إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
ننساق بشكل غير مفهوم ولا عادل وراء احكام و اقوال يقتضى منا المنطق.. و تقتضى الحقيقة مراجعتها بين الفينة و الاخرى للوقوف على حقيقة ما نسلم به .. حتى لا نجمع فى قاعدة بياناتنا العقلية ما يجافى الصواب الذى نوجه عقولنا تجاهه فلو اخذنا شهيد الفكر الانسانى محمود محمد طه نموذجا على اختلاط المعقول باللامعقول فى حياة هذا الرجل الانسان الذى اعدم شنقا لقاء فكر تبناه و عاشه.. و اخذنا نوازن بين محنته و محنة الكثيرين من العلماء و المفكرين والمثقفين الذين واجهوا نفس المصير.. مع اختلاف المواقف من هذا العالم او ذاك.. اى ان ما ينقل او يقال عبر وسائل التوثيق و التاريخ لا يرتقى لمستوى من الموضوعية تركن اليه بحيث تكون الواقعة ذاتها مطابق للخبر المنقول عنها فالذى اشيع عن الاستاد محمود و وقر فى عقول الكثيرين لدرجة اليقين.. هو امر كبير اوصله الى حد التصفية الجسدية - الاعدام - و هذا امر مخيف يزلزل هاجس المفكر و المثقف على العموم اذا اراد ان ينحو منحى محمود فى التفكير الحر.. فالرجل - عرف مستقيما فكريا طوال سنين حياته العامرة.. كيف لا و هو القائل بان الانسان الحر هو الذى يفكر كما يريد.. و يقول كما يفكر.. و يعمل كما يقول.. ثم لا تكون عاقبة ذلك الا خيرا للبشر.. فالرجل لم يكن نبيا ولا رسولا.. و انما بشر مثل غيره من خلق الله.. اعطاه الله البصيرة النافذة.. و العقل الراجح.. و القلب الدافئ.. فتململ عندئذ داخل داخل حبسه الصوفى و اناه المغرقة بالعزلة.. و خرج للناس على محفة العقل والحوار والحجة والحكمة و الموعظة الحسنة.. و بلسان الحال .. قبل المقال.. لا بلباس التصوف و الدروشة و المسكنة .. ووجد ان حال الناس فى وطنه من ضنك المعيشة و ضيق الحال .. و البؤس الفكرى.. والاستغلال باسم الدين.. ما لا يمكن السكوت عليه فبدات عندها مواجهات الرجل مع الحكام و المسؤلين و من يسمون انفسهم برجال الدين.. و من طائفيين بكافة اشكالهم قدماء مثل الانصار و الختمية وحديثين مثل الاخوان المسلمين بكافة مسمياتهم فى البدء بث الاستاذ محمود فى من حوله من الاتباع انسام الحرية.. و كيفية مواجهة الظلمة من الحكام و المسؤلين و المتدثرين بدثار الدين.. و التغلغل داخل الخفايا فى الراهن السياسى و الاقتصادى انذاك..فتنبه له كل اهل السياسة و اهل ما يسمى بالحل و الربط و ادركوا ان هذا الرجل بافكاره الجديدة و الجريئة يشكل خطرا على مراكزهم ووجاهتهم و مواقفهم التى يتسلطون منها على رقاب الناس.. و تيقن لهم ان محمود تمكن من قلوب الناس المحرومين و المعوزين للمعرفة حتى بات يشكل فى قناعاتهم المنقذ لهم مما هم فيه.. و فى ذلك خطر على الامتيازات الخيالية التى كانت لهم اذا اصبح بقاء الرجل و فكره خطرا كبيرا على كل ما هو قديم .. فلا بد من اقتلاع شوكته.. هذا ما طغى على تفكير خصومه الفاسدين و المفسدين.. فراحوا يشوهون افكار الرحل.. و راحوا يكيلون التهم تلو التهم من رفع للصلاة الى ادعاء للنبوءة الى التشيع.. الخ من التهم الجاهزة.. ولما كان القضاء مسيسا فقد وقعت الطامة الكبرى. حيث غامر احد القضاء خفيفى الوزن و الخلق بتجريم الرجل.. و الحكم عليه بالموت.. و دفع الرجل ثمنا لمواقفه ضد الظلم و الفساد باشكاله و استعباد الناس نقف قليلا الان و نوازن ما بين ما قيل عن الرجل من زندقة و عن خروج من الملة و عن فساد فى العقيدة.. وما يميل اليه المنطق من ان الرجل ظلم لقاء نصرته للضعفاء و المظلومين الذين كان يطحنهم الواقع السودانى.. و موقفه الصارم بعد ذلك فى الجهر بالحق فى وجوه الفاسدين من الحكام و المسؤلين.. واقول فى هذه الذكرى لماذا لا نعيد قراءة التاريخ من جديد ونبدا فى استعادة تاريخنا الاجتماعى و الثقافى من هيمنة قوى الظلام عليه؟.. و نعيد النظر فى كثير من الوقائع التى ما زال البعض منا يسلم بصدقها..بينما المنطق عند التدين الحق يجافيها.. الا يدفع المثقف ثمنا باهظا لقاء موقفه و تفكيره و رايه من تجبر الاخر و تغوله عليه؟ و ما اشبه الليلة بالبارحة حين نستعرض معاناة من مروا بمحنة الاستاذ..نعرف فكرهم النير.. و عقلهم الراجح .. و رؤاهم الباصرة.. لندرك انهم يمرون باختبار قاس مع جلاوزة الحكام كما حصل مع الاستاذ و غيره.. الا يحرك هذا فينا مقبس من نور لنعيد قراءة تلك الوقائع التى اغتيل اصحابها ظلما فى حين ان بعضا منا ما زال يسلم بسلامة الرواية الشيطانية للتاريخ؟