إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

مهزلة محكمة الردة! (٢-٣)

د. عمر القراي


في ذكراها المشؤومة الأربعين


مهزلة محكمة الردَّة!! (2-3)


في ذكراها المشؤومة الأربعين


د. عمر القراي



في يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968مم الموافق 27 شعبان 1388هـ انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردّة المرفوعة ضد محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري من الشيخين الأمين داؤود محمد وحسين محمد زكي. وقد طلب المدعيان من المحكمة الآتي:
أ- إعلان ردّة محمود محمد طه عن الإسلام، بما يثبت عليه من الادلة.
ب- حل حزبه لخطورته على المجتمع.
ج- مصادرة كتبه وإغلاق دار حزبه.
د- إصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعي عليه.
ه- تطليق زوجته المسلمة منه.
و- لا يسمح له أو لاي من اتباعه بالتحدث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن.
ز- مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الإعلان، وفصله ان كان موظفاً، ومحاربته ان كان غير موظف، وتطليق زوجته المسلمة منه.
ي: الصفح عمن تاب واناب وعاد الى حظيرة الإسلام من متبعيه أو من يعتنقون مبدأه.
ولقد استمعت المحكمة لخطابي المدعيين، ولاقوال شهودهما، لمدة ثلاث ساعات، ثم رفعت جلستها لمدة ثلث ساعة، وعند انعقادها للمرة الثانية قرأ القاضي حيثيات الحكم التي جاء فيها «حكمنا غيابياً للمدعيين حسبة الاستاذين الأمين داؤود محمد هذا وحسين محمد زكي هذا، على المدعى عليه الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري الغائب عن هذا المجلس بانه مرتد عن الإسلام وأمرناه بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت الى ردته، كما قررنا صرف النظر عن البنود من 2 الى 6 من العريضة، وهي من الأمور التي تتعلق وتترتب على الحكم بالردّة وفهم الحاضرون ذلك.
القاضي
توفيق أحمد الصديق» «محمود محمد طه: بيننا وبين محكمة الردّة، الطبعة الثانية: يناير 1969م الخرطوم، شركة الطابع السوداني المحدودة. ص 30».
ولقد قرر الاستاذ محمود من البداية، تصعيد المواجهة، لانه ادرك ان الموضوع مواجهة سياسية، تلتحف قداسة الاسلام.. فلم يحترم المحكمة بالمثول امامها، ورفض ان يوقع على الاعلان، ولم تستطع المحكمة ان تحضره امامها، لانها كانت في الاساس تعمل خارج اختصاصها.. وكان من ضمن استغلال المحكمة لتوعية الشعب مواجهة محكمة الردّة، ونقد حكمها، وفهم قضاتها، بكتابة كتاب ومنشورات عنها، واقامة سلسلة من المحاضرات العامة طاف بها مختلف انحاء السودان، كانت تعطى فيها الفرصة في الحوار لرجال الدين ومؤيديهم حتى يرى الشعب مبلغ جهلهم بالدين.
ومن ما ورد في تلك المنشورات رداً على حكم المحكمة «أما أمركم لي بالتوبة عن جميع اقوالي، فإنكم أذل وأخس، من ان تطمعوا فيَّ . وأما إعلانكم ردتي عن الاسلام فما أعلنتم به غير جهلكم الشنيع بالاسلام، وسيرى الشعب ذلك مفصلاً في حينه .. هل تريدون الحق ايها القضاة الشرعيون؟ إذن فاسمعوا !! انكم آخر من يتحدث عن الاسلام، فقد أفنيتم شبابكم بالتمسح باعتاب السلطة من الحكام الانجليز، والحكام العسكريين، فاريحوا الاسلام واريحوا الناس من هذه الغثاثة» ومما ورد أيضاً «متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الاحرار وصمود اصحاب الافكار؟ ان القضاة الشرعيين لا يعرفون حقيقة انفسهم، وقد يكون من مصلحتهم، ومصلحة هذا البلد الذي نعزه، ومن مصلحة الدعوة التي نفديها، ان نتطوع نحن ونوظف اقلامنا ومنبرنا لكشف هذه الحقيقة لشعبنا العزيز» !! «الاخون الجمهوريون: مهزلة القضاة الشرعيين. 1969م»
ويجدر بالملاحظة، ان هذه العبارات من منشورات الجمهوريين، التي صدرت كرد على محكمة الردّة، قد كانت ضمن لوحات معروضة بنادي الخريجين، وهي بالذات قد كانت مادة الاتهام، في القضية التي رفعها الشيخ ابراهيم جاد الله قاضي مديرية البحر الاحمر، ضد الاستاذ محمود وخمسة من الاخوان الجمهوريين كانوا مشرفين على المعرض المشار اليه عام 1975م، ولقد ذكر ممثل الاتهام في تلك القضية، انه قد كلف من الشيخ محمد الجزولي نائب رئيس المحكمة العليا، للقيام بمهمة مساندة القضاة الشرعيين في تلك القضية !!
ولقد ذكرنا من قبل، ان محكمة الردّة، لم تكن محكمة بالمعنى الصحيح.. وانما كانت مؤامرة من القوى السلفية لاسكات صوت الجمهوريين، بسبب عجزهم عن مواجهة الفكرة في ميدان الحوار الموضوعي.. وان مما دفع اليها، بالاضافة الى ما تقدمه الفكرة من بديل عن الطرح السلفي، مواقف الجمهورين في نقد رجال الدين وزعاماتهم الطائفية، وكشف مؤامراتهم لتقويض الديمقراطية.. وعن كون محكمة الردّة قد كانت مؤامرة، وانها لم تتقيد باجراءات المحاكم، في تحري العدالة، يرد الحوار التالي بين الأخ بدر الدين السيمت، وبين الشاكي الشيخ ابراهيم جاد الله في قضية بورتسودان:
بدر الدين: كلمة قاضٍ شرعي وقضاء شرعي مقرونة بالشريعة سيادتك بتحكم بالشريعة؟
الشاكي: انا بحكم ببعض الشريعة في الاحوال الشخصية.
بدر الدين: هل تطبق الحدود والقصاص؟
الشاكي: لا اطبق ذلك لانه ما من اختصاصي والسلطة لا تعطيني ذلك.
بدر الدين: هل في الشريعة يمكن الايمان ببعض الكتاب وترك البعض؟
الشاكي: لا . لا يمكن ذلك.
بدر الدين: هل توافقني ان الحكم ببعض الكتاب وترك البعض هدم للشريعة؟
الشاكي: ما من الشريعة.
«ممثل الاتهام يحتج على الاسئلة والقاضي يرفض الاعتراض»
الشاكي: نحن كنا مغلوبين على أمرنا وقت الاستعمار.
القاضي: هل الحكم ببعض الاسلام وترك البعض الآخر هدم للشريعة؟
الشاكي: أنا عندي مبرر لأنه الحكومة أدتني دي وشيء افضل من لا شيء.
بدر الدين: هل يوافقني السيد ابراهيم ان الشريعة ما قايمة اليوم يعني الحكم غير قائم على الشريعة؟
الشاكي: نعم.
بدرالدين: هل توافق على ان اسم المحاكم الشرعية مع عدم وجود الشريعة فيه تضليل للشعب؟
الشاكي: لا أوافق.. التسمية اساساً ما صحيحة، المفروض يكون القانون واحد.
بدر الدين: هل الاسم صحيح؟
الشاكي: الاسم صحيح.
بدر الدين: المحاكم الشرعية اسمها صحيح؟
الشاكي: اسمها صحيح في الجانب الذي نحكم به، ويحتمل يكون ما صحيح من جانب آخر.
بدر الدين: يعني من يحكم بجزء من الشريعة يمكن يسمى بيحكم بالشريعة ويكون صحيح؟
الشاكي: كل اختصاصاتنا بنحكم فيها بالشريعة.
بدر الدين: هل تسمية القضاة الشرعيين «اللفظ» تحوي كل الشريعة؟ هل كلمة قاضٍ شرعي مش اكبر من الحاصل؟
الشاكي: أنا لن اتعمد الحكم بغير الشريعة، وانما رضيت بحكم البعض لأنه افضل من ترك الشريعة كلها.
بدر الدين: هل تعلم ان عبد الماجد ابو قصيصة وتوفيق صدّيق اتصل بهما المدعي قبل محكمة الردّة؟
الشاكي: انا لا أعرف محكمة الردّة !! انما أعرف المحكمة الشرعية.
بدر الدين: هل في نظام محاكمكم أن يتصل المدعي بالقاضي ويأخذ موافقته قبل نظر الدعوى؟
الشاكي: لا أبداً .. أنا افتكر الكلام ده ما عنده علاقة بموضوع الشكوى.
القاضي: هو يريد ان يوضح للمحكمة إجراءات المحاكم الشرعية.
الشاكي: انا لا اريد الدفاع عن حكم المحكمة مع اني اجد المبرر لهم في ان دعوى الحسبة أول دعوى من نوعها في السودان، وهم كانوا يلتمسون رأي الهيئة القضائية ليعرفوا كيف يعملوا.. وهو توجهوا له في الندوات والمحاضرات فرفض واستمر يتحدث باسم الاسلام.
بدر الدين: يعني في حالة الدعوى الغريبة يمكن ان تتصل بالقاضي ويوعدك يقيف معاك؟
الشاكي: ما ممكن القاضي يوعدك يقيف معاك.
بدر الدين: لو حصل يكون العمل ده محترم؟
الشاكي: لا أبداً.
بدر الدين: أنا أقرأ ليك من كتاب الامين داؤود «نقض مفتريات محمود محمد طه» صفحة 85 «ولما رأينا استعداداً طيباً وروحاً عالية من حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الماجد أبو قصيصة قاضي قضاة السودان لقبول دعوى الحسبة، وانها كما قال فضيلته من صميم عمل المحاكم الشرعية، وكذلك ما لمسناه من المحكمة العليا والوقوف مع الحق من صاحب الفضيلة الشيخ توفيق أحمد الصديق عضو محكمة الاستئناف العليا الشرعية- تقدمنا بدعوى الحسبة» هل قاضي القضاة سلطة استئنافية؟
الشاكي: نعم.
بدر الدين: اذا كان القاضي يقول رأيه في قضية يمكن ان تستأنف اليه، هل يمكن ان يكون ده عمل محترم؟
الشاكي: نعم لان المحكمة قالت رأيها وهو الذي كونها.
القاضي: اذا كان القاضي يقول رأيه في قضية يمكن ان ترفع اليه.. هل يمكن ان يكون ده عمل محترم؟
الشاكي: بداهة لا.
بدر الدين: اذا حصل علقت هذه السلطة الاستئنافية هل بتكون دي سلطة محترمة؟
الشاكي: ما محترمة.
بدر الدين: «يقرأ من الرأي العام «جريدة الرأي العام الخميس 21 /11/1968 العدد 8323» «البيان الذي نشره محمود محمد طه إساءة بالغة للقضاء الشرعي في ماضيه وحاضره ومستقبله وهو امر غير مقبول.. وقال فضيلته ان للمحاكم الشرعية صلاحية الحكم بالردّة ... ان محكمة الاستئناف الشرعية العليا ستجتمع اليوم لاتخاذ الاجراءات القانونية الكفيلة بوقف الاساءات الموجهة للقضاء الشرعي» .. هل تعلم ان ابو قصيصة اتخذ أية اجراءات قانونية؟
الشاكي: أنا كنت قاضي جزئي بسمع زيي وزي الناس.
بدر الدين: أنت ما بتعلم انه نفذ؟
الشاكي: فيما أعلم بدأ في ذلك.
بدر الدين: هل فتح بلاغ؟
الشاكي: لا أعلم.
بدر الدين: هل تعلم انه اي واحد من القضاة الشرعيين فتح بلاغ؟
الشاكي: لا أعرف.
بدر الدين: محكمة الردّة أخذت ثلاث ساعات استمعت الى قضية الادعاء واستمعت الى اقوال اربعة من الشهود، ثم رفعت الجلسة لثلث ساعة وعقدت مرة أخرى لتنطق بالحكم. هل تظن ان ثلث ساعة تكفي لقراءة الاقوال؟
الشاكي: يحتمل المحكمة رأت ان التهمة لا تحتاج لأنها واضحة وان المتهم غائب.
بدر الدين: يعني اذا كان المتهم غائب يمكن الحكم دون الرجوع للاقوال وفحصها؟
الشاكي: لا بد من فحصها.
بدر الدين: حسين محمد زكي أحد المدعيين في محكمة الردّة قال ان الاستاذ محمود محمد طه يتهم الله بالحقد، وأورد النص التالي من كتاب الرسالة الثانية «والخطأ كل الخطأ، ظن من ظن ان العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً، فجعل بذلك الشر اصلاً من أصول الوجود وما هو بذاك، وحين يصبح العذاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة» ويقف عند هذا الحد من النقل، ويترك عبارة «وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً» وهي العبارة التي وردت مباشرة بعد كلمة «نفس حاقدة» من كتاب الرسالة الثانية. فإذا جاء امامكم واحد وقال فلان الفلاني كتب كذا وكذا، مش من واجب المحكمة ان ترجع لمصدر الكلام ده؟
الشاكي: للعدالة يمكن أن ترجع.
بدر الدين: من العدالة وللأ من واجب المحكمة؟
الشاكي: من العدالة، ويمكن للقاضي ان لا يرجع اذا وضحت البينة.
بدر الدين: اذا اتضح ان الشاكي ضلل المحكمة باقواله، ايه يكون رأيك في المحكمة؟
الشاكي: أنا لم اكن عضواً في تلك المحكمة، واعتبر ان القاضي الذي وصل لتلك المرحلة لا بد يكون عارف هذه النقطة.. المحكمة تحكم بما يثبت لها.. وما من اختصاصها اذا ثبت غير ذلك بعد المحكمة.
بدر الدين: هل القول بالرأي بتأخدوا بيه في المحاكم الشرعية؟
الشاكي: نأخذه بتحفظ.
بدر الدين: ما رأيك في محكمة لم تستجوب شهودها وثبت خطأ اقوالهم؟
الشاكي: رأيي أن يستأنف حكمها.
بدر الدين: ده كتاب «حوار مع الصفوة» للدكتور منصور خالد.. هذا مقال أيام محكمة الردة «من بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع .. ما كنت اود ان اتناولها بالحديث لو اقتصرت على اداء واجبها كموظفي دولة يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم التي تجبيه في ما تجبي من ريع الخمور .. ». الى ان يقول «نريد وقد خرجتم من اطار سلطانكم المشروع كقضاة انكحة وميراث.. نريد أن نسمع حكم الاسلام في الأمير الكاذب والوالي الظالم والوزير السفيه.. نريد حكمه في السفاه السياسي الذي نعيشه اليوم وهو سفاه شيوخ لا حلم بعده .. شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم ويتمنطق بحزام مثلكم، ويضع على رأسه عمامة كشأنكم» .. هل هذا الكلام مش اساءة للقضاء الشرعي؟
الشاكي: ما إساءة.. لأن منصور خالد عنده طموح سياسي.. ويعتبر موضوع محمود سياسي وهو عاوز يكتب وعاوز يسخر.
بدر الدين: يا مولانا «سفاه الشيوخ الذي لا حلم بعده شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم» هل هو اساءة أم غير اساءة؟
الشاكي: لفظ ما مهذب.
بدر الدين: يعني أي كلام زي دا في القضاة الشرعيين ما اساءة ؟
الشاكي: نعم ولكنه لفظ غير مهذب.

جريدة "الصحافة" السودانية