الفصل الثانى
مشكلة الشرق الاوسط في العشر سنوات الماضية
لقد ظلّ العرب يتمسكون "لفظيا" "بلآءات الخرطوم الثلاث" – وهي خلاصة القرارات التي خرجوا بها من مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالخرطوم عقب هزيمة 5 يونيو 1967 – "عدم الصلح مع إسرائيل، أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها"، هذا بينما يمارسون الاعتراف الفعلي بإسرائيل، ويسعون وراء الحل السلمي الذي يقتضي المفاوضات المباشرة، إن لم نقل يقتضي الاعتراف بإسرائيل.
قرار مجلس الأمن رقم 242
وأصدر مجلس الأمن القرار رقم 242، في 22 نوفمبر 1967، أي في الشهر التالي من صدور كتاب "مشكلة الشرق الاوسط" للأستاذ محمود محمد طه.. وقد جاء في ديباجته
((إن مجلس الأمن إذ يعبر عن إهتمامه المتواصل بالوضع المؤسف في الشرق الاوسط، وإذ يؤكد عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، والحاجة للعمل على السلام العادل والدائم الذي تعيش فيه كل دولة في المنطقة في أمن، وإذ يؤكد، أيضا، أن كل الدول الأعضاء بقبولهم لميثاق الأمم المتحدة، قد إلتزمت بالعمل وفق البند 2 من الميثاق: -
1- يؤكد مجلس الأمن أن تنفيذ مبادئ الميثاق يتّطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط يتضّمن تنفيذ المبدأين التاليين:
(أ) إنسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير.
(ب) إنهاء حالة الحرب، والاحترام والاعتراف بالسيادة، والوحدة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها في العيش في سلام، داخل حدود آمنة، معترف بها، غير معرّضة للتهديد بأعمال القوة أو لإستعمالها.
2- ويؤكد أيضا ضرورة:
(أ) ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة.
(ب) تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
(ج) ضمان السيادة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات تتضمّن إقامة مناطق منزوعة السلاح.
3- يطلب المجلس من السكرتير العام أن يعيّن ممثلا خاصا له يوفد الى منطقة الشرق الاوسط لإجراء إتصالات بالدول المعنية بهدف المساعدة في التوصل الى تسوية سلمية مقبولة وفق المبادئ والنصوص الواردة في هذا القرار.
4- يطلب من السكرتير العام أن يبلّغ مجلس الأمن في أقرب وقت ممكن بمدى تقدم الجهود التي يبذلها ممثله الخاص..
))
وبناء على البند الثالث من هذا القرار عيّن الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة – مستر أوثانت – الدكتور جونار يارنج مبعوثا خاصا له.
هذا هو القرار الدولي التاريخي الذي ربط انسحاب إسرائيل
((من "أراض" أو من "الأراضي" التي احتلتها عام 1967
)) بإنهاء أسباب النزاع بين العرب وإسرائيل والاعتراف لإسرائيل، مع كل دول المنطقة، بالسيادة، والوحدة الإقليمية، والاستقلال السياسي، داخل حدود آمنة، ومعترف بها، وغير مهددة باستعمال القوة!!
وقد وافقت على هذا مصر (في عهد جمال عبد الناصر)، وسوريا، والأردن، وهي دول المواجهة مع إسرائيل!! فهل بقي، بعد ذلك، أمام الدول العربية غير الاعتراف "اللفظي" بإسرائيل؟ إن مجرّد قبول هذه الدول بالقرار إنما هو نسف كامل، وبعد وقت وجيز، "للآءات الخرطوم الثلاث" – لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض! ذلك بأن قبول هذا القرار إنما يسجل اعترافا صريحا بإسرائيل، كما أنه يسجل الإستعداد للصلح معها مما يقتضيه "إنهاء حالة الحرب" الذي ينص عليه القرار، فلم يبق الاّ التفاوض المباشر الذي يقتضيه القرار للوصول الى التسوية السلمية العادلة، وظلت إسرائيل متمسكة بضرورة المفاوضات المباشرة، وهي لغة العصر، بينما ظل الزعماء العرب يعلنون تمسكهم "اللفظى" "بلآءات الخرطوم الثلاث" ليمارسوا تضليل شعوبهم، حتى ظهروا أمام الرأي العام العالمي في صورة الراغب في الحرب، في مقابل صورة الراغب في السلام التي تظهر بها إسرائيل. وإسرائيل أثناء هذا الموقف الذي يقفه العرب، والذي لا يحترمه الرأي العام العالمى، تكسب الجولات الدبلوماسية، الواحدة تلو الأخرى، على حساب العرب، وتتقوّى عسكريا وبشريا..
وشكّل قرار مجلس الأمن رقم 242 أساسا لمهمة يارنج، وأساسا لمبادرة روجرز، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، التي أعلن السيد جمال عبد الناصر قبولها، وهو على مائدة المفاوضات في زيارته الأخيرة للاتحاد السوفيتي، كما شكّل أساسا لدبلوماسية "خطوة – خطوة" التي اتخذها كسنجر، وزير الخارجية الأمريكية السابق، ولكل مشروعات الحل السلمي التي قدّمت أمام المنظمة العالمية، ولكل المبادرات والمقترحات حول التسوية السلمية لهذه المشكلة.. ووصلت، جميعها، الى الطريق المسدود بسبب تمسّك إسرائيل بالمفاوضات المباشرة، من أجل التسوية الشاملة ورفضها، بغير ذلك، الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، من جهة، وبسبب تمسك العرب بضرورة إنسحاب إسرائيل من هذه الأراضي كشرط أساسي قبل أى إجراءآت أخرى للتسوية الشاملة، من جهة أخرى.