إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بين الأستاذ محمود ودكتور الترابي (٣-٣)

د. عمر القراي


تعقيب على الأستاذ المحبوب عبد السلام

بين الأستاذ محمود ودكتور الترابي (3-3)
تعقيب على الأستاذ المحبوب عبد السلام


د. عمر القراى


يقول المحبوب «المسألة الثانية هي بموجب هذه السلطة الروحية التي منعته من الصلاة ذات الحركات وأعطته صفات الانسان الكامل الموجودة في الفكر السلفي، ألغى محمود النص الديني نص القرآن المدني الغاه من المصحف، بمعنى انه لا يهتدي به بل بالقرآن المكي. وكما قال الترابي لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة، لم تكن توحيداً فقط، ولكن اذا قرأت صورة صغيرة «المغيرات صبحاً» وهذه نزلت في أول مكة وواضح انها تتحدث عن جهاد مقبل.... لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة كما كان يريد الفكر الجمهوري ان يقول هذا من ناحية أصولية... ومحمود محمد طه أيد مايو حتى في ضرب الانصار في الجزيرة أبا. وكان موقفاً غريباً من مفكر يحترم حقوق الإنسان» «الصحافة 31/8/2008م». هذا ما قاله المحبوب عبد السلام، ولم يورد أي نص من كتب الاستاذ محمود، يذكر فيه انه الإنسان الكامل، أو ان لديه سلطة روحية، منعته من الصلاة ذات الحركات، وألغى بها القرآن المدني !! ورغم ادعائه بأنه حضر نقاش الجمهوريين، في الجامعة، الا ان المحبوب يظن أن الجمهوريين يرفضون القرآن المدني.. ولقد سبق لي ان أوضحت فساد هذا الرأي، في حوار جرى على صفحات «الصحافة»، مع د. محمد قيع الله، أثبته هنا كرد على المحبوب.
يقول وقيع الله «ثم اني لا اعدم سبباً آخر اكشف به تناقض هذا النص وتهافته، فبينما يشهر صاحبه رفضه الصريح الدائم للقرآن المدني، فإنه هنا قد سها سهوة جبارة كبرى، هذا حيث استشهد على دعواه بقرآن مدني، بل هو باتفاق علماء المسلمين، من بعض آخر ما نزل من الذكر الحكيم »!! هذا ما قاله وقيع الله، فهو قد فهم من قراءته للفكر الجمهوري، أن هذا الفكر يرفض كل القرآن المدني، وهكذا ظن جهلاً، أن الاستشهاد بالقرآن المدني «سهوة جبارة كبرى» !! فما ظن وقيع الله، إذا أخبرناه أن آية الزكاة الكبرى، التي يدعو لها الأستاذ محمود، وهي قوله تعالى «ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو» آية مدنية، وآية المساواة بين الرجال والنساء، التي يطرحها الجمهوريون، كبديل عن القوامة، وهي قوله تعالى «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة» آية مدنية، وان آيات الحدود والقصاص، التي قال الأستاذ محمود بإبقائها دون تطوير آيات مدنية؟! فإذا كانت هذه المعلومة، تشكل صدمة لوقيع الله، لأنها جديدة عليه، فلماذا يعارض وقيع الله فكرة لا يعرفها؟! لقد شرحت كل كتب الفكرة الجمهورية هذه القاعدة الأساسية، وهي أن القرآن قد نزل على مستويين: قرآن الأصول وقرآن الفروع.. ولقد بدأ النزول بقرآن الأصول، في مكة، لمدة ثلاثة عشر عاماً، قامت فيها الدعوة على أساس الإسماح، وحرية العقيدة، وعدم القتال، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين.. وهذه القيم الإنسانية الرفيعة وردت في القرآن المكي، وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، نسخ هذا المستوى الرفيع، بالقرآن الفرعي، الذي تنزل من الأصول، ليناسب مستوى الناس، في ذلك الزمان، حيث فرض الوصاية بديلاً عن الحرية، والجهاد بديلاً عن الدعوة بالتي هي أحسن، وعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين بديلاً عن المساواة.. ولكن هذا الأمر، لم يحدث في يوم وليلة، وإنما تدرج حتى اكتمل خلال عشر سنوات.. فالآيات التي نزلت في أول العهد، بالمدينة، خاطبت الناس بما كان عليه حالهم في مكة، فجاءت تحمل روح القرآن المكي.. ولهذا افتتحت سورة النساء بقوله تعالى «يا أيها الناس» مع أن ذلك من علامات القرآن المكي.. ولقد ورد في كتب الجمهوريين، أن الفرق بين القرآن المكي والمدني، ليس هو اختلاف مكان أو زمان النزول، وإنما اختلاف مستوى المخاطبين، واعتبارهم من حيث المسؤولية التي تعطي الحرية، أو القصور الذي يوجب الوصاية.. وسبب التداخل بين القرآن المكي والمدني، هو التداخل بين الإسلام والإيمان، ذلك أن التدرج في المراقي، من الإيمان نحو الإسلام، لا ينفصل السالك في مضماره، فصلاً تاماً، وإنما ترقٍ يختلف صاحبه، في كل مرحله، اختلاف مقدار لا اختلاف نوع، عن المرحلة التي تليه.. « الصحافة 29/11/2006م». وانه لحق ان مكة لم تكن عقيدة بغير شريعة، ولكن الشريعة التي نزلت في مكة متعلقة بالتوحيد، وبالعبادات، وهذه في فكر الاستاذ لا يقع فيها التطوير.. أما شريعة المعاملات، فقد جاءت في القرآن المدني، وهذه في بعض صورها تحتاج الى تطوير.. فاذا كان المحبوب يرفض هذا الفهم، فهل سيطبق كل النصوص القرآنية، اليوم، بما فيها نصوص الرق، والجزيَّة، ثم يحدثنا عن الديمقراطية؟! أم انه يتجاوزها، دون الرجوع الى القرآن المكي، فيكون خرج من كل القرآن، كما فعل الترابي في اجتهاداته الاخيرة، التي القاها جزافاً، ولم يسندها بأي نص، حتى كفره تلاميذه ؟! ولن أرد هنا على حديث المحبوب عن تأييد الجمهوريين لمايو، فقد جرى ذلك على يد د. محمد المهدي بشرى ونشر في صحيفة «السوداني» فليراجع.. ولو كانت بالمحبوب ذرة من حياء، لما ذكر ذلك، اذ ان علاقة شيخه الترابي، بمايو لا تضاهيها علاقة في السوء.
والترابي ليس مفكراً، حتى يقارن بالاستاذ محمود، أو يستمع له يتحدث عن فكر الأستاذ.. والسبب في ذلك، هو عجز الترابي عن الالتزام بأية فكرة، والثبات على أي مبدأ، مهما كان !! فهو يغير رأيه، حسب ما تمليه مصلحته، في مختلف المواقف.. فلقد ارسل الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي السعودية، في الثمانينيات، خطاباً للترابي، يجري نصه هكذا «من عبد العزيز بن عبد الله بن باز الى حضرة الاخ المكرم الدكتور حسن الترابي وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعده
فاشفع لمعاليكم بهذا نسخة من الرسالة الواردة ممن سمى نفسه عبد البديع صقر صاحب مؤسسة الايمان المؤرخة في 24/11/1400هـ راجياً من معاليكم بعد الاطلاع عليها التكرم بالافادة عن صحة ما نسب اليكم من الآراء، لنعرف الحقيقة والشبهة التي اوحت لكم بهذه الاقوال، ان صحت نسبتها اليكم، ومناقشتكم فيها على ضوء الأدلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لادارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد.
أما الخطاب المرفق الذي كتبه الشيخ صقر فقد جاء فيه:
«صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
رئيس دوائر الفتوى والدعوة بالمملكة العربية السعودية حفظه الله
بواسطة مركز الدعوة الاسلامية بدبي
السلام عليكم ورحمة الله
لقد جاءنا من القطر السوداني ما يفيد أن رجلاً اسمه الدكتور حسن الترابي يشغل وظيفة وزير هناك للشؤون الدينية او نحو ذلك، ينشر افكاراً غريبة منها:
1- انه لا يرى اقامة الحد برجم الزاني.
2- وانه لا يرى في الدين شيئاً يمنع زواج المسلمة من الكتابي.
3- وان الردة ليست في الخروج من دين سماوي الى دين سماوي آخر بل الشرك فقط.
4- وانه ليس في الخمر حد وانما هو التعزير.
5- وان القواعد الاصولية وقواعد علم المصطلح الحديث امر غير ملزم لكل المسلمين........» المصدر للوثيقتين: د. محمد وقيع الله: التجديد والرأي والرأي الآخر ص 144-146»
هذه هي التهم، فما هو رد الترابي عليها؟! قال «لم يقع مني في كتاب او خطاب عام ان اشرت الى غير المعروف في حكم الزاني المحصن» «المصدر السابق ص 147» هذا مع ان المعروف في حكم الزاني المحصن، الرجم بالحجارة حتى الموت.. فهل حدث ان رجم أي شخص حين كان الترابي مستشار النميري في تطبيق قوانين سبتمبر 1983م؟! بل هل حدث ذلك في كل عهد حكومة الإنقاذ حين كان الترابي عرابها ومرجعها الديني الأوحد ؟! أم كان ما يحدث هو ايجاد أي مدخل لشبهه، وتحويل العقوبة الى الجلد، بدلاً عن الرجم في كل القضايا؟!
ويواصل الترابي فيقول «والفصل الثاني افتراء وتلفيق، فقد كان في سياق بحث بالانجليزية في مسلمي أميركا، اذ قلبت وجوه فقه الاسرة واسرار الحكمة فيه، وتطرقت للتزاوج من المشركين والنصوص المانعة التي قطعت فيه منذ الهجرة، للتنافر البعيد بين الطرفين. ثم تعرضت للكتابيين وقربهم النسبي لنا مما اباح طعامهم ومحصناتهم وجعل طعامنا حلاً لهم، أما نساؤنا فقد ذكرت اتفاق الفقهاء على منع ذلك استصحاباً لحرمة الفروج الا بتحليل وسداً لذريعة فتنة من قوامة الكتابي على مسلمة....» «المصدر السابق ص 148». فالترابي إذن يتفق مع سائر الفقهاء، في عدم شرعية زواج المسلمة من الكتابي !! وهكذا ينكر الترابي الفتوى التي أطلقها مؤخراً، واجاز بها زواج المسلمة من الكتابي، فثارت ثائرة كل الجماعات الاسلامية، بما فيهم تلاميذه السابقون، عليه.. وهو هنا يؤكد لابن باز اتفاقه التام، مع فقهاء السلف، في منع المسلمة من زواج الكتابي، حتى لا تقوم قوامة من كافر على مسلمة !! فهل يقبل ان تقوم قوامة من كافر على مسلم، كأن يكون نائباً لرئيس الجمهورية، وقيماً على الأمة من دونه؟! ويمضي الترابي، في الكذب، فيقول «وما جاء في الردة تلفيق أيضاً، اذ لم يحدث ان رتبت حكماً على التمييز بين ما يرتد اليه والمرتد» «المصدر السابق ص 149». ولكن ما يقصده الشيخ صقر، هو ان الترابي حدد ان هناك ردة، لا تعتبر ردة، قد نقل لنا المحبوب هنا، ان الترابي صرح بأن الردّة الفكرية لا غبار عليها، ولكنه عجز ان يقول لابن باز رأيه هذا!!
أما التهمة التي خاف منها الترابي حقيقة، فاتهام الشيخ صقر، بأن تلاميذه لهم نزعة صوفية ومشيخية.. وكان سبب خوف الترابي، علمه بأن انزعاج الشيخ الوهابي، من الصوفية لا يدانيه شيء آخر.. ولذلك قال « اما شباب السودان فلا تسودهم نزعة صوفية أو مشيخية، وانما هي كلمة تحريش الى عالم سلفي» !! وهكذا لم يتردد الترابي، بالتضحية بكل ارثه الصوفي، وأهله ومريديهم، وحلفائه من الصوفية، الذين كونوا معه الجبهة القومية الاسلامية، في سبيل ارضاء الشيخ ابن باز !! لماذا حرص الترابي على ارضاء ابن باز على حساب دينه وخلقه ؟! اسمعه يقول «واننا اذ نشكرك على سالف دعمك للمجاهدات الاسلامية بالسودان، نرجو ان تخاطب عنا اخواننا الحاملين علينا ظلماً» !! ومعلوم ان ابن باز لا يدعم من نفسه، وانما هي حكومته، فهل كان هذا الدعم كافياً ليبيع به الترابي دينه؟! ولو كان الترابي على يقين من علمه، وعلى ثقة بربه، لرفض من الاساس تدخل هؤلاء الفقهاء العرب، في ما يجري في بلادنا، ولأصر على ما قال، دون تنازل منه، ولسألهم عن عجزهم الدائم، عن اقامة الدين، في بلادهم، ثم مطالبة غيرهم به. ولو كان مفكراً، حراً، لرفض الوصاية ولأصر على آرائه.
ولم يكتفِ الترابي، بانكار فتاوى التجديد والمساواة، بل اتهم من اثاروا حوله الشبهات، بأنهم اعتبروه من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه، فقال «وزج بي في زمرة محمود محمد طه السوداني، وهو رجل تنبأ ثم تأله وانكر جل شعائر الاسلام وشرائعه» !! ولم يقم الترابي بطبيعة الحال، بتقديم اي دليل، على ما ذكر في شأن الاستاذ محمود، ولم يكن اصدقاؤه من امثال ابن باز يحتاجون الى دليل.. ولعل ما ازعج الترابي، في نسبته للاستاذ، ليس ما يدعي من تكفير الاستاذ، وانما لأن ذلك يعني ان تنسب الافكار التحررية، التي إدعاها، بغير حق، الى الاستاذ، لأن ذلك يظهره على حقيقته، كسارق لهذه الافكار، دون أن يحسن اقتباسها، ودون أن يملك الأمانة الدينية، والعلمية، التي تجعله ينسبها الى مصدرها.
والحق ان كل ما كتبه الترابي، طيلة هذه السنين، لم يخرج عن الوصف، الذي وصفه الاستاذ محمود عام 1965م، لكتابه «اضواء على المشكلة الدستورية».. وهو الكتيب الذي اخرجه الترابي، يبرر فيه، حق الجمعية التأسيسية، في تعديل المادة 5/2 من الدستور، التي كانت تنص على حق التنظيم، وحق التعبير، حتى يتم حل الحزب الشيوعي بناءً على ذلك !! فقد كتب الاستاذ « بين أيدينا الآن كتاب اخرجه الدكتور حسن الترابي باسم «اضواء على المشكلة الدستورية»، وهو كتاب من حيث هو، لا قيمة له ولا خطر، لانه متهافت، ولأنه سطحي، ولأنه ينضح بالغرض، ويتسم بقلة الذكاء الفطري... وفي الحق، لو كان الترابي مثقفاً غربياً فحسب، أو لو كان انما يدعو، في ذلك، الى تنظيم سياسي غربي فحسب، لما أقمنا له كبير وزن. ولكنه، هو وقبيله، يزعمون انهم يتصدرون دعوة الى الإسلام، والى الدستور الإسلامي، وهذا يجعل الخطر منهم كبيراً، ومن الواجب أن يكشفوا على حقيقتهم.» «محمود محمد طه: زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في الميزان. الخرطوم 1965م».

[url]http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=55298[/url]