إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعقيب على الطيب مصطفى: عندما يتطاول الأقزام!! (١-٣)

د. عمر القراي


تعقيب على الطيب مصطفى: عندما يتطاول الأقزام!! (1-3)


د. عمر القراي


لم أر في الآونة الأخيرة، رجلاً منذور الحظ من الحساسية، متبلد الشعور، غث العبارة، يتمتع بقدر مهول من السماجة، والفظاظة، وقلة الذكاء الفطري، مثل الطيب مصطفى، صاحب صحيفة "الانتباهة" . أسمعه وهو يقدم نصيحة، للاستاذة أسماء محمود محمد طه: ( أود أن انصح اسماء محمود محمد طه بأن تنعتق من زمرة شياطين الإنس فقد قرأت أنها مع كثيرين غيرها خرجت من قيد والدها الهالك بمجرد ان جندل
وسقط في مزبلة التاريخ فهلا تبرأت من والدها كما تبرأ ابراهيم الخليل من أبيه آزر) !! (الإنتباهة العدد 1479 بتاريخ 10 يناير 2010م). فهل يمكن لرجل به مسكة عقل، أن ينصح إمرأة واعية، يريد لها ان تنتفع بنصيحته، وتستجيب لها، يحدثها بأن أباها (سقط في مزبلة التاريخ)، ويريد لها ان تقبل كلامه، كناصح أمين، وهو يقول عن أبيها (الهالك) ؟! أليس من الجلافة، وبداوة الطبع، أن يحدث رجل إمرأة، أي كانت، عن أبيها بهذه الصورة السخيفة ؟! وهل الطيب مصطفى، حسب فهمه المتواضع للدين، مطالب بإتباع سنة ابراهيم عليه السلام، أم سنة محمد صلى الله عليه وسلم ؟! فحين نزل قوله تعالى في شأن المنافقين (أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) جاء (روى العوفي عن أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما نزلت هذه الآية أسمع ربي قد رخص لي فيهم فوالله لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل الله ان يغفر لهم " ... وقال الشعبي لما ثقل عبد الله بن أُبيّ أنطلق ابنه الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان أبي قد إحتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه ... فأنطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق وصلى عليه فقيل له أتصلي عليه ؟ فقال : " إن الله قال "إن تستغفر لهم سبعين مرة" ولأستغفرن لهم سبعين وسبعين وسبعين " وكذا روى عروة بن الزبير ومجاهد بن جبير وقتادة بن دعامة ورواه ابن جرير بأسانيده ) (تفسير ابن كثير – الجزء الثاني ص 360 . دار الحديث: القاهرة) . وحتى إبراهيم لم يبدأ بالتبرؤ من أبيه بل بدأ بالاستغفار له، قال تعالى ( إلا قول ابراهيم لابيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ )، ولم يتبرأ منه الا ¬ بعد أن تأكد له أنه عدو لله .. وحين كانت السنة السائرة، على عهد ابراهيم، أن يتبرأ الشخص من أبيه إذا كان عدو لله ، كانت سنة النبي الكريم، أن يحضر، ويصلي، ويستغفر، لعبد الله بن ابي بن سلول كبير المنافقين، الذي لم يشك احد في عدائه لله ورسوله .. فأي السنتين أحق بالاتباع لو كنتم تعلمون ؟! وهل قدم الطيب مصطفى، واشياخه في الحركة الإسلامية، عبر تاريخها دليلاً واحداً، على أن الاستاذ محمود عدو لله، حتى يطالبوا بالتبرؤ منه، إتباعاً لنهج إبراهيم، وصداً عن نهج محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وهل يستبعد من الطيب مصطفى، وأخوته في المؤتمر الوطني، أن يكفروا الاستاذ محمود، بعد أن كفروا شيخهم، ومرشدهم، لأنه أختلف معهم، حول تقسيم أموال السحت، التي يتجرعونها ولا يسيغونها، من قوت الشعب ودمه ؟! ومع كل ذلك، لم يصف ابراهيم أباه، بهذه العبارات المنتنة، التي يطلقها الطيب مصطفى، بلا رقيب من ضمير، أو خلق .. فلماذا يريد لاسماء ان تقبلها منه، وتستمع لنصيحته ؟! ثم إذا كانت الاستاذة أسماء، قد أنشأت مركزاً ثقافياً، أطلقت عليه إسم والدها، لترفع من ذكره، وتحيي من سيرته الملهمة، لأرفع قيم الدين والبطولة، أليس من البلادة الفطرية ان يقول عنها شخص (فقد قرأت أنها مع كثيرين غيرها خرجت من قيد والدها) ؟! أين قرأت هذه الفرية ، وهل أنت تفهم ما تقرأ ؟! لو كنت تفهم، لحوت صحيفتك البائسة، مناقشة للآراء، والمواقف المخالفة لك، بدلاً من ان تكرر ( كلام ياسر عرمان يفقع المرارة)، ومرة أخرى (تصريح باقان يفقع المرارة )، فأنت دائماً موتور، ومتأذى، من مفاهيم، كان يمكن ان تناقشها وتفندها، لو أنك كنت تفهم ما يقال ويكتب !! يقول الطيب مصطفى ( أريد ان أذكر بأن محمود محمد طه سجن بالفعل من قبل الاستعمار البريطاني لكن هل تعلمون لماذا ؟ أجيب بأن محموداً قد سجن بالفعل لأنه شارك في تظاهرة ضد قرار الاستعمار البريطاني بمنع الختان الفرعوني !! أي الرجل كان من مناصري الختان الفرعوني ولم يخرج لمناهضة الاستعمار البريطاني !! )(الانتباهة 10/1/2010م). وحتى لو سلمنا جدلاً بهذه الحديث الساذج، الذي دلّ به الطيب مصطفى، على جهله المزري بتاريخ هذا البلد، أليس الاعتراض على قرار الاستعمار البريطاني، أي كان هذا القرار، مناهضة للاستعمار ؟! ولماذا لم يترك أشياخ الحركة ¬ الاسلامية، الذين يعتبرهم الطيب مصطفى أئمته وزعماءه، موضوع الختان جانباً، ويعترضوا على قرارات الاستعمارالأخرى، فيسجنوا، لأسباب أخرى، في نفس الوقت، الذي سجن فيه الاستاذ محمود بسبب إعتراضه على قانون الخفاض ؟! أما الحقيقة التي تعامى عنها الطيب مصطفى، فهي أن الاستاذ محمود، سجن قبل حادثة الختان الفرعوني، لكتابة منشورات، وزعت علناً ضد الاستعمار.. فقد جاء ( مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل بالسياسة ولا يوزع منشورات أو يودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك ، ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن وقد اقتيد لتوه الى سجن كوبر) ( صحيفة الرأي العام 3/6/1946م). ولقد كذب الطيب مصطفي، حين قال ان الاستاذ محمود كان يؤيد الختان الفرعوني، فقد جاء في منشور الحزب الجمهوري، الذي كان سابقاً لثورة رفاعة (اننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني ، أو نحلل الاسباب التي اوحت بها لابناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا ، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة إبتدعتها حكومة السودان إبتداعاً وتريد ان تجبرنا على إتباعها) ويمضي المنشور ليقول (إن الخفاض عادة سيئة ولها مضارها المتعددة ، ولكن السودانيين كبقية الشعوب لهم عاداتهم الحسنة ، وعاداتهم السيئة والعادات السيئة لا تحارب بالقوانين وإنما بالتربية والتعليم الواعي .. لا شك ان مجرد التفكير في الإلتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس، تأصل الخفاض الفرعوني، دليل قاطع على ان حكومة السودان، أما ان يكون قد رسخ في ذهنها اننا شعب تستطيع القوة وحدها ان تثنيه عن كل مبدأ ، أوعقيدة أو ان تكون قد ارادت ان تقول للعالم الخارجي، أن السودانيين قوم متعنتون، وان تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ... أما القانون في حد ذاته، فهو قانون أريد به إذلال النفوس، وإهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة .. قل لي بربك أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره ؟ وأي كريم يرضى بأن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيرته للطبيب للكشف ¬ عليهن ؟! عجباً لكم ياواضعي القانون أن تستذلونا باسم القانون ! أومن الرأفة بالفتاة ان تلقوا بكاسبها في السجن ؟! )( منشور الخفاض- الحزب الجمهوري –الأرشيف يونيو 1946م). وإذا كان الطيب مصطفى، لا يقرأ تاريخ الحركة الوطنية، ولا يهتم ليبحث فيه، ألم يقرأ الصحف السودانية في السبعينات، ولو من باب تأهيل نفسه، في مجال الصحافة الذي تقحمه بلا دراية ؟! فقد كتب التجاني عامر، المؤرخ السوداني المعروف، وهو يتحدث عن الاحزاب السودانية ( الحزب الجمهوري: قد يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السودانية بحساب الزمن، وهو أول حزب صغير، يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار، بل بمناجزة وصدام، واسمه يدل على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان ومؤسس الحزب هو الاستاذ محمود محمد طه، الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية، في مستهل حركة النضال ) الى ان يقول ( وقد تعرض محمود للسجن الطويل، في خصومات أيجابية مع الانجليز، منها حادث " الطهارة الفرعونية" في رفاعة، وهو حدث اجتماعي، رفعه محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن) ( صحيفة الصحافة 16/4/1975م). والاستاذ محمود لم يدخل السجن ( لأنه شارك في تظاهرة ضد قرار الاستعمار البريطاني بمنع الختان الفرعوني) كما ذكر الطيب مصطفى زوراً وبهتاناً ، وإنما لأنه قاد ثورة رفاعة، إذ خطب في الناس في مسجد رفاعة، وتقدمهم فعبروا النهر، وحاصروا المركز بالحصاحيصا، وحطموا نوافذه ، واخرجوا المرأة من السجن، ورجعوا بها الى أهلها .. وكانت تلك أول مرة، يرغم فيها الاستعمار، على تكسير قراره ، وتراجع هيبته، حتى انفتح الطريق الى المقاومة الحقيقة، للحكم البريطاني. وتم إعتقال الاستاذ محمود، بعد تدخل الجيش، فقد جاء (جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني برئاسة مفتش المركز ، وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي وقابل المفتش وكموندان البوليس ورجع الى مقر فرقته واعتقل الاستاذ محمود محمد طه وأحضر الى المركز ، واثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز وفي الحال نقل الاستاذ محمود الى معسكر البلك الرابع خارج المدينة وتحركت فصيلة من البلك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة ) (الرأي العام 7/10/1946م) ¬ كما جاء في الأخبار ( علمنا أن الاستاذ محمود محمد طه رفض ان يقبل محامياً للدفاع عنه وانه أعلن بأنه لن يدلي بأية اقوال للتحقيق إلا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض الفرعوني . وكان الاستاذان المحاميان الاستاذ أحمد خير والأستاذ زيادة قد تقدما للدفاع عن الاستاذ فشكرهما الاستاذ واعتذر لهما بأنه سيباشر القضية بنفسه ) (الرأي العام 12/10/1946م). وحين وقف الاستاذ محمود أمام القاضي ابورنات في محكمة مدني مدافعاً عن نفسه كان مما قاله (1- أهالي رفاعة جميعهم أبرياء ، وزملائي الذين سجنوا أبرياء ، وأنا برئ ، والمسألة في الحقيقة ، سلسلة أخطاء من الإدارة ، من أولها إلى آخرها .. كلما أخطأت الإدارة مرة ، وتمسك الناس بحقهم ، اعتبرته مساساً بهيبتها ، فاستعلت ، وأخذتها العزة بالإثم ، فقفزت في خطأ آخر ، هو في زعمها ، يعيد لها هيبتها في نفوس الناس .. وما علمت أن إجتماع الأخطاء ، لا ينتج منه ولا صواب واحد. (2- الوضع الصحيح المجمل لهذه المسألة ، هو أن الإدارة قد ضربت أهالي رفاعة فصاحوا من ألم الضرب بصوت خفيض ، ثم ضربتهم فصاحوا، ثم ضربتهم فصاحوا ، فاستاءت من أن يصيح المضروب المتألم ، فقدمتنا للمحاكمة ، فكانت هذه المحكمة.. ولو كنا نملك ما تملك ، لقدمناها نحن لهذه المحكمة ، ولكنا لا نملك جيشاً ، ولا بوليساً ، ولا سجوناً وقيوداً ، ولو ترك القطا ليلاً لنام . (3- قلت بالأمس ، إني وبالمثل أي عضو من أعضاء الحزب الجمهوري ، لا أنكر تهمة الإثارة ، لمجرد أنها تهمة إثارة ، إنما أنكر تهمة الإثارة ، بالنقد الذي لا يحترم الحقائق وبالتشويش المغرض .. ولقد كان من دواعي الشرف لي ، ولحزبي ، لو صح أني أنا الذي أثرت أهالي رفاعة حول هذه القضية ، لأنها من القضايا التي نقدنا فيها الحكومة ، وسننقدها الى ان تقلع عنها .. ولكن للأسف ، فإن الإدارة قد سبقتني الى هذا الشرف ، فاثارت أهالي رفاعة ، واثارتني معهم .. فلننظر . (7- قالت جريدة الرأي العام في يوم 24 سبتمبر، تحت عنوان رئيسي " القضاء ينظر في قضية الخفاض برفاعة " ، بعد حديث لها " وقد علمنا من مكتب الصحافة هذا الصباح ، أن قضية الخفاض التي سببت كل هذا الشغب ، هي الآن ، تحت نظر رئيس القضاء بالمصلحة القضائية ، وان التهم الموجهة الى الذين اعتقلوا في هذه الحوادث ، لا دخل ¬ (8- لها بآرائهم في موضوع الخفاض .. ولكنها تتعلق اولاً وأخيراً باستخدام القوة ، لتحقيق غاية ، في الوقت الذي كان في الاستئناف مفتوحاً أمام المتظاهرين. (9- هل باب الاستئناف مفتوح أمام المتظاهرين ؟ .. لننظر . (10- قالت الحكومة في بيان رسمي ، في الصحف ، ما يأتي " حصلت أخيراً في رفاعة حادثة أدينت فيها إمرأة لخفضها ابنتها خفاضا غير مشروع وحكم عليها بأربعة أشهر سجناً ، وقد قدم استئناف لمدير المديرية ، فرفضه ، وحبست المرأة في السجن" .. ومع ذلك فالحكومة تقول إن باب الاستئناف مفتوح !! وهذا الاستئناف رفض مع ان المرأة ، مسجونة بغير أدلة كافبة للإدانة ، وفيما أعلم لم يخبر المستأنفون ، ولا نحن مندوبي الهيئات ، الذين قابلنا المفتش ، بهذا الاستئناف ، وانما أعيدت المرأة للسجن والسلام .. فان لم يكن هذا سوء النيّة والاستخفاف بالناس فماذا عساه يكون؟ (12- مفتش رفاعة ، سجن أمرأة مصونة شابة ، في سجن عمومي مع خادمة عاهرة .. فحدثناه في ذلك ، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء ، في رفاعة ، فأطلقها بضمانة ، وظل ما ظل في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب الى الحصاحيصا، أمر باعادتها، الى نفس السجن؟! فهل تسمي هذا استخفافاً، بدين الناس، واخلاقهم، أم تسميه جهلاً بالناس، أم هما معاً ؟! سمه ما شئت فهو برهان ثالث . (13- إن تصرف المفتش هذا ، يجعل ما قمت به أنا ، في الجامع ، وما قام به الناس بالمركز ، شيئاً مفروضاً علينا ، في واجب الدين ، وواجب الاخلاق ، وواجب الحياة نفسها ، بل إن الناس قد سلكوا سلوكاً يستحق الثناء ، وقد شرحنا تفصيله للمحكمة ).

أجراس الحرة - الأربعاء 13-01-2010
[url]http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news_view_8424.html[/url]