إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
في ذكرى إعدام الأستاذ محمود محمد طه .. وذكريات تلك الأيام
علي عبدالله حسن
١٨ يناير ٢٠١٣ م
في البداية إنني أتعجب أن الجمهوريين لم ينسوا الأستاذ محمود محمد طه حتى بعد مضي أكثر من ربع قرن (27 سنة) على إعدامه.
أحاول أن أسترجع بعضاً من شريط ذكريات تلك الأيام من أخريات نظام الرئيس السابق جعفر محمد نميري. فقد كنت شاهداً على الأحداث التي جرت منذ أوائل الثمانينات وحتى تنفيذ حكم الإعدام في الأستاذ محمود محمد طه. حيث كنت في ذلك الوقت طالباً بكلية التربية جامعة الخرطوم.
وكما هو معلوم لدى الكثيرين فقد كانت محاكمة الأستاذ محمود محمد طه محاكمة سياسية في المقام الأول. فقد كان الجمهوريون يمثلون حجر عثرة أمام الإخوان المسلمين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الهيمنة الكاملة على الدولة السودانية بعد أن نجحوا في (أسلمة) نظام مايو وجعلوا النميري إماماً للمسلمين ولم يبق لهم إلا قليل جهد للسيطرة على السلطة وحكم السودان.ولكن الجمهوريون كانوا يعكرون الجو على الإخوان المسلمين ويهددون بإفشال كل مخططاتهم للسيطرة على السلطة في السودان. خاصة بعد أن بدأ الجمهوريون في شن حملات عنيفة ضد قوانين سبتمبر 1983 وإصدار كتيب (هذا أو الطوفان). هنا أوعز الترابي بمكره ودهائه للرئيس نميري بإعدام محمود محمد طه. وطبعاً حيثيات الإعدام جاهزة ( الردة عن دين الإسلام). وهذا ما تم في محكمة المهلاوي ثم المكاشفي.
لقد أدهشني بكل صراحة شجاعة الأستاذ محمود محمد طه ففي محاكمته لم يتخلف عن الجلسة ولم يكلف محاميابل ذهب هو بنفسه للمحكمة وهو يعلم جيداً إن حكم المحكمة سوف يكون الإعدام بسبب الردة. والأغرب من هذا وهو في المحكمة يقول للقاضي:إن قوانين سبتمبر مخالفة للإسلام وأن القضاة غير مؤهلين وقد إستخدمتهم السلطة لبطش الشعب. وبعد صدور حكم الإعدام رفض محمود كل الدعوات للرجوع عن أفكاره حتى يعفو عنه النميري.
وأذكر جيداً ندوة الأحزاب السياسية في الميدان الشرقي بعد الإنتفاضة مباشرة. وقد تحدثت في هذه الندوة الأستاذة أسماء محمود محمد طه التي ألقت خطاباً قوياًوأتذكر تلك العبارة المؤثرة في خطابها عندما قالت (لقد قتلوا محمود ولكن كلنا محمود) ومن دون أن أشعر وجدت نفسي أصفق مع الناس تصفيقاً حاراً. ولست أدري لماذا إختفت أسماء محمود محمد طه عن الساحة السودانية بعد مقتل والدها.
أتذكر أول مداخلة لي في ركن نقاش الجمهوريين عندما كنت برليماً جديداً في الجامعة وكان مدير الركن أنذاك العملاق الدكتور عمر القراي وموضوع النقاش المساواة بين الرجل والمرأة.تحدث عمر القراي عن النصوص والتشريعات الخاصة بالمرأة في الإسلام وأن المرأة في الجاهلية كانت أمية وضعيفة وفي حاجة للرجل للدفاع عنها... إلخ ثم فتح الفرصة للنقاش وعلى الفور رفعت أصبعي وأعطاني الفرصة للرد فقلت وأنا أتحدث بكل حماس وبشئ من التشنج والإنفعال: ( الله سبحانه وتعالى لم يساوي بين الرجل والمرأة تجو إنتو الجمهوريين تساوو بين الرجل والمرأة؟ يقول الله تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) ويقول تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)..ويقول تعالى ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى). تقول لي علم المرأة والمرأة في زمن الجاهلية؟ الله سبحانه وتعالى لم يقل ذلك في كتابه الكريم بل وضع أحكاماً صالحة لكل زمان ومكان.) ..وكنت واثق من نفسي بهزيمة عمر القراي فآيات القرآن واضحة في عدم المساواة بين الرجل والمرأة وقلت في نفسي (سوف أحاصره بهذه الآيات فأين له من مخرج اليوم؟).. ولكن هل لكم أن تتصورا إ نه مع تسلحي بهذه الآيات وبأحاديث صحيحة فإن عمر القراي أستطاع أن يهزمني هزيمة نكراء وفي خلال دقائق معدودة؟ بل جعلني أضحكوكة أمام الطلاب الحضور. ومنذ ذلك اليوم قررت عدم مناقشة عمر القراي أو أحمد دالي في ركن نقاش عام. وهزيمتي في ذلك الركن بدأت عندما وجه إلي عمر القراي السؤال التالي: أيهما أفضل عائشة أم المؤمنين أم أبوجهل؟ وطبعاً حاولت أن أزوغ من هذا السؤال لأنني أعرف تماماً أن الإجابة على هذا السؤال معناها الهزيمة. ولكن مع أي محاولة للزوغان كان عمر القراي يصر على السؤال : يا أخي جاوب على سؤالي أيهما أفضل عائشة أم المؤمنين أم أبو جهل؟ وأمام إصراره وضحك الحضور أجبت: نعم عائشة أم المؤمنين أفضل من أبو جهل. فسألني مرة أخرى: لماذا؟ قلت: بسبب الإيمان. ثم السؤال قاصمة الظهر: وعائشة إمرأة وأبوجهل رجل؟