والديمقراطية الشعبية ما هي؟؟
عُرّفت الديمقراطية بأنها : حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب .. والذي عرفها هذا التعريف هو أبراهام لنكلن ، الرئيس الأمريكي في القرن التاسع عشر .. ولكن الديمقراطية ، بهذا المعنى ، لم تحقق بعد .. ولدى العالم الآن نوعان من الديمقراطية : الديمقراطية الرأسمالية ، والديمقراطية الشيوعية .. وكلا الديمقراطيتين مقصّر ، ومعيب ..
فأما الديمقراطية الرأسمالية فإنها قد ورثت التفاوت الطبقي ، الرأسمالي والإقطاعي ، المتبقي من العصور المواضي ، وقبلته ، وحاولت ، تحت ضغط المتطرفين الثائرين على الماضي ، أن تتطور منه إلى اشتراكية تحقق العدالة الاجتماعية ، والحرية الفردية ولكن ظهورها كان ، ولا يزال ، بطيئا جدا ، وذلك لشدة المقاومة التي تلقاها من الرأسماليين الذين يسيطرون على نظام الحكم فيها فإن هؤلاء ، بما يملكون من وسائل الدعاية ، وموارد الرزق ، قد استطاعوا أن يروجوا ، بين الشعب ، لمن يريدون انتخابه من عملائهم ، ممن لا يخدمون مصالح الشعب .. واستطاعوا أيضا ، بتركيزهم للرأسمالية ، أن يجعلوا نواب الأمة يهتمون بمصالحهم الشخصية ، أكثر مما يهتمون بمصالح موكليهم ، فأصبح البرلمان لا ينقد الهيئة التنفيذية على هدى سياسة شعبية ، مراعى فيها إلى مصلحة الأمة ، وإنما على هدى سياسة حزبية ، مراعى فيها إلى استمرار الحزب الذي ينتمي إليه النائب في الحكم ، لئلا يتعرض النائب للخسارة المادية التي تصيبه إذا ما انهزمت حكومته ، وحل البرلمان ، مثلا ، لينتخب غيره .. وهكذا شُلّت حركة التطور ، والتقدم ، في الديمقراطية الرأسمالية ، فلم يتحقق تحت ظلها ، ولن يتحقق ، العدل الاجتماعي ولا الحرية الفردية ..
وأما الديمقراطية الشيوعية فإنها قد ثارت على وراثة الماضي ، فحطّمت المجموعة الرأسمالية والإقطاعية التي سبقتها ، وبنت على أنقاضهما ديكتاتورية غاشمة ، جعلت همها تغيير الوضع السيئ الذي وجدت فيه الشعب الروسي المتأخر ، ونصبت نفسها وصية عليه ولما كانت حالة الشعب متأخرة فعلا .. ولما كان هذا النظام ثورة جديدة ، وتجربة جديدة ، فإنه قد تورط في الشطط الذي يتورط فيه أمثاله ، وذلك أن هذا النظام الشيوعي قد أهدر حق الفرد في الحرية ، ليستطيع أن يحقق للمجموعة العدالة الاجتماعية ، أي المساواة الاقتصادية ، ولقد قطعت الشيوعية ، في تجربتها شوطا بعيدا ، تعد فيه ناجحة ، ولكنها سارت في طريق خطأ ، حين ظنت أن الإنسان يكفيه من حياته ، المتاع المادي ، ويعوضه عن حريته .. ويظن بعض الناس أن الشيوعية ستحقق الحرية الفردية بعد أن تثبت قواعدها .. وهذا فهم خاطئ ، لأن نظاما قام على كبت الحرية ، من بداءته ، واستمر في كبتها إلى اليوم ، لا يمكن أن يبقى إذا تسامح في إطلاقها في غده ، وسيظل دائما كابتا لها ، غير متسامح فيها .. وإنه لمن طبائع الأشياء أن أي نظام يقوم على الثورة ، كما قامت الشيوعية ، لا يمكن أن يبلغ الكمال ذلك لأن للثورة دائما رد فعل ، يحطمها في آخر الأمر .. ولا يبلغ الكمال إلا التطور الواعي ، السريع ، فهو وحده الملائم لطبيعة الحياة ..
ويفرق الناس الآن ، تفريقا كبيرا بين الديمقراطية الرأسمالية ، والديمقراطية الشيوعية ، وهو خطأ مصدره النظر السطحي للمسألة .. والنظرة العميقة تظهر جليا أن الرأسمالية ، والاشتراكية ، والشيوعية ، والاشتراكية الوطنية - أي الفاشية ، والنازية - كل هؤلاء يرجع إلى فلسفة واحدة ، هي المادية الغربية الحاضرة ، والمادية الغربية الحاضرة موروثة من المادية الوثنية الرومانية ..
فكل هذه النظم الغربية التي يفتتن بها الشرقيون اليوم إنما هي في حقيقتها واحدة ..
هي واحدة في معنى أنها لا تهتم إلا بالرخاء المادي وحده وإلا بالرفاهية المادية وحدها ، ولا تعطي وزنا كبيرا للأخلاق المطلقة .. وهذا الانصراف ، الذي أهمل جانب الأخلاق المطلقة ، هو المسئول عن الحالة السيئة التي يتورط فيها عالم اليوم ..
والديمقراطية الشعبية ، كما عرفتها سالفا ، تتلخص في نظام يكفل العدالة الاجتماعية ، والحرية الفردية ، في ميزان لا يجور - نظام يعمل الشعب فيه بنفسه لنفسه ، على هدى المعرفة - في هذا النظام المنشود تكون الحكومة خادمة الشعب، لا سيدته .. في هذا النظام تفهم الحكومة نفسها ، ويفهمها كل فرد ، كما فهمها أبو العلاء المعري حين يقول :
ملّ المقام فكم أعاشـر أمـة أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
فالحاكم أجير لي ، ولك وهو ، أصلح ما يكون ، خادم لي ، ولك ، وليس سيدا ، متسلطا على الرقاب .. ولقد نظر الحزب الجمهوري في هذه المسائل فتبين له جليا أن الديمقراطية الشعبية لم تحقق حتى اليوم ، وأنه لا نجاة للإنسانية مما يتهددها من فناء ، إلا بتحقيقها .. وأن أيا من الديمقراطيتين - الرأسمالية والشيوعية - لا يمكن أن تحققها ، البتة .. وأنه لابد ، لتحقيق الديمقراطية الشعبية ، من الإسلام ، لأنه الفلسفة الاجتماعية الوحيدة ، في هذا العالم ، التي حاولت ، وأفلحت ، في الجمع بين الروح والمادة ، على هدى ، وبصيرة ، والجمع المستبصر ، بين الروح والمادة ، هو وحده الذي يمكن أن يحقق الحرية الفردية ، والعدالة الاجتماعية ، في نظام متكافل للجميع..