إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الثاني

الأخوان المسلمون وحل الحزب الشيوعي


ولعب الأخوان المسلمون الدور الأساسي في مؤامرة حل الجزب الشيوعي التي خططتها، ونفذتها الأحزاب الطائفية، حماية لمصالحها التي أخذ الحزب الشيوعي يشكّل خطرا كبيرا عليها، لاسيما بفوزه الساحق في إنتخابات دوائر الخريجين، وبالمعارضة القوية التي كان يقودها ضد حكومتها، في الجمعية التأسيسية.. ومن صور هذه المعارضة تحكى محاضر مداولات تلك الجمعية في جلستها بتاريخ 8/11/1965 (الصفحات من 18 الى 24) أن أحد النواب الشيوعيين قدم إقتراحا بسحب الثقة من الحكومة لعجزها عن تحقيق الإستقرار السياسي، وعن حل الأزمة الإقتصادية. وذهب في توضيح اقتراحه ليعدّد مظاهر الأزمة الإقتصادية فقال (الصفحات 30، 31، 32 من نفس محضر الجلسة): (ارتفع غلاء المعيشة من 120 نقطة الى 172 نقطة في عهد السيد رئيس الوزراء الحالي) وقال (ولا يخفى على أي مواطن حالة الكساد التي تشكو منها البلاد) وقال (بل يكفينا الإرتفاع المدهش في عدد العاطلين الذين لا يراهم السيد رئيس الوزراء... وقد بلغ عدد المسجلين 23000 عاطل وبلغ عدد المسجلين في خلال الفترة من يونيو حتى الآن 5432 عاطلا منهم 2309 من سكان العاصمة الأصليين، وبلغ عدد خريجي الجامعات والمعاهد لعام 64/1965 – 635 استخدم منهم فقط 273 الى يوم 20/10...) ومضى ليقول عن سياسة الإقتراض التي كانت تتبعها الحكومة (كانت جملة الديون علينا حتى نهاية عام 1964 التي تعاقدت عليها الحكومات الماضية وعلى الأخص الحكم العسكري البائد 140 مليون جنيه ونجد أن هذه الحكومة ايضا في الفترة القصيرة من عمرها تعاقدت مع دول أجنبية ومؤسسات عالمية بلغت جملة قروضها 100 مليون 350 ألف. إن هذه الحكومة قد سبقت جميع سابقاتها في هذا المضمار)
هكذا كان النواب الشيوعيون يشكلون تهديدا ماثلا للكيانات الحزبية الطائفية، وحكومتها.. فاستغلت هذه الأحزاب، عن طريق الأخوان المسلمين، حادث طالب معهد المعلمين الشهير لتنفيذ مؤامرة حل الحزب الشيوعي.. والحادث هو أن أحد الطلاب وقف أثناء ندوة كانت تقدمها السيدة سعاد الفاتح – وهي من الأخوات المسلمات – لطلاب ذلك المعهد، ليعلن أنه ملحد، متعرضا، أثناء حديثه للبيت النبوي الشريف تعرّضا غير كريم.. وهذا الموقف، من هذا الطالب، إنما كان موقفا فرديا، ربما ساهمت فيه السيدة سعاد الفاتح نفسها وذلك بما بدر منها من استفزاز حكته عنها جريدة (الميثاق) الناطقة بلسان (جبهة الميثاق الإسلامي)، في عددها بتاريخ 14/11/1965، حيث قالت على لسان رئيس إتحاد طلاب معهد المعلمين العالي: (لقد حضرت الجزء الأخير من الندوة، وتعرضت السيدة سعاد الفاتح الى موقف الشيوعيات، ووصفتهن بعدم الجرأة في إبدأ موقفهن بصراحة، وفي غير تردد، ويبدو أن هذا الحديث قد أثار الطالب شوقي الذي وقف فقال أنا شيوعي ملحد)!! هذا ما أدلى به رئيس اتحاد معهد المعلمين.
فما كان من الأخوان المسلمين الاّ أن خرجوا، عقب ذلك، في مظاهرات معبأة، ومنظمة، ومسلحة بالعصي، وفروع الشجر، ليصعّدوا هذا الحادث الفردي، حتى يصنعوا منه عملا موجها ضد الحزب الشيوعي، مصورين ذلك الحادث على أنه عمل منظم قصد منه الشيوعيون النيل من الإسلام!! والحادث وما أحاط به ملابسات، لو أخذ في إطاره الموضوعي، ما كان يمكن أن يؤدي الى الإضطرابات، والأزمات السياسية التي أعقبته.. فقد كان يمكن أن تقف آثار الحادث عند حد تقديم الطالب الى المحاكمة لينال جزاءه وفق القانون.
وعلى الرغم من أن تقرير الطبيب قد أكد أن الطالب إنما كان يعاني من إختلال في قواه العقلية، وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي قد نفى إنتساب الطالب الى عضويته، اتجه الأخوان المسلمون الى تصعيد الحادث، بكل سبيل، ليؤدي الى حل الحزب الشيوعي بغض النظر عن ذلك الحادث!! فقد جاء في بيانهم الذي اصدروه حول الحادثة على لسان جريدة (الميثاق) بتاريخ 14/11/1965 قولهم: (إن حل الحزب الشيوعي المقيم في السودان هو هدف رئيسي ودائم من أهدافنا وليس مقيدا بالأزمة الراهنة)!!