إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
بسم الله الرحمن الرحيم
طالعتنا صحيفة –الراى العام – في عددها رقم 5950 الصادرة بتاريخ 12/5/2014 بمقالين للسيد كرار التهامي المدير العام (السابق) لجهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج ، كتبت على جزئيين يومى 12 و14 مايو 2014 تناول فيهما الأستاذ محمود محمد طه "الفكر الجمهوري" والجمهوريين . يقول في الفقرة الأولى من المقال الأول: (يطرح هذا الموضوع المعقد اشكالتين الأولى فكرية تقع على كاهل الأخوان الجمهوريين الأوائل الذين شهدوا اٍنبلاج الفكرة وهاموا مثل الكواكب السيارة في فضائها الصوفي الممتد بين أفاق الفلسفة والدين..)
ثم واصل في الفقرة الثانية: (لقد كتبت قبل عشرة أعوام في ذكرى الانهيار الكبير التنظيمي والفكري للحزب الجمهوري وذلك بعد موت مؤسسه ..) (إن الجمهوريين خرجوا من سجن الفكرة قبل أن يخرجوا من سجن السلطة شاهدوا مسيحهم المحمدي يقتل ويصلب ويرفع إلى مكان مجهول رغم الصيحة التي صدح بها المهندس بشير بكار).
في الطرف الأول من مقاله: (الجمهوريين الأوائل..الخ) العبارات هذه إذا أبعدت عنها - رائحة الشماتة – فإن الجمهوريين الأوائل حقيقة قد أحبوا الأستاذ فعلا وأحبوا روح الدين التي غمرهم بها وما زالوا على العهد .. لان الأستاذ لم يدع الجمهوريين ولا عامة الناس إلى نفسه وإنما دعاهم إلى الله وطريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كتابه:(محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد) وقد جاء في كتاب الله تعالى على لسان نبيه الكريم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) - الله محبة - وقال الأستاذ محمود عن طريق محمد الذي دعى الناس إليه، أنه (طريق المحبة الخصبة الخلاقة) وقال السادة الصوفية: (الما عندو محبة ما عندو الحبة) ثم قول السيد كرار التهامي: (وهامو مثل الكواكب السيارة) هى كلمات حق ولكن السيد كرار اراد بها باطل . فهاموا وما زالوا يهيمون لان الأستاذ محمود قد جسد لهم أخلاق النبوة "الشجاعة والكرم والتواضع والخلق الرفيع". قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ثم أهداهم تلك الشجاعة الأسطورية التي قابل بها الأستاذ محمود حبل المشنقة ويومها هزم الموت ، ثم تلك الابتسامة الصافية التي ما زالت تزلزل قلوب الطغاة وتجار الدين الإسلاميين والانتهازيين في جميع أنحاء المعمورة . فبربكم إن لم يحب مثل هذا الرجل الشامخ فمن يستحق الحب؟؟ّ!!
وتعلق الجمهوريين بالاستاذ علامة صحة فيهم لأنهم احبوا الكمالات الدينية التي جسدها لهم "موطىء الأكناف الذين يألفون ويؤلفون". و(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ..
انتقل السيد كرار التهامي ليقول انه كتب (...في ذكرى الانهيار الكبير التنظيمي والفكري للحزب الجمهوري وذلك بعد موت مؤسسه ..الخ).
أولا المرجعية الأساسية للفكر الجمهوري هى كتب الأستاذ محمود ومحاضراته وأقواله الثابتة والموثقة وليس أقوال الآخرين ولا تصوراتهم فهم مسؤلين عنها ..
من قال لكرارالتهامى ان الفكر الجمهوري قد انهار؟ ان الفكر الجمهوري دعوة صريحة للاسلام فى اصوله، كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا المستوى الفكر مستمر الى ان يرث الله الأرض ومن عليها ولعل هذا مايقض مضاجع أقوام . ثم تحدث عن الانهيار (الفكري والتنظيمي بعد موت مؤسسه).. كما ذكرت أعلاه الفكر الجمهوري ساري لان الأفكار لاتموت .. والتنظيمات مجرد أشكال وهى ليست ضرورية وقد لاتوجد ، فالشرط الاساسى هو الفكر فالاسلام بدا بمجهود فرد واحد هو النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، استطاع ان يغير وجه التاريخ، والاسلام انتشر بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى فى 12 ربيع اول عام 11 بعد الهجرة ، ثم جاءت الفتوحات الاسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بعده ..هل كرار التهامي لا يؤمن بالاسلام لانه لايرى الله أمامه؟ ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم مجسدا في الدم واللحم؟..
والى جانب الاسلام هناك أفكار مادية أخرى كثيرة انتشرت وامتدت في مساحات واسعة في الأرض حتى وصلت بلادنا بعد وفاة أصحابها مثل الماركسية وهناك أمثلة أخرى لايسعها المجال.
أما عبارته عن الفكرة الجمهورية (بعد موت مؤسسها) فهي كلمة لاتليق في هذا المجال وقد نهى عنها القراّن بنص الآية الكريمة: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) سورة البقرة الآية 154 .. ولا تشعرون هذه هي مشكلة السلفيين والماديين .وقد قال الله تعالى عنهم: (وجعلنا على قلوبهم اكنة أن يفقهوه وفى أذانهم وقرا) الأنعام الآية 25 .. ولكنا بفضل الله علينا نجتهد أن نشعر بهذا الوجود العامر ونستمد منه الطاقة والقوة فان الأستاذ محمود على النهج النبوي الكريم، وقد قوم عليه تلاميذه وملكهم فكراً ثاقباً، وأقلاما قوية ، وقد كتبوا بعده عشرات الكتب وآلاف المقالات ونشرت كتبه على الملايين في الشبكة العنكبوتية - موقع الفكرة في النت - فالفكر الجمهوري لم يمت وإنما مات حقا القتلة والجبناء الذين يرتعدون من مجرد فكرة الموت وقد لفهم النسيان في مجاهيله..
أما حديث كرار التهامي عن (مسيحهم المحمدي) فالأستاذ محمود لم يقل يوما انه المسيح المحمدي وكما أسلفت المرجعية لفكره هي كتبه، وكل ما أراد أن يقوله وضعه فيها، وقد سئل يوما عن موقعه في السير في الدين فرد بتواضعه المعهود: (ما زلت أجاهد في الراضية) . وقد كان طوال حياته ولأخر لحظة فرحا راضياً بالله حتى أمام المقصلة الى الابتسامة ..
أما موضوع المسيح المحمدي من الناحية - الموضوعية - فهو أصل أصول الدين فان الدين عائد من جديد، وسوف يظهر على جميع الأديان وقد جاء في كتاب الله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا ، فطوبى للغرباء !! قالوا: من الغرباء يارسول الله قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها) .. فالواضح والمؤكد أن الإسلام عائد من جديد ليظهر على الأديان كلها ، الآية الكريمة: (وعد الله لايخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون..). وقد بشر النبي صلى الله عليه بعودة المسيح و كل ما وضحه الأستاذ محمود هو أن المسيح سيعود ولكن هذه العودة ستتوج قمة الأديان "الإسلام" على النهج النبوي – محمدي – ونحن على هذا النهج ننتظر ظهور المسيح وعودة الدين من جديد كما وعد رب العرش .. ونصبر وننتظر نصر الله وقد أمر الله تعالى بذلك الصبر في الآية الكريمة: (ياايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
وقال الأستاذ محمود (بعد ما تصبروا اصبروا شوية) ونحن صابرون ومرابطون وهناك غيرنا من صبر ما يربو على 2000 عام ينتظرون، ولم تتكلموا عنهم فما يضيركم أن آمل الجمهوريون في الله خيرا؟؟ وعملوا وصبروا هل يريد منهم كرار التهامي ان يتجولوا مثله من أقصى اليسار "الاتحاد الاشتراكي" إلى أقصى اليمين مع الأخوان المسلمين في الإنقاذ (جهاز المغتربين) من اجل الكسب المادي الرخيص؟؟ . وان كنتم لاتنتظرون للإسلام فجراً جديداً بل تشمتون وتحرفون أقوال من يبشر بذلك لماذا تتحدثون عن الإسلام أتريدون أن تملأوا الناس يأسا؟؟
عدم الدقة هذا قد لازم السيد كرار التهامي حتى عندما ذكر الأستاذ بشير بكار رحمة الله عليه قال: (المهندس) والأستاذ بشير لم يكن مهندسا بل أستاذ فرنساوي ودبلوماسي ومترجم إلى الفرنسية فمن اللياقة الاجتماعية أن تدقق في ذكر أسماء الناس وما يتعلق بهم إن كنت تصر أن تتطرق لهم ..
وليساّْل متسائل لماذا يكتب كرار التهامي الآن عن الفكر الجمهوري؟؟ وهناك ما يشغل الشعب السوداني وتعج به وسائل الإعلام ومجتمعات السودانيين حتى في مجالسهم الخاصة مثل الفساد، الفساد الذي يزكم الأنوف واكل أموال الشعب المقهور بالباطل .
وأنا أورد هنا على سبيل المثال وليس الحصر بعض صور الفساد .. والتي منها الاعتداء على ارضى المواطنين- أراضى الفتيحاب ، جريدة الجريدة 20/5/2014 ، أراضى الجريف ،جريدة الجريدة 2014/4/19- ضبط مزرعة تحصن الدواجن بهرمونات تسبب السرطان ، جريدة السوداني 24/2/2013 ثم الفساد في شركة مواصلات العاصمة المصدر جريدة الخرطوم الصادرة بتاريخ 28/3/2014 الفساد في وزارة الأوقاف "مؤسسة دينية!" - الفساد في شركة الأقطان جريدة الصحافة 30/4/2014 العدد 1072 ، الأقطان أيضا في جريدة أخر لحظة الصادرة بتاريخ 17/9/2013 ، وفى هذه الشركة ، الفساد الذي ورد في هذه الصحيفة وغيرها يفوق الخيال . . استرداد 50 مليون في بلاغات المال العام جريدة اخر لحظة بتاريخ 23/9/2013،..
ثم تأتى قاصمة الظهر: الفساد في مكتب والى الخرطوم جريدة الجريدة الصادرة بتاريخ 27/4/2014 شمل هذا الفساد اختلاس اموال8/17 مليون ج وتحويل 9 قطع أراضى و5 عربات حكومية (راجع الصحيفة أعلاه) وفى هذه القضية لجاْوا إلى فقه اسمه التحلل!! أين كان هذا (التحلل) حين قطعتم ايادى الجياع والفقراء؟؟ وقد قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: (.. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وهناك عشرات من تقارير وبلاغات الفساد التي وردت في الصحف والقنوات الفضائية لايسعها هنا المجال ..
ويكفى أن قمة الجهاز التشريعي السيد احمد إبراهيم الطاهر كان لا يولى تقارير المراجع العام عن الفساد اهتماما، وبعد أن غادر البرلمان قال بالنص: (خلاص أتفرغنا للمحاماة ، وبعد ده اى زول عنده قضية فساد يجيبها لينا ، ح نتفها طوالى) المصدر جريدة السودانى 2014/4/19 . أليست هذه مادة هامة و كافية ليكتب فيها السيد كرار التهامي؟ أليست صاحبة أولوية الآن؟؟ ..
ولكن الكتابة في هذه الفترة بالذات عن الفكر الجمهوري الغرض منها إثارة الغبار و صرف النظر عن مخازي وفساد النظام ليشتغل الناس بالفكر الجمهوري - تحوير المواضيع - عمل الأخوان المسلمين.
وهناك موضوع آخر اشد أهمية من المذكور أعلاه فالسيد كرار التهامي كان يشغل منصب مدير عام جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج وقد أعفى من هذا المنصب ، قبل أيام قليلة وهو يكتب الآن عن الجمهوريين توددا وتملقا لحكومة الأخوان المسلمين علهم يترحمون عليه بمنحه منصبا أعلى أو ، اضعف الإيمان أن يعيدوه إلى المنصب السابق- أمين أمانة شئون المغتربين-!!
وهذا ما عهدناه دائما من ضعاف النفوس يستعملون الفكر الجمهوري مهرب ومطمع ..
ورد أنه في دورة من دورات المجلس الوطني ، في إحدى الجلسات احتد الخلاف بين الأعضاء وتشعب ، وعندما عجز رئيس المجلس عن (فك الاشتباك) قال لهم: (دعونا من هذا ولنناقش رأى محمود محمد طه في الصلاة)؟؟!!
وفى منتصف الثمانينات كان بعض من يطلب خدمة من السلطات يبدأها بعدائه للفكر الجمهوري، وقد اطلعت على عدد من طلبات الاراضى يبدأها أصحابها بقولهم:: (أنا المواطن .... أنا ضد المرتد محمود محمد طه وضد فكره أتقدم بطلبي هذا وأرجو التصديق لي بقطعة ارض ..) !! هكذا .
فيا هؤلاء و هؤلاء اتقوا الله، وتوكلوا عليه ، يرزقكم من فضله قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) يجعل لكم مخرجا من غير أن تمرغوا كرامتكم من اجل الوظائف ..أما إذا أردتم نقاش الفكر الجمهوري فناقشوه بقلوب سليمة وفكر صافى . أما نحن (فنشعر) وقع حوافر (الطوفان) قادمة.. وسوف تشرق الأرض بنور ربها.
هذا وعلى الله قصد السبيل.
د. بتول مختار محمد طه