الاشتراكية في أصول القرآن وليست في الشريعة الموروثة
الحقوق الأساسية هي حق الحياة، وحق الحرية.. ففي حين أن حق الحرية يتمثل في الديمقراطية، فإن حق الحياة يتمثل في الاشتراكية.. والديمقراطية والاشتراكية صنوان لا ينفصلان، اذ لا يقوم المجتمع الصالح الا عليهما، معا، وفي نفس الوقت، والاشتراكية، تعني، فيما تعني، أن يكون الناس شركاء في خيرات الأرض على قاعدة الحقوق لكل الناس، وليس على قاعدة الحق للبعض والصدقة للبعض الآخر.. والتعريف العلمي للاشتراكية انها النظام الاقتصادي الذي تكون فيه وسائل الانتاج، ومصادره، مملوكة للأمة، محرمة الملكية على الفرد الواحد، أو الأفراد القلائل في صورة شراكة.. ذلك لتحقيق كفاية الانتاج، وعدالة توزيع عوائده.. بينما التعريف العلمي للرأسمالية أنها النظام الاقتصادي الذي يملك وسائل الانتاج، ومصادره، للفرد الواحد، أو للجماعة القليلة في صورة شراكة..
والتشريع الاقتصادي في الشريعة الموروثة ليس اشتراكيا، وانما هو رأسمالية ملطفة، اريد بها الي تنظيم حياة الناس الاقتصادية على أساس أن يكون للفقراء حق الصدقة في مال الأغنياء بدلا عن الرأسمالية البشعة التي ليس فيها للفقراء حق في مال الأغنياء: ((والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)).. والتشريع الاقتصادي في الشريعة الموروثة يقوم على الزكاة ذات المقادير المعروفة، وهي تشريع مرحلي، اقتضته الضرورة حينما لم يكن العهد، يومئذ عهد الاشتراكية الذي بلغته البشرية اليوم، بعد قيام الثورة الصناعية في أوروبا، وبعد زيادة الانتاج باستخدام الآلة، وبعد نشوء ونمو الرأسمالية، مما اقتضي الاشتراكية.. فالاشتراكية، بذلك بنت الآلة.. والشريعة الإسلامية الموروثة انما تبيح ملكية وسائل الانتاج للأفراد.. فللفرد أن يملك ما شاء من الثروة على أن يخرج منها نصيبا معلوما بعد مرور الحول عليها، وبلوغها النصاب.. وآية الزكاة: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم..)) وهي آية من آيات فروع القرآن، وقد نسخت آية الاشتراكية التي هي: ((ويسألونك ماذا ينفقون؟؟ قل العفو!!)) والعفو هو إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة.. وكانت آية إنفاق العفو فرضا، ثم نسخت بآية الزكاة ذات المقادير، وفي ذلك يقول القرطبي في تفسيره ((قال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية – آية إنفاق العفو- إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر الي ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه، وتصدق بسائره.. وان كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية..)).. وجاء في تفسير النسفي: ((وكان التصدق بالفضل في أول الإسلام فرضا فاذا كان الرجل صاحب زرع أمسك قوت سنة وتصدق بالفضل فنسخت بآية الزكاة))..
وجاء في تفسير الرازي ((القائلون بوجوب العفو: ان هذا كان قبل نزول آية الصدقات، فالناس كانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ما يكفيهم في عامهم ثم ينفقوا الباقي، ثم صار هذا منسوخا بآية الزكاة.. فعلى هذا التقدير تكون الآية منسوخة))..
وجاء في تفسير ابن كثير ((العفو: الفضل: قيل إنها منسوخة بآية الزكاة))
وهكذا فإن آية الاشتراكية – آية إنفاق العفو – منسوخة بآية الزكاة ذات المقادير، وعلى الأخيرة قامت الشريعة الموروثة، فليس في هذه الشريعة اشتراكية.. ولم يقع النسخ لآية الاشتراكية في حق النبي الكريم الذي كانت سنته تقوم على أصول القرآن، فقد كانت زكاته، وعلى طول المدي، هي إنفاق العفو، وقد فسر هو العفو بما زاد عن لحظته الحاضرة.. ومن سنة النبي أيضا عدم جواز مال الزكاة له، ولا لآل بيته، كما قال: ((الصدقة اوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد، ولا لآل محمد..))، وهذا أبلغ دلالة على مرحلية تشريع الصدقات الذي اقتضته الضرورة حينما لم تكن هناك فرصة لتشريع أفضل منه.. واليوم، فإن العهد هو عهد الاشتراكية، وعهد بعث السنة النبوية في الإنفاق.. وفي ظل تشريع الاشتراكية القائم على السنة سيكون لكل انسان حق في خيرات الأرض، لا صدقة، فيعف الناس عن أكل مال الصدقات تأسيا بالنبي في سنته.. وللسير بالمجتمع نحو تحقيق سنة النبي في إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة لا بد من التشريع الاشتراكي الذي يحرم ملكية وسائل الانتاج على الأفراد.. ووضع حد أعلي، وحد أدني لدخولهم، لا يتفاوتان تفاوتا بينا يؤدي الي خلق الطبقية في المجتمع.
والإسلام، وحده، هو الذي يستطيع الجمع والتوفيق بين الاشتراكية، وهي الحرية الاقتصادية، والديمقراطية، وهي الحرية السياسية، في جهاز حكومي واحد، حينما عجزت عن ذلك سائر الفلسفات، والأنظمة المعاصرة، مما نراه من حرية سياسية فارغة من محتوى الاشتراكية في الغرب الرأسمالي، ومن اشتراكية فارغة من محتوى الحرية السياسية في الشرق الشيوعي، وذلك لما اشتمل عليه الإسلام من منهاج تربوي، وهو طريق محمد، في العبادة وفي المعاملة، قادر على خلق الفرد الديمقراطي الاشتراكي، الذي يكون الرقيب عليه ضميره، والحافز له توصيل الخير للناس ابتغاء مرضاة الله تعالى..