" أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم، وأن القرآن هو قانونه وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحداً هذا القول، لكون السودان جاهلاً، خاملاً، صغيراً، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء".أو إن شئت، فأقرأ السطر الأول، من منشوره الشهير 'هذا أو الطوفان' الذي يبدأ هكذا 'غايتان شريفتان وقفنا، نحن الجمهوريين، حياتنا، حرصاً عليهما، وصوناً لهما، وهما الإسلام والسودان'. وهو المنشور الذي حوكم بسببه. إن الأستاذ محمود لهو ابن السودان البار بحق وحقيقة. ملأ حبه للسودان عليه جوانحه، واستبد بأصغريه. فسعى جهده لإسعاد أهله، ثم حين دعا الداعي قدم روحه فداءً لإنسانه. أو ليس من الغريب، أن يقوم نفرٌ من قومه وبني جلدته بالتآمر عليه. يتربصون به الدوائر ويترصدون الفرص للتخلص منه جسدياً، لما رأوا فيه من مهدد مباشر لمشروعهم السياسي الخاسر؟ إنه مما يدعو للأسف أن يكون من بين أبناء شعبه الذي أحبه كثيراً، من يكيد له ويسعى بالسوء إليه، ويسترخص سفك دمه، ثم هو يفرح ويهلل لمصابه في منظر يهز ضمير كل إنسانٍ سوي على ظهر هذه البسيطة. فطوبى للأستاذ محمود في عليائه..
"عندما تنهار الدول يكثر المنجمون، والمُتسوِّلون، والمنافقون والمُدَّعون والكتبة والقوالون والمغنون النشاز، والشعراء النّظامون، والمُتصعلكون، وضاربو المنّدل، وقارعو الطبول والمتفقهون، وقارئو الكف والطالع والنازل، والمُتسيّسون والمدّاحون والهجاؤون وعابروا السبيل والانتهازيون. يسودُ الرعبُ ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب، وتعمُّ الإشاعة، ويتحوَّل الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق، ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق، وتظهر على السطح وجوهٌ مريبة وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام، ويموت الأمل، وتزداد غربة العاقل، وتضيع ملامح الوجوه، ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً، وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان، ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء".