائيلي الأول؟؟ أم هل هو رجل غيره؟؟ وكيف؟؟
7 ـ عيسى بن مريم المقبل، ما هو نسبه إلى الله؟؟
ولقد قدمت هذه الأسئلة إليهم فاعتذر عنها صغارهم وقالوا أن هذه أسرار إلهية وأنهم لا يعرفونها ونصحوا الصديق أن ينتظر بها مجيء كبيرهم.. فانتظر.. فلما حضر وطرحت عليه اعتذر في أول الأمر وظل على ذلك زمناً طويلاً، وكان عذره هو نفس عذر زملائه ثم عاد وحاول الإجابة ولقد لاحظ الصديق أنه تلعثم وتمتم تمتمة طويلة لدى الشروع في الإجابة ولم يتفق لصديقي أن يسجل الإجابات بصوت الروح وإنما كتبها بخطه هو.. وهذه هي الإجابات: ـ
1 ـ نحن في آخر الوقت، وفي ظلمات الكفر، والنفاق، والفسق، والظلم، والجفاء..
2 ـ صاحب الوقت الدجال، ويظهر من إسرائيل، وإسرائيل من جيوشه.. والله أعلم..
3 ـ معنى الرسالة لم تختم بمحمد، هذا صحيح.. إن المهدي المنتظر يظهر ليجدد الدين الإسلامي..
4 ـ شريعة الإسلام في هذا الوقت غير صالحة للوفاء بحاجة إنسان الغد لعدم وجود حكم الله فيها.. والذي يجري الآن هو الكفر، والنفاق، والتنافر، والفسق، وعدم الالتفات لكتاب الله، والعمل به.
5 ـ المهدي المنتظر لم يحضر، وإنه أمامنا، وسيظهر بوقته، والله أعلم..
6 ـ مجيء سيدنا عيسى بن مريم يكون بعد ظهور الدجال، والمهدي المنتظر.. ويظهر سيدنا عيسى في دمشق الشام.. عند "الميدنة البيضاء" بين ملكين.. وعيسى من النصارى، وليس من اليهود..
7 ـ عيسى بن مريم نبي، ومرسل.. يأتي ليجدد الدين، ويعدل، ويوفق بين المفترس والأليف، ويدعو للمحبة، والسلام.. هو روح الله، وكلمته..
هذه إجابات كبير الأخوان الذين صادقوا الصديق العزيز وهي إجابات عادية لا ترتفع إلى علم أوساط أخواننا الجمهوريين، ولله الحمد..
وبمناسبة ذكر هذه الأرواح فإني أنشر هنا سؤالاً من أحد الأخوان والإجابة عليه: ـ
المخلص
محمود محمد طه
أم درمان ص. ب. 1151 20/3/1970
حضرة السيد الفاضل عمر
تحية طيبة، وبعد،
فقد ورد جوابك بالسؤال الآتي:ـ
"هل يدخل الجن، أو أي من الأرواح، في بدن الإنسان؟؟ فإذا كان كذلك فما هي العلة؟؟ وما هو العلاج لوجود روحين في جسد الإنسان الواحد؟؟"
وللإجابة على هذا السؤال نبادر فنقرر أن جسد الإنسان بطبيعته به روحان: نسمي أحد هذين الروحين "نفساً" ونسمي الثاني: "روحاً".. والنفس ظلمانية سفلية، والروح نورانية علوية.. فالنفس نبتت من الأرض نباتاً، والروح هبطت من السماء هبوطاً.. ورسالة الروح سوق النفس، من عالمها الأرضي، إلى عالم سماوي.. أو قل: إن رسالتها هي إخراج النفس من ظلام الجبلة، إلى نور المعرفة بالله.. والروح تسمى حافظاً للنفس، وهي، هي، المعنية بقوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" وهذا الحافظ "ملائكي".. ولكل نفس قرين.. وهذا القرين "شيطاني" أو"جني".. "هم درجات عند الله.."..
فالشيطان لا يكون مسلماً، ولا آمرا بالخير.. ولكن الجن قد يكون مسلماً.. فبعض النفوس قرينها يأمرها بالخير تارة، ويأمر بالشر أخرى.. وبعض النفوس قرينها لا يأمر إلا بالشر.. وعمل العبادة كله هو أن تستجيب النفس للحافظ، فتتسامى بالذكر، وتسوق معها قرينها.. فكأن الإنسان وسط بين قرين من أسفل، وحافظ من أعلى.. فمن عمل بالطاعات، نصر الحافظ "الملائكي"، وعصى القرين "الشيطاني"، أو "الجني".. وهو، بهذا العصيان، يسوق هذا القرين معه من الظلام إلى النور.. ومن عمل بالمعاصي نصر القرين، وخذل الحافظ "الملائكي".. ولذلك فقد قال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين.." هذه هي الصورة على العموم...
والجن أحفاد إبليس.. وهم يعيشون معنا على الأرض.. ولكننا لا نراهم.. هم يروننا، ونحن لا نراهم.. "إنه يراكم، هو وقبيله، من حيث لا ترونهم.. إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون".. وهم يعيشون في أماكن الأوساخ والنتانات، مثل المراحيض، والحمامات، وفي أماكن أخرى كثيرة.. وقد يخالطون الإنسان، ويشاركونه في ماله، وفي أولاده، وفي زوجه.. وقد يخالطونه في نفسه.. فتتغير حاله، ويصاب عقله، ويصبح يتصرف تصرفاً شاذاً، فيسميه الناس "مجنوناً"... وأنت تسأل: "فما هي العلة؟؟ّ" فإن كنت تريد بالسؤال: "فما هو المرض؟؟" فإن الجواب: إن المرض قد يكون عقلياً، وقد يكون جسدياً، وفي الغالب يكون في العقل والجسد كليهما.. في العقل بالتصرف الشاذ ، والميل إلى العنف الجسدي، أو اللفظي.. وفي الجسد بالتحول، للعزوف عن الغذاء، ولقلة الراحة.. وأما علة الإصابة بالمرض فهي الغفلة عن ذكر الله.. وأما العلاج فهو بتقوية الروح على النفس.. وقد يكون ذلك "بالعزيمة" من رجل صالح، قوي الروح.. أو من طبيب نفساني قد يستعين بالعقاقير، أو بصعقة الكهرباء.. أو من رجل ذاكر، باستعمال بعض الرقي أو بتلاوة الآيات.. وأصبح، في الوقت الحاضر، الجانب المأمون في العلاج هو الطبيب النفساني.. أو طبيب الأعصاب..
وفي الحقيقة هذا الموضوع يحتاج لمجال أوسع من هذا المجال لبيانه.. ولكنك أنت مستعجل، فيما يبدو لي.. فهل نكتفي بهذه الإجابة القصيرة؟؟ فإن كنت تريد توسعاً أكثر فأمهلني.. وإن اكتفيت بهذا فذاك..
ويجب أن أذكرك أن هناك مخالطة "ملائكية" ـ "رحمانية" ـ تشبه في ظاهر الأمر المخالطة "الشيطانية"، ولكن لا يعرفها إلا العارفون.. وقد رمى الجاهلون الأنبياء، والأولياء، بالجنون جهلاً.. وما ذاك إلا لأن حالة العشق الإلهي، التي تصيب الخيرين، تجعل تصرفهم، بإزاء الناس، فيما يقولون ويعملون في بعض الحالات، أشبه بالجنون.. ولقد قيل لسيد الأنبياء: "إنك مجنون" فنفى عنه ربه ذلك، فقال: "ن، والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون" وما أرى داعياً للتفصيل هنا، وذلك لاستعجالك.. فإن رأيت الحاجة للزيادة من الشرح فأكتب لي في مهلة أوسع.. وأرجو لك التوفيق..