إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأيام تحاور فاروق أبوعيسى
الأمين العام لإتحاد المحامين العرب

أجرى الحوار : عبد الرحمن الأمين


جريدة الأيام - ١٧ يناير ١٩٨٦

وقفنا بشدة ضد إغتيال محمود محمد طه



هذا اللقاء تم علي مراحل متفاوتة ، وفي مساحات من الزمن لم تتصل ، فالرجل مشغولياته كثيرة ، وهو لا يكاد يفرغ من عمل حتى يدخل في دوامة عمل آخر .. حديثنا معه قطعه رنين التلفون مرات عديدة ، وأنصت وأستمع لنا رغم الإعياء الشديد البادي عليه ، والذي كان يحاول أن يداريه تلطفاً .. هو الأستاذ فاروق أبو عيسي الرجل العلم ، والقانوني البارع .. صال وجال مدافعاً عن حقوق وحريات الإنسان ، حتي وصل به المطاف ليكون أميناً عاماً لإتحاد المحامين العرب.
حوارنا معه تناول حقوق الإنسان في العالم العربي بصفة عامة ، وفي السودان علي وجه الخصوص .. ناقشنا معه قوانين سبتمبر، وقوانين أمن الدولة ، وكافة القوانين المقيدة للحريات ، ومحاكمات أبريل ، وقضية شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه ، ومعتقلي الصومال و دور الإتحاد في الدفاع عنهم .

إعدام الأستاذ محمود محمد طه :


ما هو موقف الإتحاد من إعدام الأستاذ محمود محمد طه ؟
ــ موقف إتحاد المحامين العرب مع منظمات عربية ؛ كالمنظمة العربية لحقوق الإنسان .. ونقابة المحامين المصريين ، وغيرهما ، كان موقفاً مبدئياً ، ينطلق من تقديس حق الفرد في حرية الرأي والعقيدة ، وأن ما إتهم به الأستاذ محمود كان انتهاكاً لهذا الحق ، وبداية لتصفية الخصوم السياسيين ، وقهر المعارضة المتنامية للنظام المباد .. وأن ما ورد في المنشور المنسوب للأستاذ والصادر عن الحزب الجمهوري ، كان رأياً سياسياً ينتصر لضمير الشعب السوداني ويعبر عن موقفه الرافض لتشريعات سبتمبر القهرية ، لأنها في شكلها وجوهرها معادية للإسلام وتعاليمه .
من جانبنا نظمنا حملة عالمية لكشف تلك المهزلة ، علي النطاقين العربي والدولي ، بالتعاون مع العديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا حقوق الإنسان .. كما قمنا بإرسال مجموعة من كبار المحامين المصريين المتفقهين في تعاليم الشريعة الإسلامية عن إتحاد المحامين العرب ، ليتعاونوا مع نقابة المحامين السودانيين في الدفاع عن الأستاذ محمود .. إلا أن المسرحية المهزلة لم تستغرق سوى ساعات قليلة .. فإن وفدنا لم يتمكن من حضور المحاكمة ، إلا أنهم قاموا بالإتصال بالعديد من المسئولين في العهد السابق ، بالتعاون مع نقابة المحامين السودانيين مطالبين بوقف الإجراءات ، وإنقاذ حياة الأستاذ محمود ، الذي كنا علي اقتناع تام بأن تلك السلطة الدموية كانت قد قررت إعدامه سلفاً وقبل البدء في إجراءات ما أسموه بالمحاكمة ، لمسلسل تصفيات جسدية للعديد من القيادات السياسية المناهضة لذلك النظام .. ولما قوبلت جهودنا بأذن صماء ، عاد وفدنا لمقر الإتحاد بالقاهرة ، وعقد مؤتمراً صحفياً كبيراً ، حضره كل مندوبي الصحافة العربية ، والعالمية ، وكشف فيه رئيس الوفد المغفور له الأستاذ محمد المسماري المحامي ، وأحد الزعماء البارزين للاخوان المسلمين ما أسماه بالجريمة النكراء ضد حقوق المواطن وحرياته بإسم الإسلام، وأكدّ أن المنشور الذي حوكم الأستاذ محمود بناء عليه ، ليس فيه مساس بالإسلام أو تعالميه ، بل هو إنتصار لجوهر الإسلام ، وأن المعادي الحقيقي لتعاليم الإسلام ، هو تشريعات سبتمبر التي حوكم الأستاذ بمقتضاها ، وأنه إذا ما تمَّ إعدام الأستاذ بحكم من تلك المحكمة غير المؤهلة ، وبموجب تلك القوانين ، فسيكون ذلك إغتيالاً ، وقتلاً عمداً ، من قِبل السلطة لشخص لم يفعل سوى أنه عبر عن رأيه في تلك القوانين الشوهاء .
وهكذا واصلنا الحملة ، لنحول دون حكم الإعدام ، وإنقاذ حياة الأستاذ .. وذهبت بشخصي إلي الأمم المتحدة ، وخاطبت لجنة حقوق الإنسان التابعة لها ، وأستصدرنا منها قراراً إيجابياً بهذا الشأن .. ولكن كما هو معروف فإن النظام المباد كان قد أصم أذنيه عن كل هذه الحملة .. ونفـَّذ في خسةٍ ، و وضاعة ، ما كان مبيتاً سلفاً .. فاغتالوا المفكر الشجاع ، جهاراً ، نهاراً ، وهكذا اغتالوا حقوق المواطنين السودانيين وحرياتهم ، وأساءوا لسمعة السودان.
لذا قررت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن يكون يوم 18 يناير (يـوم إستشهاد الأستاذ محمود) يـوماً لحقوق الإنسان العربي .. وفي هذا العام قررت اللجنة التحضيرية للإحتفال باستشهاد الأستاذ ، أن تدعو بعض قيادات المنظمة العربية ، ومن بينهم الأستاذ فتحي رضوان ، كما سيشارك إتحاد المحامين العرب ، ونقابة المحامين المصريين ، والعديد من المفكرين العرب في هذه المناسبة ، من أجل تأكيد ديمقراطية ، و احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، باعتبار ذلك الضمانة الأولي لاستقرار وتقدم الشعوب العربية .

جريدة الأيام - 17 يناير 1986
7 جمادى الأولى 1406 هـ