إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الفجور في الخصومة في صحيفة "الانتباهة"!!(٢-٣)

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق


٢١ فبراير ٢٠١٣

إن العمل الذي تقوم به "الانتباهة"، لتشويه الفكرة الجمهورية لن يفعل سوى لفت النظر إليها، ويوضح ضرورة الإقبال على دراستها، والتزامها، فالفكرة إنما هي دعوة إلى إحياء السنة.. والرسالة الثانية ما هي إلا بعث السنة التي طبقها النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في خاصة نفسه، لتكون شريعة عامة للناس بدل الشريعة السلفية.. ويمكن للقراء أن يطلعوا على التفاصيل في كتب الأستاذ محمود المثبتة على موقع الفكرة على الانترنت (alfikra.org).. لقد رأينا في الحلقة السابقة، كيف حاول السيد أحمد طه محمود، تشويه مشروع خطوة نحو الزواج في الإسلام، لينال من الفكرة ومؤسسها وتلاميذه، ولكن فات عليه أن خطوة، إنما هو مشروع نفض الغبار عن صور مشرقة من الشريعة السلفية فيها كرامة للمرأة، لم تطبق في مجتمعنا السوداني.. أما المشروع الذي طرحته الرسالة الثانية من الإسلام فلا يزال في حيز التنظير، في كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية"، وهو مشروع "الزواج في الإسلام" وهذا هو "خطوة" نحو ذلك الزواج، وقد أسلفنا التفصيل في ذلك، ونحن نحب أن تكون هذه النقطة مركزة في الأذهان، ليعرف الجميع كيف ظل هذا الكاتب "يعرض بر الدارة" أو "يرقص خارج الحلبة"!!
وقد طفح مقال هذا الكاتب، بكذب مبالغ فيه فهو يؤلف من خياله المريض ويلصق بالجمهوريين، اسمعه ماذا قال حول تطبيق زواج خطوة عند الجمهوريين: "مع ترديد خطبة النكاح التي يقول العريس فيها «أنا انبثاق نفسك عنك خارجها والله شهيد بيننا» وتقول العروس مثل ذلك"!! وكل هذا الكلام إنما هو محض افتراء!! ففي تطبيق "خطوة" فإن للزوج وكيل وكذلك للزوجة، وتتم الإجراءات بنفس الصورة التي تتم بها الإجراءات لدى عامة الناس، بأن يطلب وكيل الزواج من وكيل الزوجة تزويج موكله منها، فيرد وكيل الزوجة بالقبول ثم تنتهي المراسيم بالدعاء للعروسين بحياة سعيدة، وتبادل التهاني وتناول المشروبات السودانية والبلح.. وكل الزيجات التي أشرف عليها الأستاذ محمود، مسجلة بالصوت ويمكن مراجعة موقع الفكرة المشار إليه آنفا لمزيد من المعرفة..
لقد انزلق هذا الكاتب إلى هلكة حقيقية، إذ أن أسلوبه في نقد هذا الزواج غير علمي، ومتحامل، بل محشود بحقد دفين ليس له ما يبرره مطلقا، وتصرفه هذا شبيه بتصرف أبي جهل يوم بدر، فقد أصر أبو جهل على عدم الرجوع إلى مكة، وقال قولته المشهورة: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونُسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا) ورغم قول أبى جهل فقد رجع بنو زهرة ، وبنو عدي بن كعب، ولولا سلاطة لسان أبى جهل ورمية المترددين بالجبن والضعف لانسحب عدد كبير ووقف عتبة بن ربيعة حين وقف في معسكر المشركين يدعوهم إلى الرجوع فقامت غزوة بدر الكبرى بسبب تصرفه هذا وشكلت نصرا للإسلام بصورة حاسمة!! فهذا الكاتب لم يرجع إلى المراجع لا في التنظير ولا في التطبيق، بل جنح إلى الكذب وتحري الكذب، بإصرار، وبقلة حياء منقطعة النظير.. إن الجمهوريين مواطنون سودانيون يعيشون بين الناس، وسلوكهم معروف وأخلاقياتهم معروفة وزواجهم مشهود وهو مقدم في إطار الدعوة العامة لإصلاح المجتمع.. أسوأ من ذلك فإنه خاض في الأعراض، وقذف الجمهوريين بجريمة الزنا صراحة، فكأنه واثق مما قال، بناء على ما في عقله من أوهام ظنها فكر الأستاذ محمود، ولكن أين الوازع الديني والشعور بالمسئولية!!؟؟ فنحن لسنا في غابة، والقانون موجود بيننا، هل هذا الدعي واع بخطورة جريمة القذف في الإسلام!!؟؟
إذن دعونا نستمع إلى الأستاذ محمود يحدثنا في كتابه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" عن خطورة هذا الاتهام من ناحية التربية والقانون في الجزئية التالية، فلنستمع إليه:
((ومن أجل شرف هذه العلاقة ((الجنسية)) الذي حاولنا أن نبينه في الأسطر السابقات وقع شديد الحرص عليها في الدين.. وهي أكبر مظهر للحياة في مجال تعبيرها عن وجودها.. ومن أجل ذلك قامت على تنظيمها أول ))شريعة((عرفها الإنسان، ووقع عليها أول ((كبت)) في العقل الباطن.. ومن أجل هذا ((الكبـت)) الذي وقـع في ((قـاع)) العقل شرع الرجم بالحجارة.. تصوب إلى الدماغ، عقوبة على مخالفة الممارسة.. وشدد في أمر عقوبة الزنا على العموم.. أكثر من ذلك!! شددت العقوبة على القاذف به غيره إن لم يستطع أن يثبته عليه.. فكان أدق حدين في الإسلام حد الزنا، وحد القذف.. قال تعالى: ((والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون)) بل أكثر من ذلك!! شدد في زجر الخائضين فيه.. فقال: ((ولولا فضل الله عليكم، ورحمته في الدنيا والآخرة، لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهـذا، سبحانك، هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا، إن كنتم مؤمنين))....
وقال في وعيده الذين يتهاونون في هذا الخوض: ((إن الذين يرمون المحصنات، الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم، بما كانوا يعملون.. )).. بل أكثر من ذلك!! فإنه توعد، أشد الوعيد، الذي يسمحون لخواطرهم أن تجول في نسبة الزنا للآخرين.. فقال، تبارك، وتعالى: ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم، في الدنيا والآخرة، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون..)).. ولم ينه الله، تبارك، وتعالى، عن مقارفة الزنا نفسه، بل نهى حتى عن مقاربته فقال، عز من قائل: ((ولا تقربوا الزنا.. إنه كان فاحشة، وساء سبيلا)).. .. ولخطر هذا الجرم عنده شدد في إثباته، تشديداً يجعله في حكم المستحيل.. ويكفي أن يقال أنه لم يقع، في طول تاريخ الإسلام، إثبات شرعي لجريمة الزنا.. وما وقع فيه من إقامة الحدود لم يقع إلا بالاعتراف.. ثم يجيء التشديد من جانب المعصوم.. فيقول: ((لا يزني الزاني، حين يزني، وهو مؤمن)).. وهذا أمر في غاية الخطـورة.. ذلك بأن هذا الحديث إنما يعني أن الإيمان يرفع عن المؤمن، لحظة المقارفة، حتى أنه لو مات فيها مات على غير الإيمان.. ويقول المعصوم، في هذا التشـديد أيضا: ((يا أمة محمد!! والله ما أحد أغير من الله، أن يزني عبده، أو تزني أمته.. يا أمة محمد!! والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا..))..
هذا قليل، من كثير، يقال في إحاطة هذه العلاقة الرفيعة، بين الرجل والمرأة، بأسباب الصيانة، والحفظ.. وهي، لمكان كرامتها، وعظيم أثرها في حياتنا، لا يحفظ علينا صونها إلا الله.. قال تعالى في ذلك: ((يأيها الذين آمنوا!! لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء، والمنكر.. ولولا فضل الله عليكم، ورحمته، ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء.. والله سميع عليم..))..قوله: ((فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)) ((الفحشاء)) هنا الزنا.. و((المنكر)) هنا اتهام الآخرين به.. قوله: ((ولولا فضل الله عليكم، ورحمته، ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء))..، يعني ما تطهر، ولا تصـون، ولا تنظف من أوحال الممارسة، غير المشروعة أحد أبدا.. قوله: ((ولكن الله يزكي من يشـاء)) بشرى بعموم الزكاة.. فإن العباد بها، جميعا، سيتزكون.. وجاءت العبارة الفاصلة بقوله: ((والله سميع عليم))، لتؤكد هذا المعنى الذي ذهبنا إليه.. فهو ((سميع)) لنداء الفروع التي تطلب الأصول وقد حجبتها عنها الخطيئة.. وهو ((عليم)) بطريق خلاصها من الخطيئة، لتعود إلى وطنـها في الذات: ((يأيها الناس اتقـوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحـدة)).. وقـد أسلفـنا في ذلك القول..
وفي عجزنا عن صون أنفسنا، ومجيء الصون من فضل الله علينا قال تعالى: ((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله، بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم.. فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله.. واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان عليا كبيراً..)).. قـوله: ((الرجال قوامون على النساء)) يعني أوصياء، متسلطون، لهم عليهن حق الطاعة.. فإن قلت ما هي الحكمة وراء هذا التسليط؟؟ قلنا: الحفظ - حفظ فروج النساء - هذا في المرحلة.. ويجيء قوله تعالى: ((فالصالحات قانتات حافظات للغيب))، ومعنى الصالحات الطاهرات، الصينات.. ومعنى قانتات مطيعات لربهن، ولأوليائهن من الرجال.. ومعنى ((حافظات للغيب))، حافظات لفروجهن هذا الحفظ يكون بدوافع من طاعة الله، والخوف من الله، ويكون بطاعة الأولياء، والخوف من الأولياء.. هذا جميعه في المرحلة.. ثم تفضي المرحلة إلى العفة، والصيانة المضروبة على الرجال والنساء جميعا والتي أشار إليها، تبارك، وتعالى، هنا إشارة لطيفة بقوله: ((بما حفظ الله)) ويطيب لي هنا أن أشير إلى أس الرجاء في هذه الآية لجميع النساء، وذلك أنهن حين يبلغن هذا المبلغ من العفة، والتصون، ترفع وصاية الرجال عنهن ويكون إليهن، في ظل الله، أمر القيام على أنفسهن، تحت وصاية القانون..)) انتهى..
انظر كم من الآيات خالفها هذا الكاتب!!
والحقيقة إن مخالفة القرآن، أمرا عاديا في صحيفة "الانتباهة"، وهي ظاهرة عند كبيرهم الطيب مصطفى، وقد كتبت عنها من قبل، بهدف أن ألفت نظره إلى خطورة هذا النهج، في الصحيفة ومما جاء في ذلك المقال:
(السيد الطيب مصطفى، صاحب الانتباهة قدم من نفسه نموذجا صارخا، لتربية الأخوان المسلمين وأشباههم، فهو بعيد كل البعد عن روح الدين، أكثر من ذلك فهو لا يعبأ بمخالفة التوجيه النبوي، ولا بمخالفة القرآن بصورة يومية، بل يصر على المخالفة عمدا ومع سبق الإصرار.. فكأنه قد جعل من نفسه، والعياذ بالله، مرجعا فوق القرآن، وفوق سنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وسأشير في نقاط، وبالأدلة الدامغة إلى ما يؤكد زعمي هذا حتى يتدارك هو نفسه، ويتوب إلى الله من هذا العبث الذي ينشره في صحيفته يوميا..
أولا: السيد الطيب مصطفى، لا يمكن أن يذكر شخصا يختلف معه فكريا، مسلما كان أو غير مسلم، إلا بعد أن يضيف إلى اسمه أقبح الألقاب!! وهذه الظاهرة يعرفها عنه الجميع بل أصبحت صفة ملازمة لكتابته لا تنفك عنها مطلقا.. وهذا الاتجاه مخالف تماما للقرآن نصا وروحا، فقد قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" يعني من يفعل ذلك، فسيشاع عنه أنه فاسق، والاسم معناه الذكر والصيت والسمعة!! وليس بعد الفسوق مجال لخلق، وأكثر فإن "الظالمون" الواردة في عجز الآية إنما تعني الشرك، قال تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم".. إن السيد الطيب يعرف هذه الآية، وقد يكون يصلي بها، لكنه يخالفها باستمرار، متعمدا، ولما كانت مخالفة القرآن لا تورث غير الجهل، فقد ظلت كتابته تطفح بالجهل بأبسط مقومات الأدب اللائق في التعامل بين الناس، وحتى أصدقاؤه الصحفيين لا يسلمون من هذا التنابز، فصار لسان حالهم يعبر عنه قول الشاعر: "من نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا ما من صداقته بد"!!
ثانيا: الإصرار على المخالفة، والاستمرار فيها نفسه مشكلة حذر منها القرآن، حين قال: "والذين إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون".. لاحظ تحديد القرآن"ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"!! فصاحب الانتباهة يمارس الإصرار على المخالفة بصورة يومية، كأن الآيات لا تعنيه هو، فكأنه بلسان الحال كما أشرنا من قبل، يرى نفسه أكبر من القرآن وغير ملزم باتباعه، هل هناك هلكة أكبر من هذا !!؟؟ ألم يرد في الحديث: "المقارف للذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بربه"!!؟؟ يعني كإبليس..) انتهى..
قال تعالى: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه"، وهكذا اجتمع السفيه مع خائب الرجاء في هذه الصحيفة، ليكيلوا الشتائم بأعنف الألفاظ في حق من يختلفون معهم في الرأي!! وأحب أن أذكر مرة ثانية بأن، ما يجري من نشر بهذه الصحيفة مهما كانت درجته من السوء، إنما جرى بإرادة الله ووراءه حكمة، قال الشاعر:
إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود!!