إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
في الرد على مقال السيد الطيب مصطفي تحت عنوان (الجمهوريون بين الوهم والحقيقة)
د. بتول مختار
نلاحظ أنه كلما تسارع إيقاع الحياة وتجسد تخلف الدعوة السلفية وهبّ الناس في معارضتها، اشتد انزعاج الاخوان المسلمين والسلفيين واخذوا يهاجمون فكرة الاستاذ محمود لأنهم يعلمون حق العلم في دخيلة أنفسهم إنها البديل للفكر السلفي.
جاء هذا المقال مليء بالكذب والإساءات والخروج عن خُلق الدين التي أمر بها الحق عز وجل، استعان الطيب في هذا المقال بأقوال السلفيين ممن هم على شاكلته.. فلنأخذ نموذجا من الكذب، قال الطيب مصطفي عن الاستاذ محمود: (زعم أنه أعظم من محمد رسول الله مسميا نفسه بالمسيح المحمدي) انتهى. قال قولته هذه في حين ان من أهم مرتكزات دعوة الاستاذ محمود هي العودة الى طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كتب كتابه (محمود محمد طه يدعو الى طريق محمد)، ورد في هذا الكتاب في صفحته الاولى: (بتقليد محمد تتوحد الأُمة ويتجدد دينها). وفي صفحة 35 في هذا الكتاب قال الاستاذ محمود: (ان محمداً هو الوسيلة الى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم.. فمن كان يبتغي الي الله الوسيلة التي توسله وتوصله اليه، ولا تحجبه عنه او تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمداً، في اسلوب عبادته وفيما يطيق من اسلوب عادته تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك، انه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية..) معتمدا في هذا على قول الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، كما قال الاستاذ محمود في صفحة 39 من نفس الكتاب ما يلى: (ان محمداً قد اخرج الناس، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الاولى الى نور الايمان، وهو سيخرجهم، بفضل الله، من ظلام الجاهلية الثانية الى ضياء الاسلام، وسيكون يومنا افضل من أمسنا، وسيكون غدنا (ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))، كتاب "طريق محمد" الطبعة الثامنة.. وجاء في ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم: (النبي محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم) هذا موقف الاستاذ محمود من النبي محمد... فهل رأى الناس كاذبا اكثر من الطيب مصطفى؟! هذا في حين ان الدين يتبرأ من الكاذب قال النبي: (قد يسرق المؤمن وقد يزني ولكن لا يكذب المؤمن)، كما ان الدين يرفض فظ القول الذي يتفرد الطيب مصطفي بقدر كبير منه، فقد جاء في كتاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ...) كما جاء في كتاب الله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). وقال الأستاذ محمود: (الحديث في الدين سير في الوادي المقدس تخلع فيه النعلان وتواصل فيه التلبية) هذا رأى الاستاذ.. وليَقِس الطيب مصطفي نفسه من الدين، اليس الدين في وادي وهو في وادي!؟
اما في أمر دعوة الاستاذ محمود فهي باختصار شديد تقوم على أصل الدين بالعودة الى أُصول القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. نزل القرآن على النبي في مكة وفي المدينة، بدأ النزول في مكة لمدة 13 عاماً، نزلت فيها اصول القرآن الذي يدعو الى الحرية والمساواة والدعوة الى الله بالتي هي احسن، كقوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وهذه مكية واعتبرت منسوخة بآية السيف التي قام عليها - الجهاد - وهي مدنية، وهي قوله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، والاستاذ محمود يدعو الى تطوير التشريع الاسلامي، وتطوير التشريع يعنى الانتقال من نص مدني ناسب حياة الناس في القرن السابع خدم غرضه حتى استنفده الى نص مكي هو قدر حياة الناس اليوم وكان منسوخاً، وحاجة الناس اليوم أن يُرفع النسخ من آية الحرية لتُحكّم ويقوم عليها التشريع وهذا أصل الدين وهي تناسب روح العصر وحاجة انسان القرن الحادي والعشرين وذلك نسبة للتطور الذي وصله عقل الانسان اليوم وقد قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الانبياء أُمرنا ان نخاطب الناس على قدر عقولهم) وعقل الانسان اليوم لا يقاس بعقله في القرن السابع الميلادي.. وتطوير التشريع ايضاً يشمل المساواة بين الناس جميعا. وليتحقق ذلك يُطور التشريع من الآية الكريمة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) ليقوم على الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، وللمساواة بين جميع البشر يقوم التشريع على الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وكذلك يسرى الحال على وضع المرأة، بالانتقال من الوصاية وتعدد الزوجات، والرق الى المساواة، هذه باختصار دعوة الاستاذ محمود كلها مدعومة بالنصوص من كتاب الله وسنة النبي الكريم. إن معارضي فكر الاستاذ محمود امثال الطيب مصطفي لا يقرأون كتبه وانما يتكلمون من غِل أنفسهم وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)..
الشريعة الاسلامية التي قام عليها التشريع للأُمة بعد المجتمع الجاهلي هي طرف بسيط من الدين نزل الى ارض الناس ليفكروا في تشاريعهم قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، كما ورد اعلاه قول النبي الكريم: (نحن معاشر الانبياء أُمرنا ان نخاطب الناس على قدر عقولهم)، ذلك العصر لم يكن في مستوى الحريات ففرضت وصاية النبي على كل الامة وفرض الجهاد بالسيف على كل من لا يعتنق الاسلام وفرضت وصاية الرجال على النساء هذا باختصار ما كان من تشريع القرن السابع الميلادي على الأُمة السابقة، والان الاخوان المسلمون وكل السلفيين يريدون فرض ذلك التشريع على انسانية القرن الحادي والعشرين ويتوهمون بإقامة دولة الاسلام!! فمن الذي يعيش في الوهم، الجمهوريون الذين يدعون الى تطوير التشريع وحل مشاكل الانسان المعاصر على قدر طاقته وهي طاقات كبيرة.. ام الاخوان المسلمون امثال الطيب مصطفي الذين يعيشون في وهمٍ كبير يريدون به فرض الماضي على الحاضر؟ وإعادة المرأة الى الى المخابئ وسحبها من الحياة العامة الخ.. والوهم الاكبر والمستحيل الذي يدعون له هو نشر الاسلام بالإكراه - الجهاد بالسيف - يتوهمون بركوب الخيل والبغال ليحاربوا الكفار ويجهلون جهلا كبيرا التطور الذي حدث في آلة الحرب بعد الحرب العالمية الثانية، والتطور التكنولوجي الكبير الذي حدث في السلاح النوويي مثل القنبلة الذرية، والهيدروجينية، والكهرومغناطيسية، والتطور في الطائرات الحربية، وصواريخ مختلفة الانواع كتلك التي يتم توجيهها بالأقمار الصناعية وهذه يمكن ان تدمر بلداً بأكمله قبل ان يرفع البدويُ سيفه، كيف تتحدثون عن إعادة زمان ولَّى وتتعامون عن التطور الذي حدث، ورب العرش يدعم هذا التطور حيث يقول: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
وكل اعمالكم في الجهاد وقيام الدولة الاسلامية قد ثبت فشلها في ممارسات المجموعات الجهادية مثل: الدولة الاسلامية، وجبهة النصرة، وطالبان وداعش، وبكو حرام وكلهم يثيرون الرعب في العالم ويشوهون الاسلام.. ثم نتيجة تلك الممارسات يموت فيها شباب شحنتموهم ووجهتموهم الوجهة الخطأ في حين أنتم تستمتعون بالحياة على طريقتكم تتزوجون من النساء مثنى، وثلاث، ورباع، وتمضون امسياتكم في سهرات الزواج البذخية الراقصة وتقولوا للشعوب: (أخير النساء أحسنهن وجوهاً واقلهن مهوراً)!!
يقول الطيب مصطفي عن الجمهوريين أنهم - أصحاب الكهف - وهذا اسقاط، فالأخوان المسلمين هم أصحاب الكهف، واصحاب الكهف أفضل منهم لان اصحاب الكهف حين استيقظوا ووجدوا ان الواقع قد تغير رجعوا ادراجهم، أما امثال الطيب مصطفي فظلوا يعيشون في الواقع الجديد بعقول القرون الوسطى ويتناقضون مع الواقع، ومعروف ان كل من لا يتواءم مع البيئة ينقرض.
كثير من المسلمين في العالم حين شعروا بهذا التناقض تخلو عن دعوتهم للشريعة. وها هو راشد الغنوشي تخلى عن كل احكام الشريعة ليواكب العصر كما قال من غير أى نص من كتاب الله، هذا وأنتم صامتون لا تنطقون بكلمة ضده، ولكن تنشطون في الكذب ضد الفكرة الجمهورية وتشويهها: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).. ثم تونس الغت كل القوانين الشرعية ورفضت قوامة الرجال على النساء، وتعدد الزوجات وعدم المساواة في الميراث وسعت لتكريم المرأة وأنتم على النقيض تلهبون ظهور النساء بالسياط خلافا لقول النبي الكريم الذي قال عن تكريم النساء: (ما اكرمهن الا كريم وما أهانهن الا لئيم).. تتحدثون عن الشريعة ولم نسمع لكم صوتا في الدفاع عن شرع الله..
وليس ببعيد عن الاذهان ما يجرى الان في السعودية، قِبلتكم وولية نعمتكم. فقد قام محمد بن سلمان ولي العهد بإخراج السعودية من عهود الظلام والقرون الوسطى، خرج يعرض بلاده للعالم الحديث، اخرجها للشمس والضوء بعد عهود قضتها في الظلام، فقام بإلغاء كل القوانين الشرعية التي عُرفت بها السعودية في العالم الاسلامي فأصدر قرارا برفع ولاية الرجال على النساء، وهذه جاء بها نص واضح في الشريعة.. كما اصدر قرارات عدة منها قيادة النساء للسيارات وحضور مباريات كرة القدم والمشاركة في كل نشاطات الحياة مثل حضور الحفلات الغنائية - وجاء الفنانون العالميون الي السعودية واستقبلتهم الجماهير بالألاف - كما تم حفل لعرض الازياء، وكل ما هو مخالف للشريعة، كما عيّن وزيرة في حكومته وادخل النساء في المناصب الهامة في الدولة، وبدأ له رأى واضح في الحجاب، ورصد 64 مليار ريال للرفاهية منها الملاهي والسياحة، كما وعد بأنه سيلغى كل المقررات المدرسية التي وضعها الاخوان المسلمون في بلده وندد بها، ووعد بحرق كل المتشددين من رجال الدين وقال لقناة (سى بى اس) انه سيعطي النساء كل حقوقهن. وصمت رجال الدين - علماء السلطان - ومن عارض ادخله السجن ومنهم من ايده خوف البطش!! كما صمتم أنتم، وقال لنفس القناة سوف يسن قوانين رادعة لكل من يعارض قراراته.. وكل هذا ولم نسمع لكم صوتا يدين الامير الشاب او يكفره يا للعجب!
واذا جرى الامر على هذا النحو فيتوجب على المملكة العربية السعودية ان تعتذر للسودان لتدخلها في شؤونه وفرض وصايتها الدينية عليه وتعتذر لأسرتنا نحن خاصة وللجمهوريين عامة عن الفتوى التي ارسلها مركز الافتاء بمكة عام 1972 موقعه بإسم احمد صالح القزاز، توصى بإهدار دم الاستاذ محمود محمد طه وحرق كتبه وملاحقة تلاميذه، تلك الفتوى التي ساهمت في اغتياله بمعاونة اتباعه من علماء السلطان في السودان، وتعتذر السعودية ايضا عن ايعازها لحكومة السودان باعتقال الاستاذ محمود لمدة شهر قضاها وبعض تلاميذه في السجن دون محاكمة عام 1976 بعد اصداره كتابه (إسمهم الوهابية وليس اسمهم انصار السنة)..
واما أنتم الطيب مصطفي وقبيله من الاخوان المسلمين تكفي فيكم قولة الاستاذ محمود ((انكم تفوقون سوء الظن العريض))