كيف يطبق الإسلام ويبعث
فكما قلنا، وقررنا، فانه لا بد لنا من بعث الإسلام، والاحتكام اليه، في كل شئون حياتنا.. ولكن بعث الإسلام لا يتم ببعث الشريعة، كما يتوهم كل السلفيين، وانما يتم ببعث السنة المطهرة، وذلك لسبب واضح، وبسيط، وهو أن الشريعة ليست هي الدين، وانما هي طرف الدين الذي لامس أرض الناس في القرن السابع، فراعى طاقاتهم، وحاجتهم.. وطاقات الناس، وحاجاتهم، قد تجددت، وتطورت، ونمت، حتى بلغت بنا المجتمع الكوكبي الحاضر، ذا الطاقات الفردية، والجماعية، التي لم يسبق لها مثيل اطلاقا.. وليس لهذه الطاقات من نظام، أو دين، ينسقها، ويوجهها، ويحفزها، الا الإسلام وحده، وذلك لأنه ليس للإسلام شريعة واحدة طبقها على مجتمع القرن السابع وفق طاقته، وحاجته، ويطبقها على كل المجتمعات، مهما تطورت طاقاتها، وحاجاتها، ونمت، وانما له شريعتان: شريعة أوفت بحاجة مجتمع القرن السابع، وكانت بها البداية في القاعدة، وشريعة في القمة هي سنة النبي الكريم، التي كان وحده يطيقها، ويلتزمها، في نهجها العالي، فكان نموذجا للإنسان الكامل.. ولن ينتقل مجتمعنا الحاضر الي المجتمع الكامل المرتقب الا بالدخول في سنة الانسان الكامل والترقي فيها.. ومن ثم فإن بعث الإسلام يعني بعث السنة، ولذلك قال النبي الكريم: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)) قال يحيون سنتي، ولم يقل يحيون الشريعة.. والسنة تجاوز للشريعة لما هو أوسع منها، وأوكد، وأدخل في الدين.. بل هي بديل عن الشريعة.. فهي تقوم على المسئولية، والحرية، في حين قامت الشريعة على الوصاية، ومراعاة قصور الناس، لتدريجهم..
تجاوز الشريعة الي السنة
ولن يتم بعث الإسلام في حياتنا الحاضرة، ويحقق مطالبها، الا إذا تجاوزنا الشريعة الي السنة.. وهذا يعني أن نرتفع بشريعتنا الجماعية الي السنة، فندخل فيها الي المدى الذي تسعه طاقتنا، وتطلبه حاجتنا.. وكمثل لذلك فإن الشريعة، كنظام اقتصادي، مرحلي، قد أعطت الفرد حق ملكية وسائل الانتاج، على أن يخرج من انتاجه النسب المئوية الموضحة في زكاة المقادير.. ولذلك فإن الشريعة – وهي للحياة العادية – لا تعطي أي جهة حق نزع هذه الملكية.. والآن لو لم يكن الوقت وقت استشراف السنة، ولو كان الوقت للشريعة، ولو كانت هي الحاكمة، لكانت كل إجراءات ((مايو)) الاقتصادية، في الاتجاه للاشتراكية اتجاهات باطلة، وخاطئة.. وحين قامت الشريعة على ذلك المستوى، وهو قد كان أرفع ما يكون، وأحكم ما يكون، لمجتمعه، فإن سنة النبي الكريم قد قامت على الاّ يملك أكثر من حاجة لحظته الحاضرة.. فهو ينفق عنه كل ما زاد عن حاجة لحظته، ولا يدخر للغد، فضلا عن أن يدخر للحول..
والآن، ونحن في مجتمع القرن العشرين الذي وصل الي الاشتراكية بأعرافه الجاهلية (والاشتراكية تعني أن يكون لكل مواطن حق في دخل يعفه) لا يصح دينا، ولا عقلا، أن ندعو مثل هذا المجتمع لحل مشاكله الاقتصادية بزكاة المقادير، حيث يكون للغني الحق في ملكية حتى وسائل الانتاج، وللفقير صدقة.. فالدين يطالبنا الآن بأن نتجاوز هذا المستوى، الذي قد كان أحسن ما يكون لوقته، الي السنة التي هي تشريع الإسلام الاساسي، في مقابل الشريعة المرحلية.. وقاعدة السنة تطالبنا بتحريم ملكية وسائل الانتاج على الفرد الواحد، أو الأفراد القلائل.. وهذا التجاوز لا يقدح في الشريعة، لأنها بحكم مراعاتها للطاقة وللحاجة، قد كانت مرحلية، وقد خدمت مرحلتها، خدمتها أتم خدمة.. وانما القدح، والعيب، سيكون فينا نحن، ان حاولنا نقلها لغير مجتمعها.. فإننا أن نفعل فلن نظفر الا بالتناقض المزري، والاّ بتزييف الإسلام..