إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الدستور الإسلامى؟ نعم .. ولا !!

بين الشريعة والدين


إن قومنا من دعاة الفكر الإسلامي ، في جميع مدارسه ، يخلطون خلطا ذريعا بين الشريعة والدين ، وهم من أجل ذلك يتناقضون ، وعندما يشعرون بالتناقض يحاولون التهرب ، أو التعمية والتمويه ، فلا يبلغون طائلا . وقد أوردنا لك كيف حاول الدكتور حسن الترابي أن يتهرب عن الإجابة حتى حوصر ، فاضطر إلى المواجهة اضطرارا لم يملك معه منصرفا ، ذات اليمين ، ولا ذات الشمال .. وكيف أن الهيئة القومية للدستور الإسلامي الكامل حاولت أن تغرق مسائل حيوية في تعمية تلبس بهرج الأسلوب ، ولتدس فيه عبارة خاطئة من أولها لآخرها ، وذلك قولها "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ثم ذهبت تسوق في حججها آيات منسوخة ..
أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الشريعة الإسلامية ليست هي الإسلام ، وإنما هي المدخل على الإسلام .. هي طرف الإسلام الذي نزل إلى أرض الناس منذ أربعة عشر قرنا ، وهي في بعض صورها تحمل سمة "الموقوتية" وهي من ثم قابلة للتطور ، وهي في تطورها تنتقل من نص فرعي، في القرآن، تنزل، لأرض الناس من نص أصلي . وقد اعتبر النص الأصلي منسوخا ، بمعنى أنه مرجأ إلى يومه ، واعتبر النص الفرعي صاحب الوقت ، يومئذ . فتطور الشريعة الإسلامية ، في بعض صورها ، إذن ، إنما يعني انتقالها من نص ، إلى نص ، في القرآن .. فآية السيف ، وأخواتها ليست ، في الإسلام ، أصلا وإنما هي فرع .. وقد تنزل الفرع ، عن الأصل ، بفعل الضرورة ، ليكون قريبا لأرض الناس ، حتى ينقلهم ، على مكث ، إلى الأصل .. فالأصل هي الآيات المنسوخة والفرع الآيات الناسخة .. فإذا كنا نتحدث عن الشريعة الإسلامية فيجب ألا نزج بآية " لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي" إلا إذا كنا ندعو إلى أن تتطور الشريعة ، من آيات الإكراه ، إلى آيات الإسماح . وهو أمر لا يدعو إليه ، بل ولا يعقله دعاة الإسلام عندنا ، إلى الآن .
وهناك أمر خطير يجب تقريره هنا ، وهو أن الشريعة الإسلامية ليست ديمقراطية ، ولا هي اشتراكية ، وإنما هي تقوم ، في السياسة ، على آية الشورى ، وهي آية حكم الفرد الرشيد ، الذي جعل وصيا على قوم قصر ، وقد طلب إليه أن يحسن تربيتهم ، ورعايتهم ، وترشيدهم ليكونوا أهلا للديمقراطية . ويومئذ تتطور شريعتهم لتنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الشورى إلى آيتي " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر " فتكون بهذا التطوير أدخل في الإسلام من سابقتها . أو قل منها قبل أن تتطور .
ومثل هذا يقال عن الاشتراكية ، فإن شريعة الإسلام الحاضرة ليست اشتراكية ، وإنما هي رأسمالية ، أريد بها أن تكون مرحلة تسير الأمة السالفة إلى منازل الاشتراكية . ويومئذ تتطور الشريعة الحاضرة ، بأن تنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الزكاة الصغرى (الفرعية) " خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، والله سميع عليم " إلى آية الزكاة الكبرى (الأصلية) " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " .
ففي الشريعة الحاضرة ليست هناك ديمقراطية ومن ثم ليس هناك دستور إسلامي .. وكل حديث عن الدستور الإسلامي من الذين لا يرون تطوير الشريعة الإسلامية إنما هو جهل مزدوج - جهل بالإسلام ، وجهل بثقافة العصر .. وهو ما يقوم عليه أمر دعاة الإسلام عندنا . ونحن نحب أن نقول لهم في ختام هذه المقدمة أنكم إن لم تفهموا حقيقة الإسلام ، وطبيعة ثقافة العصر الحاضر ، فمن الخير أن تكفوا عن الدعوة إلى الإسلام .. وإلا فإنكم تحملون وزر تعويق الدعوة إليه بجهالات تحاولون أن تلصقوها به ، وهو منها براء .. وستكون حصيلة محاولتكم تأخير قافلة الدعاة الحقيقيين بعض الوقت . وبحسب المرء من الشر أن يعوق بجهالته ، دعوة الخير ، ولو لحظة واحدة ، وهو يعلم .