إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هل هذا هو الإسلام؟
هل هذه هي مصر؟

الأهرام ورقابة الأزهر


ان الأهرام أكبر مؤسسة صحفية، والأمر المشهور أن الصحف تقوم وتزدهر في ظل حرية الكلمة، وتكرّه الرقابة، والحجر على الأفكار، وتقاومه، ولكن الأهرام على عمرها، وعلى سمعتها، رضيت لنفسها أن تكون تحت وصاية الأزهر، متخلية عن حريتها، وعن مسئوليتها، وعن عرفها الصحفي، وقد تكّشف لنا ذلك من خلال قصتنا معها.
فقد نشرت عنا حديثا، للسيد محمد عبد الله السمّان بعنوان "الأخوان الجمهوريون يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية" وقد نقل السمّان فقرات من كتبنا، ثمّ انتهى الى اتهامات لا تؤدى اليها تلك الفقرات، واستنفر الأزهر لحربنا، وتكفيرنا، والسيد السمّان لم يناقشنا ولم يدع الأزهريين لمناقشتنا ولكنه دعاهم لإرهابنا، فهو اذن لا يرى بأسا من محاربة الأفكار في القرن العشرين بإصدار الفتاوى! والأهرام الجريدة العلمانية، التي قامت سمعتها على أنها مؤسسة صحفية، وكل صحيفة يفترض فيها أن تؤمن بحرية الرأى، وحق التعبير.. ولكن الأهرام لم تر بأسا في نشر هذا الاستنفار! وحين اتصل وفدنا بمحرر الصفحة الدينية، يحمل اليه ردنا على السيد السمّان، قال المحرر أنه سيحاول أن يعطينا فرصتنا في الرد، رغم رأى "المفتي" و"الرابطة الإسلامية" فينا، على اختلافه مع الرابطة. فقال له وفدنا ما كنا نظن أن من هم في مثل هذه المواقع الدقيقة، يقوّمون الأفكار بغير محتواها، ويحكمون عليها بالأسماء الكبيرة "المفتي"، "الرابطة". قال أن المفتي والرابطة قد بنوا أفكارهم على دراسة، فطلب منه الجمهوريون أن يعطيهم الفرصة في مجلسه، أو في صفحته ليبرهنوا له أن المفتي والرابطة قد افتوا قبل الدراسة، والتمحيص، فقال هذه مواضيع تهمهم هم والذي يهمه عنّا هو ما نشر بصفحته، وطالبه الجمهوريون بحقهم في التصحيح، وفي الرد، فعزّز الهجوم الأول بمقال ثان – يقول كاتبه أنه قرأ للجمهوريين 25 كتابا، ولكنه عندما أراد أن يكذب عليهم، لم يجد ما ينقله عن هذه الكتب، فزعم أنه "سمعهم" يقولون برفع الصلاة عن الذي ينتهي عن الفحشاء والمنكر. ولم تجد صحيفة الأهرام وازعا يمنعها من نشر هذا المقال، كحقائق تقدمها للشعب باسم الدين، وباسم الغيرة على الدين، وواصل الجمهوريون مسعاهم لحقهم في الرد والتصحيح، فأحيلوا لمحرر آخر أخبرهم بأن الأزهر له رأى فيهم، وقال إن "الأزهر عندنا هو الإسلام". فقال له الجمهوريون هذا الموقف لا نقبله منك حتى لو جئنا لنشر آرائنا ابتداءً، لأننا نظن أن من هو في مثل هذا الموقع يؤمن بحق التعبير، وبحرية الكلمة. أما أن تهاجمنا صحيفتكم ثم تمنعنا من تصحيح ما نسبته الينا زوراً، بحجة أن للأزهر رأياً فينا، فهذا أمر لا نقبله ولا نفهمه..
وانتهى به الأمر الى منعنا من حقنا في الرد، وفي التصحيح خوفا من المشايخ!! وقال هذا هو رأى أسرة التحرير كلها.. ولم نكتف بذلك، فاتصلنا بالمسئولين في القمة، فوجدنا نفس النتيجة.. فقال كبيرهم، إن الأزهر غير راضٍ عن صحيفته ظاناَ أن هذا يعفيه من مسئوليته الثقافية، والقانونية، وهكذا تنكروا لمسئولية الثقافة، وواجب التوعية، بل لعرف صحيفتهم القديم، ومنعونا من حقنا في الرد وفي التصحيح، خوفا من ارهاب المشايخ، وتكّشف لنا بذلك أمر خطير، وغريب، ما كنا نتخيل أن يكون في مصر، وفي الربع الأخير من القرن العشرين، لقد اتضح لنا أن مصر تعيش أسوأ أنواع الإرهاب، الإرهاب الديني الذي يستغل اسم، وقداسة الإسلام، لمصادرة الفكر، وحرية التعبير، ولتخويف المثقفين، ولإرهابهم، حتى يقعدوا عن واجبهم في التوعية، وفي إدارة الحوار الفكري، بين القديم، والجديد. وبذلك يظل الشعب متخلّفا في فهمه للدين، وتظل الدعوة الدينية المتخلّفة هي السائدة، بل هي التي يحتكر لها حق التعبير، وتحتكر لها القداسة، والصحة سلفا، لا لمحتواها، ولكن لأنها صدرت من ألقاب معينة "الامام الأكبر" "المفتي" الخ...
ولما كانت تلك هي صورة الإسلام في مصر، وهذه هي صورة مصر، في أدق مواطن التغيير، مواطن حرية الكلمة، ومسئولية الثقافة، فلا بد من دراسة هذا الأمر دراسة موضوعية، تخرج المثقفين من سلبيتهم، ومن جبنهم، حتى يستحقوا شرف كلمة الثقافة، التي لا يستحقها من يجبن عن قول كلمة الحق، وحتى يخلّص الدين من قبضة تلك القوى المتخلّفة التي شوهته ولم تقدمه لإنسانية القرن العشرين الا حدوداً، وعقوبات..