إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الدجل والشعوذة في كتابات سعد أحمد سعد !! تعقيب (٣)
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
في إطار برنامج الأستاذ محمود لمحاربة الدجل والشعوذة، وفضح دعاوى الأرواح السسفلية، هذه معركة ثانية مفصلة وقد سجلها بقلمه في الكتاب الثاني من سلسلة "أسئلة وأجوبة" تحت العنوان: تحضــير الأروح أهو فلسفة ؟؟ أم مذهب ديني ؟؟ أم شعوذة و دجل ؟؟ فإلى الكتاب:
و بمناسبة نشر الإجابة على سؤال الروح ، ذلك السؤال الذي أثاره الأستاذ موسى أبوزيد ، يجئ دور سؤال آخر عن تحضير الأرواح .. أثاره الأستاذ حامد محمد حامد مراسل صحيفة الأيام بمدني .. و هو سؤال لم يكن موجهاً إلي بالذات ، كما كان الشأن في سؤال موسى ، و لكنه لما كان سؤالاً يهمني من عدة وجوه ، فقد إعتبرته سؤالاً خاصاً ، ومباشراً لي .. هذا السؤال ورد في ختام تحقيق نشرته صحيفة (الأيام) .. و الصورة التي ورد بها السؤال كانت هكذا: (إننا نعتقد أن مثل هذه الحركة ـ تحضير الأرواح ـ تحتاج إلى باحثين ، متقـدمين أن يسلطوا الأضواء عليها ، و يوضحوا أبعادها ، و أضرارها .. إن ما سطرناه في(الأيام) هو محاولة متواضعة ، سطحية ، أخذت الطابع التعميمي ، و نرجو أن تكون البحوث القادمة من باحثينا المقتدرين ، فيها سعة الفكر ، و الجلاء بما أغمضه التاريخ)
و لقد كنت أنوي الإستجابة لهذا النفير بإصدار كتيب صغير يبحث الموضوع بحثاً أوفى مما يجده القارئ في ردي هذا .. و لكني لم أجد الفراغ .. و آثرت من ثم ، أن يكون الرد في مضمار (أسئلة و أجوبة) الكتاب الثاني .. و لعلي أعود لبسط القول في هذا الموضوع ..
و أرى من الخير أن أعيد نشر كلمة الأستاذ المراسل لعلها تحدث للقراء ذكراً ، أو لعلها تعطيهم خلفية عليها تقوم إجابتي هذه الموجزة .. فإلى تحقيق المراسل !!
نشرت جريدة الأيام في عددها 6275 ، بتاريخ الأربعاء 14/7/1971م الموافق 21 جمادي الأولى 1391 ، و تحت عنوان (تحضير الأرواح بمدني أيضاً) و عناوين أخرى بالخطوط البارزة تقول: "قرأءة الأفكار ، و الغيبيات ، في الماضي ، و الحاضر ، بالسلة و القلم ـ ماذا تعرف عن تاريخ نشأة هذه الحركة ؟؟ ـ أهي فلسفة؟ أم مذهب ديني؟ أم شعوذة ، و دجل؟" تحقيقاً لمراسلها الأستاذ حامد محمد حامد .. قال المراسل:
"بدأت في مدني ظاهرة جديدة ، أطلت برأسها سرياً ، و ظلت في الأشهر القليلة الماضية تظهر أحياناً ، و تختبئ لتعود للظهور من جديد .. تلك هي ظاهرة تحضـير الأرواح .. قراءة الأفكار ، و الغيبيات !! تروج لهذه الحركة جماعة من العاصمة جعلت لها فروعاً في بعض أقاليم السودان ، و تباشر نشاطها في سرية تامة .. و لا يحضر الجلسات سوى الأعضاء المنتسبين للحركة ، بعد فحص دقيق يجرى لهم لمعرفة ولائهم .. هؤلاء الجماعة يجمعون إشتراكات شهرية من الأعضاء بحجة أنهم يعالجون المرضى بوصفات بلدية ..
من مدني تعرض (الأيام) هذه الظاهرة ، و تقدم شيئاً سريعاً ، موجزاً ، عن تاريخها ، إستناداً على بعض المراجع العلمية .. و لعل الكثيرين من القراء قد تتبعوا سير التحقيقات المذهلة التي تجري في ج. ع. م. حول المؤامرة الأخيرة ، و ما إتصل بموضوع تحضير الأرواح ، على نحو ما أوردته كبريات الصحف القاهرية ..
هذه الظاهرة التي أطلت سراً في مدني ، الخوف كل الخوف ، أن تجد لها رواجاً ، وإنتشاراً ، في أوساط السذج ، والبسطاء ، الذين يؤمنون بكل شئ خرافي .. إن العالم اليوم يبحث ، و ينقب في علوم الفضاء ، و التكنلوجيا .. و نحن في الشرق لا زلنا ندعو للخرافات ، و الدجل ، والشعوذة ، منصرفين عن قضايانا ، و مشاكلنا الكبرى ، و ملتجئين لإيجاد الحلول لها بالسحر ، و الخرافة .. و هنا نورد بعض الأساليب التي تتبع في تحضير الأرواح بمدني ..
السلة و القلم:
المعلومات التي لدينا تفيد أن هؤلاء الجماعة يقومون بتحضير الأرواح عن طريق سلة .. مجرد سلة ، (سبت) .. ثم يقومون بتلاوة قراءات معينة ، و تمتمات ، على أثرها يتحرك القلم من داخل السلة ليكتب شيئاً بتوجيه من زعيم ، أوشيخ الجلسة .. يكتب القلم ، فيما يدعون ، مضمون ما يشعر به حاضرالجلسة .. و يدعي هؤلاء الجماعة ، أصحاب الظاهرة ، أنهم في تحضيرهم للأرواح يعالجون أمراضاَ عجز الطب الحديث عن علاجها ، باستخدام وصفات ، وعقاقير بلدية محلية ..
و يدعون أنهم قادرون على قراءة الأفكار ، و ما يجيش في الصدور ، و دخائل النفس البشرية ، و يغوصون في أغوارها ، و ثناياها ، و بواطنها .. و يعلمون ، بواسطة السلة ، و القلم ، بما: "كل نفس بما كسبت رهينة" في الماضي ، و الحاضر ، و المستقبل ، و كل شئ يتصل بالحياة ، و تجارب الإنسان الماثل في الجلسة ..
مراجع علمية:
رجعت إلى بعض مصادر ، ومراجع ، لإستقصاء حقائق هذه الإدعاءات ، والفلسفة المزعومة ، فخلصت إلى نتائج مذهلة ..
يحدثنا التاريخ أن القضية التي تقدم أمام البحث تأخذ وجهاً آخر ، أكثر تعقيداً .. ذلك لأن هؤلاء الجماعة يخفون أسماءهم ، و يتخذون السرية طريقهم !!
و تقول بعض الكتب عن تاريخ هذه الحركة أنها بدأت في نهاية القرن الرابع الهجري 373 ، وتغلغل أصحاب الدعوة إليها في العراق ، بالبصرة ، والكوفة .. و قد كانت البصرة ، وقتها ، مركز حركتتهم ، و نشاطهم ، بإعتبارها ثغراً تجارياً .. و تقول مراجع أخرى: إذا جئنا ننظر إلى الحياة الإجتماعية طالعتنا صورة مماثلة .. فقد كان هذا العصر ـ القرن الرابع الهجري ـ مسرحاً لظهور عوامل قوية .. فقد بلغ الإقطاع بعض مراحله ، وإبتدأت حركات من التماسك الطبقي تتحول إلى مجرى نضالي .. و نشأت من ذلك ثورات ، كثورة الزنج ، و ثورة القرامطة .. و نشأت من ذلك طبقة في مرفأ البصرة من الزنوج ، الذين كانوا يعملون هناك في الزراعة ، وصناعة الملح ، و النسيج .. لقد كان هذا العصر عصر الإنطلاق الفكري ، و الحركات الثورية السياسية التي إنطلقت في نواحي العراق قرناً كاملاً ..
و قدعبر هؤلاء الجماعة ، (جماعة تحضير الأرواح) عن الحياة السياسية في عصرهم ، فقالوا: إن الشريعة قد دنست بالجهالات ، و اختلطت بالضلالات ، و يجب غسلها من هذه الأدران التي علقت بها !!
و السـؤال:
على ماذا تقوم عملية الغسل هذه ؟ أهي قضية دينية ، أو سياسية ؟ الذين يقولون: أنها دينية ، يعتبرون الجماعة مظهراً من التفلسف الذي بلغ أوجه .. في القرن الرابع الهجري . كانوا يأخذون من كل المذاهب ، و يقولون: إن الحل الصحيح هو الجمع بين كل الأديان ، والمذاهب ، والفلسفات .. و قد بنوا فلسفتهم ، و آراءهم ، على نهج الفيلسوف اليوناني فيثاغورس ، وآرائه .. وتاريخ الفلسفة اليونانية يوضح لنا أن فيثاغورس كان يختفي وراء المذهب التلفيقي الذي دعا إليه ، و إنه ألف جمعية كانت تعمل لقلب نظام الحكم .. وكان معلوماً أن تاريخ الفلسفة اليوناني يعج بالجمعيات ذات المظهر الفلسفي ، و الباطن السياسي .. وتحدثنا مراجع شرقية أخرى أن هناك أقوالاً كثيرة ، متعددة ، عن تحضير الأرواح لدى الهنود .. وتفرع المذهب ، أو الفلسفة ، إلى بعض الطوائف ، و أصحاب العبادات ، و الطقوس الدينية ، و كيفية أداء القرابين ..
كيف تسربت الدعوى ؟:
وتقول مصادر أخرى أن هذه الفلسفة ، أو (الشعوذة) ، تسربت إلى إفريقيا عن طريق هجرة الهنود من أجل الرحلات التجارية ، و العلمية و الثقافية .. كما أن كتب التاريخ حافلة بإعتقاد قدماء المصريين ، في كثير من المسائل المحسوسة كالسحر ، و الطلاسم ..
و تقول المصادر الورادة في الكتب: أن فلسفة تحضير الأرواح خليط من فلسفة أفلاطون ، ومذهب الرواقيين ، و نظريات البوذيين الهنود ، والصينيين ، وهم أصاب بدع مستحدثة !!
و بعد .. هذا قليل من كثير روته كتب التاريخ عن تحضير الأرواح ، في الماضي ، و كيف تسربت الحركة من العراق إلى البلاد الأخرى ..
و ما هي الاعتقادات ؟
إننا نعتقد أن مثل هذه الحركة (تحضير الأرواح) تحتاج إلى باحثين ، متقدمين ، أن يسلطوا الأضواء عليها ، و يوضحوا أبعادها ، و أضرارها .. أن ما سطرناه في (الأيام) هو محاولة متواضعة ، سطحية ، أخذت الطابع التعميمي و نرجو أن تكون البحوث القادمة من باحثينا المقتدرين ، فيها سعة الفكر ، و الجلاء لما أغمضه التاريخ .."
هذا ما أورده الأستاذ مراسل صحيفة (الأيام) بمدني .. و لما كانت إجابتي لا بد أن تكون قصيرة ، الآن ، فإن الذي يهمني هو السؤال الوارد في صدر التحقيق بالحروف الكبيرة عن تحضير الأرواح .. أهو فلسفة ؟؟ أم مذهب ديني ؟؟ أم شعوذة ، و دجل ؟؟ و أحب أن أقرر ، ومن الوهلة الأولى ، أنه ليس فلسفة ، و لا هو بمذهب ديني ، و إنما شعوذة ، و دجل .. بل هو ، فيما يخص المرحلة الحاضرة من تاريخنا ، نحن المسلمين ، شر من الشعوذة ، و الدجل .. هو حرب على الدين ، و تعويق لبعثه ، وتخريب للضمائر ، و مفسدة للعقول ، و القلوب .. وشر ما فيه أنه يمر بإسم الدين ، إذ تمارس ، بإرشاد هذه الأرواح ، تلاوة القرآن ، و تقام حلق الذكر .. و شر البلية أن هذا التضليل قد جاز على بعض مشائخ الطرق الصوفية المعاصرين ، فأخذوا يلبون دعوات هؤلاء النفر لإحياء ذكرى بعض السلف الصالح ، من أمثال الإمام الغزالي .. و لقد كان أولى الناس بأن يكشف تضليلهم مشائخ الطرق ، الذين يعلمون أن الطريق مكاففة ، إذ أنك لابد أن تضع كفك في كف مرشدك ، لتتلقى العهد و تسلك الطريق ..
و لكن لا جرم !! فإن الطرق الصوفية قد أنى لها أن تعود إلى طريقة الطرق ـ إلى طريق محمد ـ الذي منه إنبثقت ، أول أمرها .. و لقد كان مشايخة الطرق و مؤسسوها ، نواباً للنبي المعصوم ، في عهد الجهالات .. ينقلون الناس إليه ، في حكمة ، و بصر ، وعلى هدى مستنير .. و هذا هو السر الذي به ظهرت الشهادة المثلثة فأدخلت المشايخ: "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، الجيلاني ولي الله" ، هذا لمن كان طريقه جيلانياً .. وكل تابع طريق يقوم بينه وبين النبي شيخ طريقته .. حتى لقد بلغني أن الشيخ صالح فضل الركابي كان يقول: حاج عبد الله الدفاري محمدنا إلى الله .. و هوقول صحيح ، ويدل على بصر بأمر السلوك .. فإن مشائخ الطرق ورثة محمديون .. على القدم المحمدي .. كل حسب تحصيله .. و الآن ، فلنقل شيئاً عن السلوك ، و لنبدأ بالروح:
الروح:
لقد ختمت جوابي إلى موسى أبوزيد عن الروح بإشارة إلى العقل ، و العقل أكرم خلق الله على الله ، لأنه الوسيلة إليه ، وليس غيره وسيلة .. وبه الترقي في مراقي القرب ، و ذلك ترق سرمدي ، لا يقر له قرار ، ولا يتناهى له مدى .. و لقد نزل القرآن من أجل ترويض هذا العقل ، وتأديبه ، وتسديده إلى معارج القرب .. وإنما من أجل ذلك أيضاً ، فرضت الفرائض وعزمت العزائم ، و نهضت التكاليف ..
فالعقل روح ، و الجسد روح .. والإختلاف بين العقل والجسد إختلاف مقدار ، وليس إختلاف نوع .. فالعقل هو الطرف الرفيع من الجسد .. وإنما غرض العبادة ، وغرض التكاليف التي احتشد بها القرآن أن تستخرج اللطيف من الكثيف حتى يصير الجسد في لطافة العقل .. و بذلك يحيا الحياة الكاملة ، الخالدة ، التي لا تؤوفها آفة ، و لا ينقصها منقص .. فالقرآن بهذا وسيط بين الكثيف ـ الجسد ـ و اللطيف ـ العقل .. و القرآن أيضاً روح ..
ولقد وردت (الروح) في القرآن بهذه المعاني الثلاثة .. ففي معنى العقل وردت العبارة بجبريل ، و ذلك حيث يقول تبارك ، و تعالى: "نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين" .. فإن جبريل كل إنسان هو عقله الذي في دماغه .. و في معنى الروح الذي هو الجسد ـ أعني الحياة ـ جاء قوله ، تعالى من قائل: "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" .. فالروح هنا روح الله ، وهي تعني العلم القديم .. وتعني الجسد الحي حياة كاملة ، قديمة ، و تعني أيضاً الحياة الكاملة المطلقة الكمال .. و في معنى الروح الذي هو القرآن ـ العلم الحادث ، والعلم القديم ـ جاء قوله تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، ما كنت تدري ما الكتاب ، ولا الإيمان ؟ و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا .. وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم .." وفي القرآن العلم الحادث ، والعلم القديم .. فالعلم الحادث شريعة و طريقة .. و العلم القديم حقيقة ، والغرض وراء العلم الحادث ، ووراء العلم القديم ، هو ترويض العقل ، وتأديبه بأدب القرآن حتى يتطور بالتحصيل والعرفان ، نحو القديم .. فإذا طابق الحادث القديم فقد إنبعث الجسد من الموات ، وحيي الحياة الكاملة ، المعبر عنها بالحياة العليا ، في مقابلة الحياة الدنيا .. ولقد جاء ذكرها في القرآن الكريم هكذا: "وما هذه الحياة الدينا إلا لهو ، ولعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، لو كانوا يعلمون" .. و كلمة (الحيوان) مصدر من حيي ، و فيها مبالغة قصد بها إلى التعبير عن الحياة الكاملة ، الخالدة ، التي لا تؤوفها آفة ، ولا ينغصها منغص ، كما سلفت إلى ذلك الإشارة آنفاً .. وعبارة: "لو كانوا يعلمون.." إشارة إلى الروح التي هي القرآن ، و هو الروح الوسط بين الروح الحادث ـ العقل ـ والروح القديم ـ الجسد .. و بفضله يرتقي الحادث في معارج القرب من القديم ، و حين يتم التوحيد بين الحادث و القديم يحصل البعث ، و تتم الحياة الكاملة للمترقي في هذه المعارج .. و القرآن جسده محمد ، حتى لقد أصبحت حياة محمد هي مفتاحه .. فمن ابتغى إدراك دقائق القرآن ، ليحصل له به الترقي الذي ذكرناه ، فليس له ، إلى مبتغاه ، من سبيل غير تقليد محمد .. قال الله في ذلك لنبيه: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" فليس على حظيرة القدس من دخول إلا عن طريق هذا الباب .. و لقد قال المعصوم: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً: كتاب الله ، وسنتي .."