إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
قراءة في المشروع الفكري لمحمود محمّد طه (١٩٠٩–١٩٨٥)[١]
د. باسم المكي
باسم المكي، باحث تونسي، وحاصل على درجة الدكتوراه، صدر له عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود كتاب بعنوان " المعجزة في المتخيل الإسلامي".. نشرت هذه الدراسة في مارس 2015م بموقع مؤمنون بلا حدود
لاشكّ في أنّ محمود محمّد طه (1909- 1985) يمثل علمًا بارزًا في تجديد الفكر الإسلامي ذلك أنّ الرجل صدع بآراء طريفة دفع حياته ثمنًا لها. غير أنّ فكر طه بقي مجهولاً نتيجة تضييق السلطتين السياسية والدينية عليه. ولهذا ارتأينا في هذا الفصل التعريف بسيرته الذاتية وتقديم عدد من كتبه المنشورة وتحليل بعض آرائه ونقدها.
نبذة عن حياة طه:
ولد محمود محمد طه في مدينة رفاعة وسط السودان سنة 1909 ويعود نسبه إلى قبيلة الركابية المنتسبة إلى الشيخ المتصوف حسن ود بليل. بدأ دراسته بتعليم القرآن واللغة العربية ثم التحق بالمدارس النظامية وانتقل سنة 1932 إلى كلية غردون، حيث درس الهندسة وتخرّج منها سنة 1936 مهندسًا، ليشتغل بمصلحة السكك الحديدية. أسس في أكتوبر 1945 مع ثلّة من رفاقه حزبًا سياسيًّا سمّي بالحزب الجمهوري وقد كان رئيسًا لهذا الحزب. وفي نوفمبر 1968 حوكم بتهمة الردة أمام المحكمة الشرعية غير أنّ الحكم لم ينفذ. عارض سياسة جعفر نميري وخاصة قوانين سبتمبر 1983 المسماة بقوانين الشريعة الإسلامية لذلك سرعان ما أعيدت محاكمته فاتّهم بالردّة، وأصدرت المحكمة في حقّه حكمًا بالإعدام تم تنفيذه في 18 يناير 1985. لطه عدّة كتابات غير أنّها لم تطبع إلا مؤخرًا فقد جمعت ابنته أسماء محمود محمد طه وتلميذه النور محمد حمد ثلاثة من كتبه، وتم نشرها في مؤلف جامع بعنوان "نحو مشروع مستقبلي للإسلام"، طبع في المركز الثقافي العربي ودار القرطاس سنة 2002. وقد تضمّن هذا الكتاب الرسالة الثانية من الإسلام صدرت طبعتها الأولى سنة 1967 ورسالة الصلاة وقد صدرت طبعتها الأولى سنة 1966 وتطوير شريعة الأحوال الشخصية (طبعة أولى سنة 1971).
نبذة عن بعض مؤلفاته:
سنكتفي في هذه اللمحة السريعة بتقديم كتابين لطه، وهما "رسالة الصلاة" و"تطوير شريعة الأحوال الشخصية"، وسنخصص باقي البحث لدراسة أفكاره الصادرة في كتابه الرئيس "الرسالة الثانية من الإسلام".
رسالة الصلاة:
اهتم محمود محمد طه في هذا الكتاب بالصلاة مفهومًا وممارسة وقد ميّز بين صلاة التقليد وصلاة الأصالة أي الصلاة الحق حسب وجهة نظره؛ فالصلاة عنده حركة من الغفلة إلى الحضرة ومن البعد إلى القرب ومن الجهل إلى المعرفة فهي قرب من الله. والصلاة منهاج "نستطيع به النظر إلى داخلنا حتى نلتقي بأنفسنا" (رسالة الصلاة ص 196) إنّ فهم الصلاة عند طه أقرب إلى فهم المتصوّف. فليست الصلاة تكرارًا لحركات معيّنة وإنّما هي مكاشفة ربّانية. فالصلاة عنده وسيلة إلى الرضا بصورة لا لبس فيها فإذا ما أحسن العبد التوسل بوسيلة الصلاة أعانته على الدخول في مقام الرضا بالله وهي بذلك طريق إلى مقام العبودية، وهو مقام النفس الراضية المرضية. والعبودية كالربوبية لا نهاية لها.
تطوير شريعة الأحوال الشخصية:
يندرج هذا الكتاب في إطار رؤية طه لتطوير الفكر الإسلامي، والتي يرى فيها ضرورة تطوير مكانة المرأة في جلّ المستويات. وينطلق طه من مسلمة فكرية عمادها فكرة التطور. فإذا كانت المرأة في القرن السابع قاصرة عن شأو الرجل، فإنّ هذا التصور ليس أبديًّا وإنّما هو مرحلة من مراحل التاريخ تنقضي بمرور الزمن. فالأصل في الأشياء هو الرشد. لذلك، فإنّ للقرن السابع أحكامه وهي أحكام مؤقتة وجب تغييرها بما يناسب تطور الحياة لتنسجم مع القرن العشرين. لذلك، دعا طه إلى ضرورة الإقرار بالمساواة بين الرجل والمرأة ونقد تعدد الزوجات، وأعاد النظر في قانون الزواج والطلاق. إنّ كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" هو محاولة لزحزحة الأحكام القديمة ونقدها قصد تأسيس علاقة جديدة وأحكام متطورة تنهض بمكانة المرأة في الإسلام.
"الرسالة الثانية من الإسلام":
نروم بعد هذا التقديم دراسة فكر طه وتتبع وجوه الطرافة، وسنتوسل كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" ذلك أنّنا نعتبره كتابًا عمدة ضمّن فيه طه رؤيته إلى الإسلام. وسنسعى في مستوى أول إلى تدبر المنطلقات الفكرية لطه قصد تبين آرائه. أما في المستوى الثاني، فإنّنا سنحاول تبين حدود موقفه.