إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

احتفال الذكرى الأولى لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه

جريدة الأيام


١٧ يناير ١٩٨٦

ذكرى شهيد الفكر
الأستاذ محمود محمد طه



مقرر لجنة الإحتفال:
إننا ندافع عن حق كل السودانيين في حرية التفكير


تنظم اللجنة القومية للإحتفاء بذكرى شهيد الفكر ، الأستاذ محمود محمد طه أُسبوع تأبين تكريماً لتلك الذكرى ، التي تصادف يوم 18 من يناير ، والذي إتـُّخذ من قبل المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، يوماً لحقوق الإنسان العربي ، وقد إلتقت الأيام بلجنة التسيير المنبثقة عن اللجنة القومية بغرض التعرف علي البرنامج ، والهدف من ذلك الإحتفاء ..

وتحدث لنا د. نورالدين ساتي ؛ مقرر اللجنة للإتصالات ، قائلاً:


لقد نشأت فكرة الإحتفاء لذكري الأستاذ الشهيد محمود محمد طه في أوساط المهتمين بشئون الفكر ، والمهتمين بالحقوق الأساسية للإفراد من مختلف الأشخاص ، ولا ينتمون لجهة معينة ، بل من شتى الفئات ، بغرض إرساء دعائم الديمقراطية والحقوق الأساسية للأفراد .. وبما أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دون فكر ، فلذا يجب أن يعطى الفرد الحق الأساسي في أن يفكر وأن يختار في معتقداته ما يناسب أسلوب حياته الخاصة .. لذا رأت هذه المجموعة ضرورة الاحتفاء بذكرى الأستاذ محمود محمد طه ، بغض النظر عن الأفكار التي يدعو لها خاصة وأن عملية الإعدام في حد ذاتها كانت جريمة نكراء ، لذلك يجب أن لا تمر هذه الذكرى دون الإحتفاء بها بالصورة التي تليق بها ، ولا يعني ذلك أننا نؤيد الجمهوريين في أفكارهم ، إنما ندافع عن كل السودانيين في حقهم في التفكير كغيرهم من بني جنسهم ، وأن لا إرهاب بإسم الدين ، أو أي إسم من الأسماء التي يلون بها البعض الكيد لخصومهم للتخلص منهم ، ومن ناحية أخرى ؛ نحتفي بهذه الذكرى حتي تأخذ معناها الرمزي ، ولكي ترتبط في أذهان الظالمين الذين نفذوا هذا العمل الإجرامي ، لتوصح بشاعة تلك القوانين الجائرة التي تسببت في إعدام إنسان بسبب فكره ، ويمكن أن تتسبب في إعدام كل فرد يفكر بصورة لا تعجب خصومه .. وأعجب !! ــ والحديث لدكتور نور الدين ساتي ــ لماذا لم يبت في أمر هذه القوانين حتي الآن ؟ ونحن إذ نفعل ذلك لفضح هذه القوانين ، وإثبات أنها ليست من الدين في شئ وإنما وضعت لمطاردة الخصوم السياسيين ، ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو من شارك في هذه الجريمة .

ويضيف د. مروان حامد الرشيد:


بعد أن نبعت تلك الفكرة من بعض الأفراد ، و وضع تصور لشكل الإحتفاء . وجهت الدعـوة لعدد من الكتاب ، والمواطنين العاديين ، بل إن بعض الناس سمع عن نشاط من هذا القبيل فجاءوا دون دعوة !! وتكونت في الآخر اللجنة القومية ، التي ليس لها لون سياسي ، يشترك فيها المسلمون والمسيحيون ، جنوبيون وشماليون ، وأنبثقت من هذه اللجنة القومية ، لجنة التسيير التي أجازتها اللجنة القومية ، وتم تكوين عدة لجان مساعدة ، للمالية ، والإعلام ، ولجان ندوات وتثقيف ، بالإضافة إلي لجان إتصال داخلي وخارجي ، ولجنة قانونية ، وهي المناط بها العمل بكافة الطرق القانونية لرد الإعتبار للأستاذ محمود محمد طه . وقد باشرت اللجان عملها منذ تكوين لجنة التسيير ، وعقدت عدة إجتماعات ، لمتابعة العمل وللتأكد من أنه يسير بصورة منتظمة ، وسوف نعمل علي أن يكون الإحتفال سنوياً .. ونحن عندما نحتفي بذكرى الأستاذ الشهيد محمود محمد طه ، إنما نحتفي بيوم حقوق الإنسان العربي ، وأيضاً سنسعى لدى المنظمات العالمية والإقليمية ، ليكون هذا اليوم يوماً لحماية الفكر والمفكرين في كل أنحاء العالم ، الذين يتعرصون لشتى أنواع التعذيب والتصفية من قبل الأنظمة ..

ويأخذ بأطراف الحديث الدكتور عبد الله بولا قائلاً:


نحن بهذا الإحتفال نساهم في إرساء تقليد في طريقه إلي الضياع منا ، وأعتقد أن أ كبر ضياع هو يوم إصدار الحكم ، وأري أن الإغتيال نفسه ضياع ، وبداية إنهيار في التقليد .. فنحن نريد أن نرسي ونعيد إرساء التقليد القاضي بإحترام بعضنا البعض ، من خلال إحترام الفكر . فإن لم نحترم الفكر ، علينا أن نتحمله .. كما أن الإحتفال ينطلق من إحترامنا لمفكر ، وليس معنى ذلك أننا نتفق معه في الراى ، ونحن جميعاً كبشر ليس لدينا إتفاق كامل في كل الأشياء ، ولكن نرجو أن نحترم آراء الآخرين .. وإذا سمحنا لتقليد مثل هذا أن يضيع ، فإن ذلك سيقود إلي كارثة .. وإن سمحنا بهدم أو إنهزام هذا التقليد ، سنفتح الباب لتاريخ من الكوارث والبشاعات .. ونؤكد علي ذلك ، لقفل الباب أمام أي جهة تحاول الطعن في الهيئة المختصة بالإحتفال في توجهها الأساسي ، الرامي لحماية حرية الفكر ، وحماية المفكرين . وسنتجاهل كل من يحاول التشكيك فيها لأننا ليس لدينا الرغبة في الإنحدار في هذا المجال.

منظمات عالمية وإقليمية وشخصيات دولية وعربية تشترك في الإحتفاء:


يقول د. نور الدين ساتي مقرر اللجنة للشئون الخارجية:
لقد أجرت اللجنة إتصالات بالمنظمات العالمية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان ، وعلي رأسها ، منظمة العفو الدولية ، وقد سبق أن أقمنا علاقات طيبة مع أمينها العام ، إبّان حضوره إلي الخرطوم ، ولدينا علاقات عمل مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، ومن خلال المنظمين قدمنا دعوات لبعض الشخصيات العالمية والعربية للإشتراك في الندوات التي ستقام في الفترة من 11 ـــ 18 يناير ، ونتعاون مع المنظمة السودانية لحقوق الإنسان من أجل هذه المناسبة .. وستحضر بعض الشخصيات من إنجلترا ، وأمريكا ، وألمانيا .. ومن جمهورية مصر وبعض الدول العربية الأخرى ، وبعض السودانيين الموجودين بالخارج .. وكذلك وجهنا الدعوة لوكالات الأنباء العالمية .

وعن الإتصالات ببعض التجمعات والإتحادات في مختلف أقاليم السودان يقول خضر عبد الكريم، مقرر اللجنة للإتصالات الداخلية:


لقد قمنا بالإتصال ببعض التجمعات والإتحادات في مختلف أقاليم السودان ، مراعاة في أن لا تكون هذه الإتصالات محصورة في نطاق العاصمة القومية وحدها .. طالما أن الحقيقة تهم كل الناس ، فيجب أن لا تمر هذه المناسبة ، دون أن يشارك فيها كل الناس من إتحادات ، وتجمعات ، علي نطاق القطر .. ونحاول أن نستغل هذه المناسبة في كل مدينة ، وبلدة ، وقرية ، ليصبح الإحتفال قومياً ، ومن هذا المنطلق فإننا نطلب من كل مجموعة في كل مدينة أو إقليم من أقاليم السودان المختلفة ، ونرجو الإطلاع علي البرنامج ، والإتصال بنا ، ونحن من جانبنا سوف نقوم بمعاونتهم في الجانب الفني.

المعرض تجسيد واستنطاق للفكر


ويتحدث د. عبد الله بولا عن المعرض قائلاً:
قصدنا من المعرض أن يكون متمشياً مع توجهاتنا الأساسية ؛ تجسيداً للمفكر ، واستنطاقاً للفكر .. وبالتالي سنعنى بكل ما يحتوي عليه فكر الأستاذ محمود ، وعلي ما يقع في مضمار الفكر ومضمار إحترام التعدد الثقافي والديني والعرقي لدينا ، وما يقع في مضمار تجديد الفكر الإسلامي ، وتوسيع الآفاق والإبتعاد عن التعصب الديني ، وكل أشكال العنف الفكري والجسدي ، بمعنى أننا لسنا بصدد الترويج لأفكار الأستاذ محمود ، فهذا يخص الجمهوريين ، ونحن نقوم به بقدر ما نريد أن نعبر عن حقهم وحق غيرهم في التفكير ، واهتمامنا بحرية الفكر في فكرهم ، واهتمامنا جميعاً بهذه الصورة التي تحتوي علي تمجيد مفكر لديه جهده في ساحة الفكر السوداني . وكذلك سيحتوي المعرض علي مقتطفات من أقوال الأستاذ محمود متعلقة بموقفه من قضايا كلها في الأصل تصب في قضية جوهرية ، وهي قضية حرية الفكر .. وعلي سبيل المثال ؛ موقفه من المرأة .. من الطفل .. من قضية الجنوب .. من قضية تعدد الأديان .. من قضية الحريات الأساسية .. ومقتطفات من مساهماته الفكرية الأكثر عمومية مثل : الفن ، والأدب ، والثقافة ، وهكذا .. وسيحتوي المعرض علي سيرته الذاتية وما يحتويها من البساطة ؛ في المسكن ، والملبس ، والمأكل ، والتي تعتبر نموذجاً لحياة مفكر ملتزم بمنهجه ، بالإضافة إلي صور و رسـومات عن وقائع المحكمة ، وبعض كتبه الأساسية .. وعلي صور فوتوغرافية .. ويعتبر المعرض من أهم البرامج الموضوعة ، لذا ندعو المشاهد لزيارته.

تمويل الإحتفاء من جهد المتبرعين


وفيما يتعلق بتمويل هذا النشاط يقول د . مروان حامد الرشيد ؛ مقرر اللجنة المالية:
نحن نعتمد علي التبرعات التي تصلنا بصورة تدعو للإعجاب ، والفخر ، والإعزاز .. من شركات ، وأفراد ، من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية ، ومنهم من يختلف مع الأستاذ محمود في فكره ، لكنه تبرع تبرعاً سخياً ، لأن المناسبة مناسبة جليلة ، هي الإحتفاء بشهيد الفكر ، و لكونه أيضاً مفكر سوداني واجه بشجاعة و ثبات عظيمين حبل المشنقة ، ليثبت لمن أتي خلفه حق المفكر في أن يفكر وأن ينشر ذلك الفكر ..
ويستطرد د. مروان الرشيد قائلاً : لقد وصلنا الدعم المالي من السودانيين من مختلف القطاعات ، و يرون في الإحتفاء بالأستاذ محمود تثبيت حق الفكر ، وضرورة حماية المفكرين من عبث الحكام.. ولم تواجهنا أي معوقات في جمع التبرعات ، بل العكس كنا نقصد بعض الأفراد للتبرع ، فيعرضون علينا إستعدادهم لمساعدتنا بشتى الوسائل المتاحة ، والغير متوفرة لدينا ، ويعرضون علينا أصدقاء ومعارف لنتصل بهم في جمع التبرعات لإنجاح هذه المناسبة .. وهناك بعض الأصوات التي تحاول أن تشكك في أهدافنا ، وهي أصوات من عارض خط فكر الأستاذ محمود ، ومنهم من شارك مشاركة فعلية في محاكمة الفكر ، وفي إغتيال الشهيد في تلك الأيام الداكنة ، ولكننا لم نلتفت لهذه الأصوات ، لأننا لسنا بصدد معاداة أحد ، أو الدخول مع أي جهة سياسية أو غير سياسية في معارك لا تخدم الغرض الذي من أجله تكونت اللجنة القومية .
ويضيف د. مروان حامد الرشيد:
أنه يود لو أن رئيس المجلس العسكري الإنتقالي والذي قام و لموقف إنساني برد منزل تاجر حشيش لأبنائه ، أن يقوم في هذه المناسبة بإرجاع منزل الأستاذ محمود لذويه وهو منزل " جالوص " لا يسمن ولا يغني من جوع ..


جريدة الأيام | صفحة 4
17 يناير 1986
7 جمادى الأولى 1406