بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون)
صدق الله العظيم
المقدمة
هذا هو (الجزء الثاني) من كتاب (هؤلاء هم الأخوان المسلمون) ويتناول تنظيم الأخوان المسلمين، في مجال الممارسة، بعد أن تناول الجزء الأول منه هذا التنظيم في مجال الفكرة.. والجزءان يكادان أن يكونا بابين لكتاب واحد، بل هما كذلك، فهما متكاملان، يمهد أولهما، ويفضي الى الثاني.. وخطأ، أو صحة، الفكرة، دائما، إنما يلقي ظلاله على الممارسة.. ولما جاءت (فكرة) الأخوان المسلمين متناقضة، أشد التناقض، مع مراد الدين، ومتناقضة، كذلك، مع واقع الحياة المعاصرة، إتسمت ممارساتهم بالتناقض أيضا... فهم لم يستطيعوا أن يعيشوا حتى مستوى الدين الذي يدعون اليه، كما لم يستطيعوا أن يعيشوا مستوى هذه الحياة المعاصرة.. أسوأ من ذلك!! فقد إندفعوا في طلب السلطة لتنفيذ (فكرتهم) إلى حيث إتخذوا أساليب العنف، والإثارة، والإرهاب، والإحتواء، والإغتيال!!
وهذا الجزء من الكتاب إنما يسلّط الضوء على ابرز الممارسات التي تشكّل الخط الأساسي للإخوان المسلمين كتنظيم يسعى إلى السلطة بكل سبيل، وبأي سبيل.. أما في مصر، موطن التنظيم الأول، فسنرى أنه قد نشأ على إعداد أعضائه، وتسليحهم لممارسة أعمال العنف، ثم أخذ يتّصل بالعسكريين، ويخطط للإنقلابات، حتى لقد توّرط في الإغتيالات الفردية!! أما بالنسبة لأساليب العمل السياسي الأخرى، في مصر، فسيعرض هذا الكتاب أسلوب الأخوان المسلمين في إحتواء السلطة، بالتقرّب، والتزّلف، إلى الملك، وفي "توريط" المسئولين في إتجاه مخطط تنظيمهم، وفي فرض جو عام من الإرهاب، بإسم الدين..
ثم تتناول الفصول الأخرى ممارسات الأخوان المسلمين في السودان التي تكاد أن تكون صورة مطابقة لممارساتهم في مصر، وذلك من حيث العمل وفق مخطط مبيّت لإحتواء السلطة.. وسنركّز في ذلك على الصلة العضوية التي قامت بين الأخوان المسلمين والطائفية، كدعوتين تستغلان الدين في الأغراض السياسية، والمواقف التي وقفتاها قبل ثورة (مايو) لإجهاض ثورة (أكتوبر)، وتصفية مكتسباتها، ثم صور المقاومة العنيفة التي إتخذتاها ضد ثورة (مايو) من انقلابات، وأعمال شغب، وغزو أجنبي!! ويعطي هذا الكتاب، أيضا، نماذج لممارسات تنظيم الأخوان المسلمين في جامعة الخرطوم التي تعتبر أكبر مراكز ثقلهم، في السودان، وذلك من حيث إتجاههم العنيف مع خصومهم من التنظيمات الطلابية الأخرى، وعملهم لتسيير الحركة الطلابية وفق المخطط الطائفي، خارج الجامعة، الذي يمثلون أحد أركانه الأساسية..
ويقوم آخر فصول هذا الكتاب بتحليل موقف الأخوان المسلمين من المصالحة الوطنية في السودان، ومخططهم لإحتواء السلطة، بالسيطرة على الأجهزة التنظيمية، والتشريعية والإعلامية، والتربوية..
هذه مادة هذا الكتاب.. وقد إعتمدنا، في رصد الأحداث، سواء في مصر أو في السودان، على أقوال زعماء الأخوان المسلمين أنفسهم، وعلى البيانات التي أصدروها، أو اشتركوا في إصدارها، وعلى الأخبار التي تناقلتها عنهم الصحف، ولم يصدر منهم ما يكذبها... فنحن لم نبن أحكامنا على رأي خصوم الأخوان المسلمين فيهم، أو ما نسبوه من ممارسات اليهم... ذلك بأننا نعلم أن قدرا من التشويه لا بدّ أن يكون قد لحق بممارساتهم على أيدي خصومهم السياسيين والفكريين – لا سيما إبان اصطداماتهم مع النظام الناصري في مصر... فلم نأخذ، مثلا، بما نشره، أو أذاعه، ذلك النظام عن محاكماتهم... وذلك لما دار حولها من شبهات التلفيق، أو الإعتراف تحت ضغط التعذيب.. كما حرصنا على تحقيق، وتوثيق، سائر مواقفهم السياسية في السودان، وذلك من صحيفتهم نفسها، ومن الصحف غير المتهمة بمواقف معادية لهم، واستبعدنا كليا في هذا الجزء من الكتاب الإعتماد على الكتابات التي كتبها عنهم من قد تقع عليه أدنى شبهة من شبهات الخصومة الفكرية، أو السياسية، معهم ككتاب (الأخوان المسلمون) لريتشارد ب. متشيل.. هذا ونحن لم نورد في الجزء الأول من كتابنا هذا لـ (متشيل) هذا الاّ ما أيدته أقوال زعماء الأخوان المسلمين أنفسهم.. فما نسبه هنداوي دوير، أحد زعماء الأخوان المسلمين بمصر، الى الشيخ البنا، فيما نقله (ميشيل) حول عدم (صياغة رأي الأخوان في القضايا التفصيلية، وكيفية تطبيق الشريعة على حياة المجتمع المعاصر) إنما يقول الأستاذ سيد قطب بنفس محتواه، وبصورة أكثر تطرّفا، في كتابه (معالم في الطريق)... وقد أوردنا النصين، معا، وقمنا بالتعليق عليهما، معا – صفحة 19 من الجزء الأول من كتابنا (هؤلاء هم الأخوان المسلمون) – أما ما أوردناه من كتاب الدكتور رفعت السعيد (حسن البنا .. متى .. كيف.. ولماذا؟) – وهو كتاب واضح الخصومة الفكرية للأخوان المسلمين – فهو لا يتعدى أن يكون أخذا عن جريدة الأخوان المسلمين عدد 16/8/1946، وعن مجلة (الدعوة) للإخوان المسلمين عدد 12/12/1952.. ففي الأولى أشار الى مقال للشيخ البنا بعنوان (فن الموت).. وقد أوردنا هذه الإشارة بعد أن نقلنا طرفا من خاتمة (رسالة الجهاد) للشيخ البنا من كتاب (مجموعة رسائل البنا).. وفيها التعبير – بـ (صناعة الموت)، المرادف للتعبير (فن الموت) – صفحة 37 من الجزء الأول من كتابنا .. وفي الثانية أشار الى ما نسبه العشماوي من رأي للشيخ البنا حول معنى الشورى من أنها ليست ملزمة، وهو معنى الشورى كما في الشريعة الإسلامية، وكما وقع به التطبيق، في العهد الإسلامي الأول.. وقد أوردنا هذه الإشارة بعد أن علقنا على رأي البنا في صلاحية نظام الشورى لهذا العصر، كما نقلناه من مجموعة رسائله، وقد جاء فيه نفس المحتوى لمعنى الشورى – صفحة 43 من الجزء الأول من كتابنا..
أما نص (البيعة)، وهو قسم الولاء الذي يؤديه عضو تنظيم الأخوان المسلمين، كما نقلناه عن كتاب رفعت السعيد، فهو وارد في (قانون النظام الأساسي للأخوان المسلمين)، كما اقرته الهيئة التأسيسية في اجتماعها بتاريخ 21/5/1948 (صفحة 264) من كتاب (الشيخ حسن البنا ومدرسته) لرؤوف شلبي – وقد ورد في الباب الثالث – الأعضاء وشروط العضوية – المادة 4.
وبذلك فإن كتابنا هذا، بجزئيه، إنما اعتمد، في الأساس، على أقوال الأخوان المسلمين أنفسهم – قمة زعامتهم دون قاعدة جماعتهم – وعلى ممارساتهم التي شهدوا هم بها، أو لم يبدر منهم تكذيب لها ..
وقد حرصنا، هذا الحرص، على عدم أخذ الأخوان المسلمين بشبهة مغرضة، أو إتهام لا يقوم على دليل، استشعارا منّا لمسئوليتنا الدينية، في المقام الأول، عن تحرّي الصدق، ولرغبتنا، في المقام الثاني، في أن يرى الأخوان المسلمون، بأنفسهم، خطل دعوتهم، حتى يعملوا على استنقاذ أنفسهم، بالتماس الدعوة الإسلامية الصحيحة في مظانها... فعملنا هذا، في تقويم حركة الأخوان المسلمين، إنما هو مقصود به إلى أن يمهد الطريق إلى البعث الإسلامي الصحيح، وذلك بالتوعية بمقومات هذا البعث، وبتقديم القيمة الأخلاقية التي تعبّر عنه، وبتسليط الضوء على المعوّقات التي تعوقه.. فإلى الكتاب.. وعند الله نلتمس السداد..