إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
وما اغتال محمودا دهر خئون وإنما قضاة تالفون وحاكم فاجر
اليوم 18 يناير 2013 ، هذا يعني مرور 28 عاما على إعدام شهيد الفكر والدين والأدب والثقافة والفن .. محمود محمد طه الذي أعدمه جعفر نميري بتهمة الردة ، ولو كانت لجعفر نميري جريرة واحدة إقترفها بحق السودان والسودانيين لكانت جريرة إعدام محمود محمد طه ذلك الشيخ الجليل الطاعن في السن ” 1909 -1985 ” ورغم سنه ظل كل عمره ثابتا راسخا على مبادئه محتقرا كل أعدائه وقتلته .
وكما جاء في ” ويكيبيديا الموسوعة الحرة ” فإن محمود مفكر سوداني أصيل متصالح جدا مع نفسه ومع الآخرين ، رجل لا نجد له مثيلا ، وقد حسبت أسماء محمود في عائلتي وجدتها ما يقرب من ثلاثين إسما .
قال الأديب الأريب د. منصور خالد في رثائه لمحمود : إن إغتيال محمود محمد طه شهيد الفكر لرزء أكبر من توفيه الدموع السواجم ، وما إغتال محمودا دهر خئون ، وإنما إنتاشته سهام صدئة أطلقها قضاة تالفون ، ودعاة عاطبون ، وحاكم فاجر معتل العقل ، آن له أن يلجم .
لقد ذهب محمود إلى رحاب الله وهو راض عيناه في السماء ، وكيف لا يرضى وهو الرجل الذي يودع فلذة كبده وعينه لا تدمع وهو يقول لمن جاء لعزائه: لقد ذهب إبني إلى أب أرحم بينما ذهب نميري غير مأسوف عليه .
تذكرت كلمات الرسول محمد ”صلى الله عليه وسلم” عندما فقد إبنه إبراهيم ”إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون” وتذكرت كلمات الأستاذ محمود عندما فقد ابنه ” محمد” غرقا ، تذكرت ذلك عندما إفتقدت زوجتي حوريه حسن حاكم ولم يتعد عمرها ال 45 عاما فقلت لكل المعزين ”لقد ذهبت زوجتي لكنف أب أرحم مني” .
وأغتنمها مناسبة لأجدد العزاء لزوجته ”آمنة” ولبنتيه أسماء وسمية ، ولكافة حواريه ومحبيه وأعضاء حزبه الجمهوري .
صحيح رحل نميري وغيره من الجلادين ولكن ماذا تركوا ؟ مآسي بحجم السودان ، وصحيح أيضا رحل محمود ولكن ماذا ترك لنا ؟ سيرة عطرة ومخزون لا ينضب من الفكر الديني الواعي والعديد من الكتب والمحاضرات والندوات والكثير من الأنشطة السياسية والعلمية والثقافية من أجل السودان .
يكفي أن نعرف أنه كان أول سجين سياسي في الحركة الوطنية ضد الإستعمار الإنكليزي المصري في شهر يونيو عام 1946 ، وعندما صدرت قوانين سبتمبر 1983 تم إعتقال محمود ومعه ما يقرب من الخمسين من الأخوان والأخوات الجمهوريين لمد ة ثمانية عشر شهرا .
لست جمهوريا ولكني أتشرف وافتخر بانتمائي لهذا الرجل ”الفلتة” الإنسان الحكيم البارع الحنون الرائع ، وما زلت أحتفظ تحت ” مخدتي ” بمنشور : هذا أو الطوفان ؟