إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
وعن كون محكمة الردّة كانت تعمل خارج اختصاصها ورد في قضية بورتسودان الحوار التالي بين الأستاذ محمود وبين الشاكي الشيخ إبراهيم جاد الله:
الأستاذ: عاوزين نسألك عن رأيك في محكمة الردّة شنو؟ هل حكمت في اختصاصها وللأ خارج اختصاصها؟
الشاكي: حكمت في اختصاصها.
الأستاذ: هي محكمة شرعية اختصاصها الشريعة يعني إذا هي نفذت حكمها دا هل هو حكم الشريعة؟
القاضي: بيقول المحكمة أدانتو لكن ما أصدرت عقوبة.
الأستاذ: لكن دا ما حكم الشريعة.. هل دا حكم الشريعة؟ إذا المحكمة حكمت وما نفذت هل دا حكم وللأ تقرير ساكت؟
الشاكي: كأنها الشريعة.. نظرت هل اتيتو أو قلتو أو فعلتو..
الأستاذ: طيب يا شيخ إبراهيم نحن نذكّرك: قال المدعيين نفسهم طالبوا بإعلان ردّة محمود محمد طه عن الإسلام بما يثبت عليه من الأدلة (2) حل حزبه لخطورته على المجتمع الإسلامي (3) مصادرة كتبه وإغلاق دار حزبه -دي المطالبة للمحكمة- بعدين إصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعى عليه بعدين تطليق زوجته المسلمة منه.. لا يسمح له أو لأيٍّ من اتباعه التحدّث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن بعدين مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد ذلك وفصله إن كان موظفاً ومطاردته وتطليق زوجته المسلمة منه.. دي كانت البنود الطلبها المدعيان من المحكمة، لشنو المحكمة قالت «لذلك حكمنا غيابياً للمدعيين حسبة الأستاذين الأمين داؤد محمد هذا وحسين محمد زكي هذا على المدعى عليه الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري الغائب عن هذا المجلس بأنه مرتد عن الإسلام وأمرناه بالتوبة عن جميع الأقوال والأفعال التي أدت إلى ردته كما قررنا صرف النظر عن البنود من نمرة 2 إلى نمرة 6» ليه قرروا صرف النظر عنهن؟
الشاكي: ما عندهم إنو بقية البنود بترتبوا على البند الحكموا بيه.
الأستاذ: ليه قالوا صرفنا النظر عن بقية البنود؟
الشاكي: أي صرف النظر عنها لأنها بتترتب تلقائياً على البند الأول.
الأستاذ: جميل.. لكن ليه ما يقرروا إنو المطالب دي تكون الحكم وإنو تكون المطالبة بالتنفيذ؟
الشاكي: ما هي مترتبة.. لما أنا أحكم كدا معناها هو ما يتحدث باسم الإسلام، ما يطبع كتب.. وما يعاشر المسلمة كزوجة... الخ.
الاستاذ: الحصل شنو في التنفيذ؟
الشاكي: لا أدري ما حصل.
الأستاذ: ما هو أنا واقف قدامك.
الشاكي: العقوبة ما نفّذت.
الاستاذ: لكن العقوبة ما طرف من القانون؟ إذا كان هم بيعملوا في اختصاصهم يبقى التنفيذ يتبع. انا سألتك قلت ليك: هل المحكمة بتعمل في اختصاصها؟ قلت: نعم. قلت ليك وجد أنها ما بتعمل في اختصاصها..
الشاكي: إذا كان حصل أنو دا ما اختصاصها، لمن يكون الاختصاص؟ من الذي يقرر أنو الإنسان دا داخل الدين او خارجه؟
الأستاذ: ما حدش يقرر.. الوصاية انتهت ما حدش يقرر.
الشاكي: نعم؟!
الاستاذ: ماحدش يقرر لو انت داخل الدين أو لا.. وإلا كان كل واحد نازع التاني: انت مافي الدين. وعهد الاستعمار كلو حكمت بجانب من الكتاب وعطلت جانب، وجيت في العهد الوطني وجدت نفسك إنك برضو بتعمل بنفس القانون وإنك ماك شرعي، وانو تكوينك ما بديك الحق، بدليل إنك حكمت وماقدرت تنفذ، وما حاجة بتسمى قانون إلا إذا كان التنفيذ طرفا منها، يبقى دا دليل على انك بتعمل خارج اختصاصك.. توافق على كدا؟
الشاكي: انت الاختصاص تدي لي منو؟
«القاضي يشرح صلة التنفيذ بالحكم»
الشاكي: والله انا موضوع التنفيذ دا أنا ما بعتبرو ذنب المحكمة.. اذا كان ما عندها اختصاص تنفذ دا ما ذنب المحكمة.
الاستاذ: هل الحاكم المسلم الماعندو اختصاص في التنفيذ عندو اختصاص في الحكم؟
الشاكي: دا لا ينفي أنها مختصة بمحاكمة الموضوع -الحكم- او نظر الدعوى.
الاستاذ: طيب نحن نقول رأي الاستاذ محمد ابراهيم خليل في عدم اختصاص المحكمة وافتكر قرئ عليك طرف منو «لعله من المعلوم لدى الناس جميعاً ان المحاكم الشرعية في السودان اسست على قانون المحاكم الشرعية السودانية 1902 وان إختصاص هذه المحاكم قد حددته المادة السادسة التي تنص على ان للمحاكم الشرعية الصلاحية في الفصل في:
أ) أي مسألة تتعلق بالطلاق والزواج والولاية والعلاقات العائلية بشرط ان يكون الزوج قد عقد على الشريعة الاسلامية، او ان يكون الخصوم من المسلمين.
ب) أي مسألة تتعلق بالوقف أو الهبة أو الميراث او الوصية... الخ.
ج) أي مسألة سوى ما ذكر في الفقرتين السابقتين على شرط أن تتقدّم الأطراف المتنازعة بطلب كتابي ممهور بتوقيعاتهم يلتمسون فيه من المحكمة أن تقضي بينهم، مؤكدين أنهم عازمون على الالتزام بحكم الشريعة في الامر المتنازع عليه.
لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقته أو ردته» ..محمد ابراهيم خليل هو هسع محامي وكان وزير العدل وعميد كلية الحقوق بجامعة الخرطوم ونائب النائب العام سابقاً وهو قال بعدم الاختصاص.
الشاكي: طيب دا رأي محمد ابراهيم خليل.. هل انت طعنت بعدم الاختصاص؟
الاستاذ: جميل انا جاي للموضوع.. هل انت بتوافق على أنو القانون اللي اتكونت بيهو المحاكم الشرعية عام 1902 وذكره هذا القانوني وبقول فيهو انو هذه المحكمة عملت خارج اختصاصها.. هل بتوافق على القول دا؟
الشاكي: لا أوافق.. لأنو ليهو ارتباط بالاختصاص يعني أنا لما أقول دا ما مسلم بترتب عليهو أحكام كثيرة جداً جداً هي من اختصاص المحاكم.. ولذلك هي هنا بتعمل في نفس الغرض.
الأستاذ: تبين للمحكمة.. المحكمة ما كان عندها اختصاص في نظر القانونيين وجابو المادة.
الشاكي: أنا واحد من القانونيين، دا رأيك أنت بتقول انو الاختصاص المنصوص عليهو في المادة ما بشمل الحكاية دي، دا رأيو كدا.
الاستاذ: الأمر دا يا شيخ ابراهيم ما أمر رأي دا تحديد.
الشاكي: معنى كلامو دا أنو ليس للمحكمة أن تنظر في حكم من هو مسلم ومن ليس مسلم.
الاستاذ: طيب..
الشاكي: فأنا بقول يعني ليس ضرورياً أن يشمل أن يكون في تفصيل فالأمر دا ليهو تعلق بما هو من اختصاص المحكمة.
الاستاذ: هل المحكمة ما قبلت أن تعمل تحت القانون بتاع 1902؟
الشاكي: تأسست بذلك القانون.
الاستاذ: هل بتتقيّد بيهو؟
الشاكي: بتتقيد بيهو طبعاً.
الاستاذ: هل فيهو انها من اختصاصها ان تحكم بالكفر على انسان؟
الشاكي: ما منصوص عليها صراحة.
الاستاذ: هل دا أمر يترك للتفكير؟ هل الأمور الأقل منو ما منصوصة؟
........
الأستاذ: طيب الحكاية الأنت قلتها.. انت سألتني برضو سؤال أنا أحب أن أرد فيهو.. أنا ليه ما استأنفت، بل أنا ليه ما مثلت أمام المحكمة.. سؤالي حيكون: ما بتعتقد إنو عجز المحكمة من ان تحضر الإنسان المتهم أمامها في مسألة ردّة وبتجب فيها الاستتابة وتوجيه الكلام ليهو.. عجزها من أن تحضره أمامها يجعلها عاجزة من أن تحكم عليهو أيضاً؟
الشاكي: والله أنا ما بعتقد أنها عجزت أن تحضرك أمامها.
الاستاذ: كيف بقى؟
الشاكي: لم تعجز المحكمة.. انما لم ترد.. أو لم تر أن هناك حاجة.
الاستاذ: طيب يا شيخ ابراهيم اذا انت هسع ارسلت اعلان لمتهم ورفض ان يوقع حتى عليهو، وانت حاكم محترم، ما بتعتقد أنو دا فيهو إهانة للمحكمة؟
الشاكي: أبداً.. اعتبر ترك حقو.. ترك الدفاع عن نفسو وبمضي في قضيتي وبحكم عليهو غيابياً وليهو الحق بعدين يجيء يستأنف الحكم دا ويطعن فيهو.
الاستاذ: سؤالي يا شيخ ابراهيم ياهو دا: اذا حتى رفض.. جاهو المعلن رفض ان يوقع؟
الشاكي: ما القانون موجود يا سيدي العزيز.. قانون الاجراءات المدنية، هسع نحن بنشتغل بيهو، والمحاكم بتشتغل بيهو، اذا حد رفض التوقيع أنا بمشي في القضية غيابياً -بعتبرو معلن- لكن إذا شتم المعلن أو شتم المحضر، أو قال حاجة تانية دا البعتبرو إهانة للمحكمة.
القاضي: هو أجاب قبل كدا قال: اذا كانت الدعوى تتعلق بحق شخصي أما إذا كانت الدعوى متعلقة بحقوق الله يجبر الطرف التاني على الحضور.
الأستاذ: هل حق الردّة ما بتعلق بالله؟
الشاكي: ردّة الإنسان عن الإسلام؟ آي طبعاً ليهو تعلق.. لكن في واقع الأمر انو دا برجع ليهو كفرو.
الأستاذ: هل غيّرت الإجابة القبيل؟
الشاكي: نعم؟
الأستاذ: الإجابة القبيل اتغيّرت واللأ هي نفسها؟
الشاكي: لا دا تفصيل الإجابة.
الأستاذ: لكن دا نفي ليها.
الشاكي: ما نفي أنا بقول هناك تفصيل يعني.. في حق الله.
القاضي: إجابتك؟
الشاكي: أنا بقول هناك تفصيل في حق الله يعني..
القاضي: كل الدعاوى البتتعلق بحق الله لا يجبر؟
الشاكي: لو كان القاضي يرى انو يمثل أمامو أو لا يمثل متروكة للقاضي باختصار يعني..
الاستاذ: الاجابة القديمة كانت: اذا كان الامر دا بتعلق بحق الله يبقى القاضي يحضر المتهم.. بعدين اتبني عليها:
هل الردّة فيها حق لله؟ الإجابة دي هل إتغيّرت؟
القاضي: هو قال الردّة فيها حق الله.. وقال إن في الفصل التاني في سلطة تقديرية للمحكمة، ليها الحق أن تجيب الزول أو لا تجيبو.
الشاكي: أو ما تجيبو لانو في حاجة اسمها اصدار حكم غيابي.. كل المحاكم.. كل الأحكام.
الأستاذ: يا شيخ ابراهيم الحكمة في حكم الردّة شنو؟
الشاكي: لا تحتاج لتعليل.
الاستاذ: الحكمة فيهو شنو؟
الشاكي: منع الناس ما يرتدوا عن الاسلام، ويفكروا قبل ما يرتدوا.. الحكمة يمكن تكون واسعة جداً يعني.. إلا يحدث فساد، إلا يشجع غيرو على الخروج من الإسلام.
الأستاذ: في تحديد للمسألة دي يحسن ان نقولوا: هل حكم الردّة المقصود منو إصلاح الانسان المرتد واصلاح المجتمع، وحفظ حق الله؟
الشاكي: آي نعم.
الاستاذ: هل الحاكم العاجز عن التنفيذ بقدر يصل الى الحكمة دي؟
الشاكي: والله انا برى ان لم يصل الى كل الحكمة يكون وصل بعضها، العاجز عنها ما بحققها كلها.. العاجز عن التنفيذ ما بحقق كل الحكمة..). (الاخوان الجمهوريون: وقائع قضية بورتسودان الكتاب السادس 1975م).
وعن كون محكمة الرّدة كانت تعمل خارج اختصاصها، ودل على ذلك، عجزها عن احضار المتهم أمامها، ولذلك لا يعتد بحكمها، ولا يعول عليه، جاء في قرار المحكمة العليا، الدائرة الدستورية والتي استنأف لها قرار المحكمة التي حكمت على الأستاذ بالإعدام إبان عهد نميري:
(ولم تكتف المحكمة «تقصد محكمة المكاشفي» في مغالاتها بهذا القدر، وانما تعدته الى الاستدلال بقرارات وآراء جهات، لا سند في القانون للحجية التي أضفتها المحكمة على إصداراتها. أما حكم محكمة الاستئناف الشرعية العليا، التي عوَّلت عليه محكمة الاستئناف الجنائية كثيراً، فإنه يستوقفنا فيه أنه حكم وطني، يلزم استبيان حجيته، نظراً إلى ما يمكن أن تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية. والحكم المشار اليه صدر في 18/11/1968 في القضية 1035/68 حيث قضت محكمة الاستئناف الشرعية العليا بالخرطوم بإعلان محمود محمد طه مرتداً. وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم، أنه صدر حسبة، كما وقع غيابياً، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما إذا كان في ذلك ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردّة؟
وفي تقديرنا أن الإجابة القطعية، أن ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة، وذلك لأن المحاكم الشرعية -ومنها محكمة الاستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت- لم تكن تختص بإصدار أحكام جنائية، بل كانت اختصاصاتها مقتصرة على مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين، من زواج وطلاق وميراث وما إلى ذلك، مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ (وليست المادة 6 من قانون 1902 فيما تشير إليه هيئة الإدعاء في 25 فبراير 1986م).
وأبلغ دليل على عدم اختصاص المحكمة الشرعية فيما أصدرته من حكم، أن ذلك الحكم جاء غيابياً، فما نحسب أن محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الإجبار، التي كانت تتمتع بها المحكمة، فيما لو كانت محكمة ذات اختصاصات جنائية. كما يقف دليلاً على عدم الإختصاص، أن المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم، لا في ذلك الوقت، ولا في أي وقت لاحق، وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه، خاصة وأن للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية.....) (قرار محكمة العليا- الدائرة الدستورية في 25 فبراير 1986م. اسماء محمود وعبد اللطيف عمر ضد حكومة السودان).