إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
مخربو موقع الفكرة الجمهورية: قُصُر اللسان، فطالت الأيادي!!
عبد الله عثمان
تعرض موقعا الفكرة الجمهورية والصالون*، على الشبكة العنكبوتية، لتخريب متعمد. ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا العمل البائس الآثم. يقول الصوفية أن "كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها"، وها هم عداة الفكر الحر يكررون التجارب الخواسر كل آن، ولا يزيد ذلك الفكرة الجمهورية الا منعة وانتشارا، ولا يزيد عداة الفكر الحر الا خبالا، كيف لا وهم قطعا لا يعرفون أن هذه الفكرة مسنودة بعمل روحي في الأساس، وقد قال في هذا الصدد الأستاذ محمود: (نحنا كتابنا في الرف بيعمل عملو) .. في ذات المنحي، و عقب حريق نادي الخريجين* بود مدني كتب الأستاذ محمود للدكتور عبدالرحيم أبو عيسى: (إن ما حصل لناديكم لا يدعو إلى الاسف، ولا الحزن، كما قد يتبادر إلى الاذهان، لدى الوهلة الاولى، وإنما يدعو الى الاستبشار، والفرح ، عند التأمل المستبصر.).. انتهى
مع ذلك، ظل مثل هذا العمل، الأخرق، يتكرر لما يزيد على نصف قرن، لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، ويظل سدنته يكررونه، مما يدل على ضيق أفقهم وقلة حيلتهم. ولعل أبرز محاولات تعويق وتخريب الفكرة الجمهورية كانت هي مهزلة "محكمة الردة" سيئة الصيت، والتي عقدت في العام 1968 ولكن ماذا حدث بعدها؟ حدث فتح للفكرة الجمهورية لم تشهد مثله من قبل فأنضم اليها الكثيرون، رجالا ونساءا وحملوا كتبها الى الآفاق، ولا أحد يتذكر الآن من كان قاضي تلك المحكمة ولا من هو الذي رفع القضية حسبة، ولكن ظل الناس يتذكرون أن (الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين)*.
بعدها رفع عشرات علماء الدين مذكرة للرئيس نميري مطالبين بوقف مد الفكر الجمهوري. يحكي د. منصور خالد – بتصرف – أن قد استشاره النميري في ذلك، ماذا يفعل؟ قال له نفتح التلفزيون لهم ولمحمود وللشعب أن يحكم. يواصل منصور: كلفني النميري بالإتصال بالعلماء، واتصلت بهم واحدا واحدا داعيا اياهم لمناظرة الأستاذ محمود فرفضوا جميعا. كان بعدها قد تم فتح جديد تأكد به أن (الإسلام رسالتان). وأن هؤلاء العلماء (علماء بزعمهم)!!
بعدما أفتى داؤود بولاد، لقبيله من الأخوان المسلمين، برمي أحمد المصطفى دالي، مكتوفا، من كبري النيل الأزرق، جمع مطرف صديق النميري زبانيته من أعضاء الإتجاه الإسلامي، وقاموا بضرب دالي. كانت النتيجة أن ألتف الطلاب حول الجمهوريين وأسقطوا الأخوان المسلمين في "غزوة" التمثيل النسبي وعرف طلاب الجامعة أن (هؤلاء هم الأخوان المسلمون)، كلما أسأت بهم الظن، فأنك أحسنته، وتأكد لكل الجامعة أن (الأخوان المسلمين يلعبون على الحبلين) وصار وكد الطلاب التواؤم مع (الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة) ومعرفة (دقائق حقائق الدين).
أخرج الجمهوريون كتابهم (اسمهم الوهابية)، ففزع وهابيو السودان الى أولى نعمتهم السعوديين، الذين أملوا على النظام حبس الجمهوريين، ففعل. لما دلف الجمهوريون الى كوبر قال لهم الأستاذ محمود: "أنتو ما حبسكم الملك خالد، حبسكم الملك الخالد"، حاثا اياهم الى التشمير، دعاهم أن يركنوا لـ "ملكهم الخالد" ففعلوا، وخرجوا من السجن وهم أكثر ايمانا بـفساد ( عقيدة المسلمين اليوم) فصار الناس أكثر وعيا بـ (الإسلام وإنسانية القرن العشرين).
عندما أصدر الجمهوريون كتاب (بنك فيصل الإسلامي)، خاف الأخوان المسلمون على مكتسباتهم الإقتصادية والسياسية وواصلوا اعتداءاتهم العنيفة على منابر حوار الجمهوريين فاعتدى أحدهم على الاستاذ أحمد المصطفى دالي وهو يقيم ركنه اليومي في جامعة الخرطوم وذلك في يوم 20 ابريل من عام 1983 ..
وعندما نقضت حكومة مايو غزلها أنكاثا، فاعتقلت الجمهوريين لأنهم أخرجوا كتابا أمنيا من الدرجة الأولى باسم (الهوس الديني يثير الفتنة ليصل الى السلطة) ينعي على السيد النائب الأول وقتها ورئيس جهاز الأمن تفريطه في أمن البلاد وتمكينه لقوى الهوس الديني في البلاد، ثم سنت بعدها قوانين سبتمبر فأفرجت عن الجمهوريين كمعتقلين سياسيين لتحاكمهم كمجرمين، كانت قد سعت لحتفها بظلفها، ومع ذلك كان الجمهوريون آملين اقالة عثارها، فكتبوا لها (هذا! أو الطوفان!) ولكن لما لم يرعووا ونفذوا كيدهم الضعيف في الثامن عشر من يناير، كان كيد الله أعظم من كيدهم فذهبت مايو بذلك "الفداء العظيم" وظل وظل صوت الأستاذ عاليا يدعو الناس، كل الناس الى (الدعوة الإسلامية الجديدة) ..
لقد كان الاخوان المسلمون جزء من سلطة مايو متبوئين فيها أعلى المناصب التنفيذية والسياسية وقد دفعوها دفعا لتتبني خطهم في الهوس الديني والاتجار بالشعارات الدينية بعد أن بايعوا نميري إماما وأخرجوا المسيرات "المليونية" في تأييده وهو يطبق قوانين سبتمبر سيئة الذكر.. لذلك لم يكن مستغربا احتفالهم بنصبه المشانق لمن يعارض تلك القوانين حيث اتاح لهم ذلك فرصة التخلص من أكبر من كشف تزييفهم وتلاعبهم بالدين وقد ظنوا أن ذلك كفيل باسكات صوت الفكر الحر ولكن خاب فألهم بأكثر مما يظن أي ظان فقد استنكر تلك الفعلة البشعة كل ضمائر العالم الحر، حتى اصبح أصحابها يتوارون منها خجلا (في لقاء تلفزيوني مع قاض نكرة اسمه المهلاوي، طلب المذيع من الجمهور أن يسألوه عن كل شيء الا موضوع “محمود محمد طه”)!! فما تذكر الناس الا كلمة الأستاذ محمود في المحكمة من أن قضاة قوانين سبتمبر "ضعاف أخلاقيا، وغير مؤهلين فنيا"!!
ظنوا أنهم بأمرهم ذلك قد سدوا على الفكر كل منفذ، حتى لقد وصل بهم سوء الظن لرفض عرض مسرحية للمخرج عادل ابراهيم محمد خير لأنه “يشتم فيها رائحة محمود محمد طه”!! عتموا على الأجيال الجديدة أن يروا أو يسمعوا شيئا عن الأستاذ محمود ظانين أنهم بذلك يشطبونه من ذكراة التاريخ ولكن ماذا حدث؟ دعنا نستمع لميسون النجومي، شابة ترعرت في ظل مشروع الأنقاذ الحضاري، ماذا تقول: (الاقي كتاب بيسب في الأستاذ ..مامتذكره إسم الشيخ الكاتبو…كان بيقتبس من كتاب (الإسلام والفنون) و يشتم شتايم ماكويسة لكن كنت بفتش الإقتباسات و اقراها …..مش غريبة …الكتاب اليدلني على الأستاذ يكون كتاب بيشتم فيهو ؟ … أنا مقبلة على الأستاذ و راميه التصديق قدامي، الما بفهمو ماعندي شك اني حفهمو و اصدقو) انتهى.
وهكذا، ومثل هذا كثير، في كراسة الإنطباعات بموقع الفكرة الجمهورية http://www.alfikra.org يتبين لكل عاقل أن ما من باب سدّ في سبيل هذا الأمر العظيم الا فتحت دونه أبواب كثر وجاهل من ظن أن سيحجب ضوء الشمس بأصبع.
-
* الإقتباس من قولة للأستاذ محمود عن قلة الفكر لا يستطيع نهوضا بالحجة (كلما لسانك يقصر، ايدك بتطول) أي تلجأ للضرب والمنع.
* الصالون: ملتقى اسافير لبعض الأخوان الجمهوريين يناقشون فيه الأمور العامة بجانب أحوال اسرهم وشئونها
* نهايات سبعينات القرن الماضي أقام الجمهوريون معرضا للكتاب بنادي الخريجين بود مدني فقام بعض السلفيين، بتحريض من الإمام حسن عبدالعزيز حمومة بحرقه
كل ما بين الأقواس الكبيرة (..) أسماء كتب أصدرها الأستاذ والجمهوريون بعضها موجود بموقع الفكرة http://www.alfikra.org/
تم نشر أجزاء من ذها المقال في بعض المواقع الإسفيرية أكتوبر 2013