إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

في الذكرى (٢٥) لاستشهاد الأستاذ/ محمود محمد طه
ملامح للنزعات التقدمية في الفكر الجمهوري

عبد الفتاح بيضاب


الحوار المتمدن - العدد: ٢٨٩٦ - ٢٠١٠ / ١ / ٢٢

إن الوقفة العميقة والمتأنية تفرضها الضرورات الموضوعية للتاريخ البشري بحكم الوقت المتمثل اليوم في نضج المجتمع واستوائه بطاقته الفكرية والمادية والنظرة الكونية للقضايا الإنسانية والتي كان صاحب الفكرة أحد روادها ، ولكي يضحى حقاً للإسلام في شمول القرآن لكافة الأديان والشرائح والسنن المعاصرة والتأصيل والقراءة غير الصامتة بالمنهج الجمهوري ارتكازا على مبدأ الناسخ (الفرع) والمنسوخ (الأصل) أي بعبارة أخرى حين تعذر تحقيق النبؤة الأحمدية في دعوة (الإسلام) ولم تجد الاستجابة وقتذاك لقصور مجتمع مكة، أما بعد الهجرة للمدينة كانت الدعوة( للإيمان) تتلقفها قبائل يثرب (المدينة) لأنها جاءت بالأمر المطاع، في الرحلة المقدرة بسنوات ضوئية بين الإيمان المتمثل في النصوص المدنية والإسلام والذي مثلته الآيات المكية أو قل من الإكراه للاسماح على الترتيب إن شئت الدقة ، وفي كلاهما نبي واحد ودين واحد، لكن تطور المجتمعات والعقل البشري بإرادة الحياة وإرادة الحرية (تكميلاً) بالانتقال الواعى لمرحلة (العلم) والمسئولية متوائمة مع متغيرات العصر وتقدمه التقني وثورته المعرفية حتى لا نجمد فهم المتدين في حدود (العقيدة) بالجبرية، لتظل المجتمعات المسلمة تحتجب بالغيب تعليلا للتكلس بضعف التصور والذي عند بعضا من الطوائف والملل والتي تدعو للدين أو به لم تتجاوز بكثير الأطوار السحرية لاستيعاب النص في سطحية مخجلة لأبعد حدا والعالم وبشريته في حاجة ماسة للحضور الكثيف للإرادة بالمعرفة والمنهج العلمي (ولعل) ما أثار ضجة كبرى نحو الفكر الجمهوري أو الأستاذ محمود محمد طه هي تلك السطحية لفهم أطروحة الرسالة الثانية فهي مجرد (دعوة) إسلامية جديدة لكنها أرعبت الأصنام الجديدة أو دعاة الإسلام السياسي وأربكتهم أيما إرباك لأنها من (ناحية) : نقلت نوعاً وكماً كل المتعارف عليه في الدعوة للإسلام في اتجاها علميا لم يسبق له مثيل، ومن ناحية (أخرى) كانت النزعات التقدمية في الفكر الجمهوري تهدد مصالح الاتجاهات الاستغلالية: في الحكم بالحق الإلهي (الثيوقراطية) تحقيقاً لمنافع دنيوية في اتخاذ الرأسمالية، أو الاستعلاء النوعي بدونية المرأة، أو الديني في إنكار الديانات الإبراهيمية الأخرى أو الإبقاء على التفوق العنصري بالعروبة أو ما شابه عند التيارات السياسية المتأسلمة ، والتي لحسن الحظ أو لسوئه لا ندري في عرمتها السلطوية تصادف العصر الزاهر انتشار (الدعوة الجديدة) محكمة الردة 1968 والتي وقتها كان التباري على ذروته عند الرجعية الدينية والسياسية الطارفة والتليدة بدعوة الدستور الإسلامي، أو من ثم عقب المصالحة (1977) بين العسكر والحركة الإسلامية وهي تشد الرحال على صوت الاستعمار الجديد المتمثل في السياسة المصرفية (البنوك الإسلامية) وقتذاك كان ليس لها من بد إلا تدبير المؤامرة الدنيئة عقب القوانين المسماة إسلامية (1983) لاغتيال المفكر الفذ والقامة الوطنية وفي يناير (1985) تم لها ما تريد ، والمريب حقاً ، أن القتلة الآن ينادون بلا استحياء (بتجديد الفكر الديني) بين يدي الناس الآن لقاء في حلقات مطولة بجريدة أجراس الحرية الغراء مع الأستاذ النيل أبو قرون ، وتحت عين الناس كتاب للدكتور حسن الترابي (السياسة والحكم) وفي عنوانه المصغر (النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) فيهما الكثير من الأطروحات التي نادى بها الشهيد (محمود محمد طه) ولولا العناية لاختلط علينا الحابل بالنابل، حتى نكاد نسأل من القاتل والمقتول ومن الرهينة !!!؟ يظل من العسير جداً سبر أغوار الفكرة الجمهورية ويعود ذلك لجهلنا بمعنى (وسطية الإسلام) وهو يبين وأنت تطالع القواعد والرؤى في المنطق الهندسي للأستاذ في تفسيره للوسطية وبما أنها الإطار والمرتكز (نقف) لنعمق الرؤية بما يمكن دخول دهاليز وطقوس الفكرة ولما لم نقض منها وطراً لابد من الإشارة لمغازلة بعض من الملامح التقدمية بما تيسر لنا من مادة للقراءة فمثلاً: تحت عنوان : (الاشتراكية والديمقراطية ، ليستا في الشريعة ولكنهما في ديننا) كتب يقول : الدعوة الإسلامية الجديدة بالمستوى دا - ويقصد الرسالة الثانية: -هو ذخيرة البشرية وهو ما تحتاجه البشرية منذ اليوم ، في مستوى الاقتصاد للبشرية فيه الاشتراكية، .. وفي مستوى السياسة ليها فيه الديمقراطية ، عندما تجئ الاشتراكية والديمقراطية ، تنشأ ، كوليد بين الاثنين ، العدالة الاجتماعية ، وهي تعني تقارب الناس في الطبقات في أول الأمر ، وتعني محو الطبقات في آخر الأمر). (- الإسلام وإنسانية القرن العشرين صفحة29).
وفي كتابه (الأم) الإسلام في طبعته الثانية المؤرخ لها 8/1968 وتحت عنوان المساواة إقرأ : (العمدة في التطوير أمران ، حاجة المجتمع الحاضر ، وروح الإسلام ، كما كان يعيشها المعصوم ، فهي الحرية الفردية المطلقة ، حاجة المجتمع الحاضر في العدالة الاجتماعية الشاملة ، ولا تتم العدالة الاجتماعية الشاملة إلا إذا قامت على ثلاث مساويات : المساواة الاقتصادية، والمساواة السياسية، والمساواة الاجتماعية، فأما المساواة الاقتصادية فهي أن يكون هناك حد أعلى لدخول الأفراد، وحد أدنى، على أن يكون الحد الأدنى مكفولاً لجميع المواطنين ، بما في ذلك الأطفال والعجائز، والعاجزين عن الإنتاج، وأن يكون كافياً ليعيش المواطن معيشة تحفظ كرامته البشرية، و أن لا يكون الفرق بين الحد الأدنى والحد الأعلى اكبر من سبعة الأضعاف ، حتى لا يكون هناك تفاوت (طبقي) ، يجعل الطبقة العليا تستنكف أن تتزاوج مع الطبقة السفلى، وتحقيق المساواة الاقتصادية (بالاشتراكية) وهي عبارة عن زيادة الإنتاج باستخدام الآلة، وبتجويد الخبرة الإدارية والفنية ثم عدالة توزيع هذا الإنتاج ، على الأسس التي سبق ذكرها ، ولا تقوم الاشتراكية إلا على تحديد الملكية الفردية ( بما لا يتعدي إلى وسائل الإنتاج ) فللمواطن الحق أن يملك المنزل و الحديقة حوله والأثاث داخله والسيارة وما إلى ذلك ، مما لا يتعدي إلى ملكية الأرض أو المصنع أو أي من وسائل الإنتاج ، و حتى في هذه الحدود الضيقة ، تكون الملكية ملكية ارتفاق لا ملكية عين ، وهذا يعني أن ينتقل التشريع من آية الزكاة الصغرى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصل عليهم) إلى آية الزكاة الكبرى (يسألونك ماذا ينفقون ؟ قل العفو !! ) والعفو كل ما زاد عن حاجتك الحاضرة، من غير ادخار ولا كنز ، وهذا ما كان يفعله المعصوم ، وهو روح الإسلام، ويجب أن يكون مفهوماً إن الملكية الفردية تحدد بما حددناها به ، لتكون (الملكية للجماعة)، وليست للدولة، وفي ذلك احتراز من نشوء الحكومة المركزية، القوية، ذات الإدارة المتشعبة ، الكبيرة المتغولة ، التي تفوت على الناس فرص المساواة السياسية في سبيل المساواة الاقتصادية والملكية للجماعة تدار بأساليب التعاون، يقوم الناس فيها بخدمة أنفسهم، لا ينتظرون من الدولة إلا التدريب المهني والإدارة والمشورة الفنية والإشراف العام المنسق للتعاون بين أجزاء القطر المختلفة، كل أمر يستطيع الناس احرازه بدون (الدولة) يترك لهم أداؤه ، وتتبع المساواة الاقتصادية المساواة في جميع الفرص وجميع الحقوق وأما المساواة السياسية فأن يكون لكل مواطن أو مواطنة فوق سن العشرون مثلاً ، حق اختيار من يقومون بإدارة حكومتهم المحلية والمركزية ووسائلهم الإنتاجية على نحو متساو ، فإذا ما تمت المساواة الاقتصادية والمساواة السياسية فإن المساواة الاجتماعية تصبح (كالنتيجة) التي تتبع (المقدمة) اللهم إلا مسائل يسيرة تتوقف على الرأي العام في المجتمع ، وحتى هذا فإن (المقدمات) التي تنتج (عن) المساواة الاقتصادية والمساواة السياسية تجعله (يتبع) بعد حين يطول أو يقصر ولكنه يأتي على التحقيق، وسيكون واجب الدولة توجيه التطور وحفزه وذلك بالتعليم والتثقيف حتى يكتسب الرأي العام حرية وإسماحاً يجعلانه لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة ما دامت هذه الأنماط تتسامى إلى الرفقة والتجويد) (الإسلام الطبعة الثانية ص 36 - 39).
وتأدباً نكتفي بهذا بلا مداخلة أو تعليق ، لأن دوماً من فضائل الأشياء حسن خواتيمها ، ولكن لابد من التحية لأرواح شهداء الثورة السودانية جميعاً فليمثلهم هذا الأستاذ (محمود محمد طه) على (صدى) الذكرى (25) لاستشهاده و(صوت) تقديم رجل عمره فوق (75) عام لحبل المشنقة.



[url]http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=200491[/url]