الخاتمة:
في ختام هذا الكتيب لا بدّ أن القاريء قد اهتدى إلى الأسباب التي دعتنا إلى مقاضاة الشيخ عبد الرحمن عبد السلام وذلك خلال اضطلاعه على متن هذا الكتاب، وبخاصة حيثيات هذه القضية.. فإن الأسباب التي دعتنا إلى مقاضاة الشيخ عبد الرحمن عبد السلام أمام محكمة جنايات ود مدني ليست بأسباب شخصية، وليست بأسباب دوافعها الغرض والهوى، وإنما هي أسباب قصد منها كشف الشيخ عبد الرحمن عبد السلام، كرجل دين، ورجل وعظ، ومقريء للقرآن، ثم هو بهذه الأوصاف يجد عند شعب مدني، وعند البسطاء منهم بخاصة، يجد عندهم الإحترام، ويجد عندهم المكانة، ويجد عندهم التجلّة، وليس هو في حقيقة أمره بمستحق لكل ذلك! وقد سار هذا الكتاب شوطا في توضيح ذلك بالأدلة والبراهين وبالرأي المحايد كما جاء في حيثيات المحكمة.
ولقد نعلم أن بعض أصدقائنا قد عتب علينا أن نقف موقف الإتهام في قضية المتهم فيها هو الشيخ عبد الرحمن عبد السلام، وذلك لما يعرفونه هم ويقدرونه من وزن للجمهوريين، ومن وزن للشيخ عبد الرحمن.. فهم يرون أن هذه القضية لا تقوم بين ندين، متكافئين، في السلوك، وفي الأخلاق وفي أدب الدعوة للدين وفي أدب معاشرة المجتمع وفي أدب السيرة بين الناس...
ولو كان الأمر يقف عند هذا الحد لكان لأصدقائنا الذين يعتبون علينا كل الحق فيما ذهبوا اليه، أما فإن نظرتنا لهذه القضية، والى القضايا التي سبقتها ضد رجال الدين أمثال الشيخ حسن عبد العزيز بود مدني والشيخ سالمين بكوستي وهو كشف وفضح من يتسمون برجال الدين حتى يكون الناس على بيّنة وبصيرة من أمرهم..
لقد عرف الشيخ عبد الرحمن عبد السلام بمدينة ود مدني بمعارضة للجمهوريين أتخذت نهجا وأسلوبا يعف عنه المواطن العادي خلّ عنك داعية الدين.. فهو يسعى، ويتنقّل بين المساجد، في الأحياء المختلفة، ويخطب في المستمعين، من المصلين، فيفرغ عليهم سبابا متصلا موجها لأشخاص الجمهوريين، في كلمات نابية، وألفاظ فاحشة، تؤذي السامعين.. ثم هو في نهجه، في معارضة الجمهوريين، قد اتخذ من مناسبات العزاء فرصا مواتية ليوالي هجومه غير التقي على الجمهوريين، كل ذلك باسم الدين في غير دين، وفي غير حياء، فلا يمت عمله هذا إلى الدين ولا إلى الأخلاق ولا إلى العرف بصلة..
لقد ثبتت إدانة المتهم الشيخ عبد الرحمن عبد السلام في هذه القضية تحت المادتين (435) و (296): ((الكذب الضار والتهجّم))، ولقد حاولنا ابراز المركز في هذا الكتاب وهو مفارقة الشيخ للأخلاقيات وتوّرطه المقصود في جريمة الكذب مع ربط ذلك بدعوى الشيخ أنه داعية للدين!! وربط ذلك بصفته واعظا يعظ الناس في المساجد، وفي غير المساجد، في أمر دينهم، وفي أمر آخرتهم!!
ونحن نسأل الشيخ: أما كان حريا به، وهو يعظ الناس، أن يعظ نفسه، وقد ثبت عليه الكذب الضار والتهجّم!! لقد ظلم الشيخ نفسه عند نفسه بأن كان مطية للكذب، وجعل من الكذب تجارة يبتاعها عند البسطاء من الناس.. ونحن نسأل الشيخ، أيضا، أكان في إعتقاده أن الجمهوريين سيضارون بهذا الكذب، حتى لو افترضنا أن هذا الكذب قد جاز على قاضي القضية فحكم عليه بالبراءة مثلا؟؟ فإنه لو جاز ذلك فإن المضرور حقا هو الشيخ نفسه. أما كان حريا بالشيخ أن ينظر الى "القاضي" الذي (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)؟! فهو إن نجا في هذه القضية بأن جوّز على القاضي فعلته، فإنه، ومن المؤكد لا ينجو من حساب الله.. ثم إن الشيخ عبد الرحمن عبد السلام، وهو المقرئ للقرآن، وهو الذي يسمع على نطاق القطر، يرتّل القرآن، من راديو إذاعة جمهورية السودان لا يقف ولا تطالعه الآية: ((يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله، وهو معهم، إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، وكان الله بما يعملون محيطا)) أليس في القرآن عظة للشيخ وهو يتعمّد الكذاب الصراح، أم أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلّم قد بلغت الشيخ: ((رب قاريء للقرآن، والقرآن يلعنه))؟!!
لقد روى الأستاذ سليمان أحمد سليمان، في هذا الصدد، أن عبد الرحمن عبد السلام، وقد جمعته به مناسبة دعوة بمنزل الأستاذ عبد المطلب محمد الحاج قد اعترف، في جماعة من المدعوين، أنه فعلا ضرب الجمهوريين بعصاه وأنه أنكر ذلك أمام المحكمة!! والأستاذ سليمان لا يروي ذلك الحديث من قبيل الوشاية، وانما يروي ذلك استهجانا لهذا السلوك من رجل يدّعي الدين، ويدّعي الدعوة للدين..
أما بعد، فهل بقي للقاريء فرصة من حسن الظن بالشيخ عبد الرحمن؟
هل نحن أصحاب ضغينة ضد الشيخ عبد الرحمن؟ لا والله! إن عدو الشيخ الحقيقي نفسه التي بين جنبيه، التي سوّلت له الكذب، وأباحت له سوء الفعال.. ومع ذلك، فإن الفرصة مواتية للشيخ عبد الرحمن عبد السلام أن ينقذ نفسه من هذه الهلكة، ويخرجها من هذه الورطة، بأن يتوب عن فعلته، وينوب إلى ربه.. فإنه إلاّ يفعل ذلك يقف عند حافة الهاوية التي قد تؤدي به الى غضب الرب.. ونسوق الى الشيخ ما يعظه في نفسه، فقد ورد في الأثر النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلّم سئل: ((أويسرق المؤمن؟ قال: قد يسرق المؤمن! قالوا: أويزني المؤمن؟ قال: قد يزني المؤمن! قالوا: أويكذب المؤمن؟ قال: لا!!))
فأنظر أيها الشيخ أين مكانك من الإيمان، بل أين مكانك من الدين؟! فإن أول عمل تعمله هو أن تنفض يدك من الدعوة الى الدين ومن وعظ الناس ومن نصيحتهم فإن أولى الناس بالدعوة وبالنصيحة وبالوعظ لهو أنت.. فإن فاقد الشيء لا يعطيه..
أما شعب ود مدني.. ومن ورائه الشعب السوداني عامة، فليعلم أن مهمة هذا الكتاب تسير في إتجاه عملنا الدؤوب الذي وظفنا أنفسنا فيه وهو كشف وفضح رجال الدين حتى يكون التمييز واضحا بين الدين، ورجال الدين، وحتى يكون ميسورا ازاحتهم وإزالتهم من أمام مسيرة الشعب حتى يرد الشعب المعين الصافي وينهل منهل الدين... ولنا أن نتعظ ونعتبر بحديث المعصوم وهو يعظ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((دينك، دينك، يابن عمر.. ولا يغرّنك ما كان مني لأبويك، فخذ ممّن استقاموا ولا تأخذ ممّن قالوا!!))..
دعوة للمثقفين بمدينة ود مدني
هذه الدعوة نوجهها للمثقفين بمدينة ود مدني، على وجه الخصوص، وإن كانت في نفس الوقت دعوة إلى كل المثقفين بكل مدن السودان وقراه.
لقد قرأتم في هذا الكتاب وتابعتم ما كان من أمر هذه القضية حيث بدأت في الشارع وانتهت في المحكمة، ورأيتم كيف تصرف من يحسبونه من "العلماء" بتلك الهجمية المؤسفة، وكما رأيتم كيف آزره أشباهه من أئمة المساجد ومن وعاظ المدينة، مستغلين بذلك حرمة المساجد التي دنّسوها والتي يحتمون خلفها دجلا وكذبا ورياء.. ثم رأيتم في نفس الوقت كيف تصرّف الأخوان الجمهوريون في الترّفع عن الصغائر والبعد بأنفسهم عن الإسفاف والسباب ورد المهاترات.. ولا بدّ أنكم قد كوّنتم رأيا وأكتسبتم تجربة من خلال رحلتكم عبر صفحات هذا الكتاب.
أما نحن فنريد أن نعتب عليكم وأن نقول لكم أنكم دون مستوى قامتكم بكثير، لا سيّما في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتكم، وهي مرحلة تحتاج فكركم كما تحتاج مضاءكم، وليس في السلبية التي تعيشونها موضع لكريم فانفضوا عن أنفسكم هذه السلبية وبادروا أنتم الى موقع الصدارة، ولا تنخدعوا بهذه المظاهر الكاذبة، ثم أقبلوا على الإطلاع، ونرشح لكم كتب الفكرة الجمهورية لتتحصنوا بها من تلك الجهالات، ففيها كل الغناء وكل الوفاء لتطلعاتكم وآمالكم، ثم واجهوا جهالات الجهال بالحسم الفكري ولا تسمحوا للفوضى ولا للعنف أن يجد سبيلا داخل هذه المدينة المباركة منذ اليوم،
وفقكم الله وأعانكم وتقبّل منكم..
الأخوان الجمهوريون
أم درمان ص ب 1151 ت 56912