إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أين أخلاق الإسلام وأين فهمه؟! (٣-٣)

د. عمر القراي


تعقيب على راشد ابو على القاسم

أين أخلاق الإسلام وأين فهمه؟! (3-3)
تعقيب على راشد أبو القاسم



د. عمر القراي

مرحلية الجهاد الأصغر:


يقول السيد راشد «أما المتعلّق الثاني وهو الجهاد فهي متعلقة بطبيعة المهمة وسر الوجود في الأرض قال تعالى «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون»- صدق الله العظيم أي عبادة الله وعبادته بما شرع، على هذا الأساس يتحدد المسلمون في أنحاء الأرض لنشر الخير والهدى للعالم، فيحدث أن تشكّل السلطة الزمنية ممثلة في ملوك وأباطرة الكفر جدران صد لهذا النور الفياض أولاً ثم إنها تشكل خطراً عسكرياً على دولة الإسلام في موسم الصراع الحضاري ثانياً».. (الصحافة 20/2/2008م). وهذا رأي قديم، قال به سيد قطب ومحمد قطب رحمهما الله، ونشره الأخوان المسلمون في كل مكان.. وخلاصته أن حروب الإسلام كانت دفاعية، ولم تكن بغرض نشر الإسلام بالقوة، وإنما كانت بسبب محاربة الطواغيت من الأكاسرة والأباطرة، الذين يمنعون شعوبهم من اعتناق اللإسلام. ولم يورد راشد، ولا من سبقه، دليلاً واحداً من القرآن أو الحديث على هذا الزعم. جاء في تفسير قوله تعالى «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم» («فإذا انسلخ الأشهر الحرم» أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم.. قوله «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم.. قوله «وخذوهم» أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وأن شئتم أسراً قوله «واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» أي لا تكتفوا بمجرّد وجدانكم لهم. بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ولهذا قال «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم» ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته... وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» الحديث.. وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الاشهر الحرم...). (تفسير ابن كثير الجزء الثاني 317 -318 طبعة دار الحديث القاهرة).. فالجهاد إذاً سببه الشرك، وليس منع الملوك شعوبها اعتناق الإسلام، وهو قتال الناس وليس قتال الطواغيت، وشرط إيقاف القتل الدخول في الإسلام والقيام بواجباته.. ولما فرضت الشريعة الإسلام بحد السيف، أبقت الناس داخل حظيرة الإسلام بالسيف أيضاً، ولذلك قامت الردّة، وجاء في الحديث (من بدل دينه فاقتلوه).. فلو كان الناس في الشريعة يدخلون في الإسلام باختيارهم، لسمح لهم أن يخرجوا منه باختيارهم. يقول راشد عني (وهو هنا لا يستطيع التمييز بين الكافر «المحارب» والكافر «المعاهد» وخلط بين الظرف الخاص لجزيرة العرب والتي استدل بالآية على قتال وإجلاء الكفار حتى يسلموا وظرف بقية أقطار العالم أجمع) (الصحافة 14/2/2008م). والحق أن راشد هو الذي لا يستطيع أن يميز، لأن العهود مع الكفار قد نسخت بسورة ببراءة، فقد جاء (وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله «براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين؟ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام وأمر بمن كان له عهد إذا إنسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر ان يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الإسلام) (تفسير ابن كثير- الجزء الثاني ص317. طبعة دار الحديث. القاهرة). ثم إن راشد يزعم بأنني خلطت بين الظرف الخاص بجزيرة العرب، وظرف بقية العالم، دون أن يخبرنا عن اختلاف الظرفين وكيف خلطت أنا بينهما.. ولقد ذكرت أن التشريع يتقييد بظروف المجتمع، فرفض راشد ذلك، فلماذا جاء يحدثنا عن ظرف خاص بجزيرة العرب، في أمر تشريع الجهاد؟! وإذا كان الجهاد قد قام كظرف خاص بجزيرة العرب، فلماذا تدعو الجماعات الإسلامية له في كل مكان؟! وحين أعلنت حكومة الإنقاذ في بداية عهدها، الجهاد على جنوب السودان وجبال النوبة، لماذا لم يعترض راشد بحجة إن هذه ليست جزيرة العرب؟! وحين يعجز راشد عن الدفاع عن الحروب التي جرت باسم الجهاد، يطيب له أن يقول بأن الغرب، والشيوعيين، وأميركا يفعلون فظائع أكبر، فقد كتب (وفي نفس فترة «استالين» و«بيريا» الرهيب تجمد أكثر من (6) ملايين قوقازي في ثلاجات سيبريا... لن أحدثك عن مأساة السمبريرو على يد الأسبان ولا بكائية الرق في نظام «الابرتيد» بجنوب أفريقيا ومحرقة الهنود الحمر في براري أميركا وغيرها وغيرها من فعل كل هذا؟) (الصحافة 20/2/2008م). إن الذين ارتكبوا هذه الجرائم، ليسوا مسلمين، وليسوا إنسانيين، فما وجه الحجة في إيراد ما فعلوا؟! هل يريد راشد ان يقول اننا يجب الا ندعو للمستوى الإنساني الرفيع من ديننا، وان نتمسك بصور الشريعة على ما بها من قتال، لأن كل الآخرين يفعلون فظائع أكبر؟! ولم يحدثنا راشد وهو يبرر الجهاد، كيف سيبرر نتائجه مثل الرق، وما ملكت أيمانهم.. ولقد ورد في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال وهو راجع من إحدى الغزوات (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر- جهاد النفس)!! فالجهاد الأكبر، هو الذي يحتمل صاحبه الأذى، دون أن يدفع عن نفسه، وهو يدعو الآخرين بالتي هي أحسن، ويرجع إلى نفسه، كي يقومها، متى ما رفض الآخرون دعوته.. ولقد ظل النبي عليه السلام، على هذا المستوى الرفيع، طوال فترة الدعوة في مكة، وعلى نهجه نزل معظم القرآن. ولكن هذا المستوى، قد تم نسخه حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وأحكم الجهاد الأصغر، فاستبدل مستوى حرية الاعتقاد بمستوى الوصاية التي فرضت الإسلام وأحكمت السيف فوق الرقاب.

قضية المرأة التحدي الأكبر:


لقد ذكرت أن الشريعة الإسلامية، رغم حكمتها في وقتها، لا توفر للمرأة الحاضرة المساواة، فالمرأة مثلاً على النصف من الرجل في الشهادة، فرد راشد بقوله «أما بالنسبة لموضوع الشهادة فهذا شأن وظيفي بيولوجي سيكولوجي فالمسألة ليست متعلّقة بالتحمل بقدر ما هي متعلقة بالإدراك ابتداء وتغليب العاطفة على العقل فلو أن إنساناً سقط في مكان عال فماذا يتوقّع من إمرأة تشاهد المنظر الحين ستصرخ وتغطي وجهها ولن تدرك إذا ما دفع هذا الشخص أو سقط خطأ... على كلٍّ فالإسلام دين مساواة ولكنه بالدرجة الأولى دين حقوق...) (الصحافة 22/2/2008م). ما هي المساواة التي يبشر بها راشد النساء، حين يقرر أن المرأة ناقصة الإدراك إبتداء، وأنها تغلب عاطفتها على عقلها، لدرجة أنها تغطي وجهها، فلا ترى الأحداث التي يجب أن تشهد عليها!! فإذا كان هذا هو ظنه بجنس النساء، ألا يجوز أن تكون حالة المرأة التي حدثنا بأنها اعترضت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقوله: (في الماضي أوقفت المرأة قراراً سيادياً في رأس الدولة عمر بن الخطاب حتى قال عمر «أصابت إمرأة وأخطأ عمر»). (الصحافة 22/2/2008م) حالة شاذة لا يصح الحكم بها؟! فلقد أراد عمر رضي الله عنه، أن يحدد المهور، وهو شأن يخص النساء، وليس قراراً سيادياً كما ذكر هذا (الباحث) الذي لا يميّز بين الأحوال الشخصية، والقرارات السيادية.. ولقد اعترضت المرأة معتمدة على قوله تعالى: «وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً»؟! ولم يقل عمر: جزاك الله يا أختي فقد بينت لي حكم الله!! وإنما قال «أخطأ عمر وأصابت إمرأة!!» ولو كان هذا الوضع هو السائد في مجتمع الشريعة، لما استغربه عمر رضي الله عنه.. أم يظن راشد، أن الإستاذ الجامعي اليوم، إذا سأل سؤالاً فأخطأ شاب، وأصابت فتاة سيصيح «أخطأ فلان وأصابت إمرأة»!! ولم يجد راشد ما يدفع به في قضية المرأة، غير المرأة التي اعترضت على عمر رضي الله عنه، وامرأة أخرى قال عنها (ففي الماضي قامت كل الدنيا من أجل إمرأة قالت «وامعتصماه») (الصحافة 11/2/2008م). فهل هذه وتلك، هي الحقوق التي يزعم راشد أن الشريعة وفرتها للمرأة؟! ثم هل يصدق راشد ان المعتصم قاد الجيوش، وتحمل الخسائر في الأرواح، والعتاد، والأموال، ليغزو «عمورية» ويفتحها، فقط لأن امرأة صاحت «وامعتصماه»؟! ألا ترون أن راشد يحاورنا بعقلية طلاب المدارس الإبتدائية، الذين تحكى لهم هذه الحكايات، فيصدقونها، ويفرحون بها؟! وهل المعتصم نفسه، كان في حكمه ملتزما بالشريعة، حتى يثور لنصرة المظلوم؟! أم إنه ورث الحكم وورثه مفارقاً لنظام الخلافة الإسلامية؟! وأنه قام بالفتوحات توسيعاً للسلطان، وجلباً للغنائم، حين انحط الدين في النفوس، واستغل لجمع الدنيا، بعد تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض؟! يختم راشد موضوعه عن المرأة بقوله «على كل الإسلام دين مساواة ولكنه بالدرجة الأولى دين حقوق فإذا لم يساو بين النساء والرجال فهل سلب المرأة حقوقها؟ ثم ما هي العلاقة بين الرجال والنساء هل هي علاقة مغايرة وتضاد أم أنها علاقة توازن وتكامل كما الليل والنهار الماء والنار، الضياء والظلمة، السكون والحركة، الموجب والسالب، هل تستطيع ان تفاضل بين أي من هذه الثنائيات آنفة الذكر؟) (الصحافة 22/2/2008م) إذا نهضت المرأة بكافة الواجبات التي ينهض بها الرجل، ثم لم تتم المساواة بينهما، فإن هذا يعني سلبا لحقوق المرأة.. والعلاقة بين الرجال والنساء، علاقة تكامل وتعاون تقوم بين الأكفاء. ولا عبرة بقول راشد إن الثنائيات التي اوردها، لا تفاضل بينها، لأن التفاضل قائم بطبيعة الحال، ولكنه متفاوت حسب الحاجة في الزمان والمكان.. فإذا كنت في صحراء ولم تشرب لأيام، فإن الماء أفضل لك من النار، وإذا كنت في القطب الشمالي، فإن النار أفضل لك من الماء وهكذا.. فهل من العقل أن يقول راشد لا تفاضل بين الضياء والظلمة؟! فأنى يصرف راشد عن قوله تعالى «قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور»؟! وما ظنه بقول الشاعر: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ؟ إذا استوت عنده الأنوار والظلم

النسخ والإجتهاد:


يقول راشد (ثم يفاجئنا «الملا عمر القراي» بفهم جديد نقلاً عن صاحبه «العضيني» ان النسخ معناه الإرجاء وليس الإلغاء وكالعادة ليس ثم مرتكزات مهنية في مهنية التحقيق والتوثيق العلمي او أدنى مستوى لمرجعية ما لغوية كانت أم فقهية ولا حتى عقلية فمن أي شيطان استمد هذه الاحكام على كلام الله...) (الصحافة 24/2/2008م)، ثم هو بعد ان اساء الى رأيي كل هذه الإساءة، قال (واستمع لكلام أهل العلم -هداك الله- النسخ لغة معناه الإزالة وليس الإرجاء ومنه يقال نسخت الشمس الظل.. والنسخ إصطلاحاً رفع الحكم الشرعي بخطاب آخر) (الصحافة 27/2/2008م) فما الذي يجعل رأيي من الشيطان، ويجعل رأيه هذا، كلام أهل العلم؟! ثم أليس من أدنى متطلبات التوثيق العلمي، ان يدلنا على مرجع عبارته، التي ادعى أنها من كلام أهل العلم؟! وحتى لو قبلنا ان عبارته نقلها من بعض المفسرين أو الفقهاء، فهل يكفي ذلك لاعتبارها العلم الذي لا علم بعده، واعتبار ما سواها من الشيطان؟! وأنا لم اتحدث عن المعنى اللغوي للنسخ، وانما تحدثت عن المعنى الاصطلاحي، والذي قال راشد إنه يعني رفع الحكم الشرعي بخطاب آخر.. والسؤال هو: هل هذا الرفع سرمدي أم انه مرحلي؟! فإن قلت إن رفع الحكم سرمدي، بمعنى أن ما نسخ لن يحكم إلى يوم القيامة، فما الحكمة من انزاله إذاً؟! وإن قلت إن رفع الحكم مرحلي، بمعنى أن ما نسخ سيحكم في المستقبل، فهذا يعني أن النسخ إرجاء.. وهذا ما قلت به، وعليه يعتمد تطوير التشريع. ولقد ذكر راشد أنني فاجأته بمفهوم الإرجاء، وهذا يدل على أنه لا يعرف أقوال علماء السلف، الذين اعتبرهم نهاية العلم، ثم هو لا يفهم المفاهيم الحديثة التي أشرت إليها في مقالي، فلماذا يتصدى للنقد؟! فقد جاء (قال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس «ما ننسخ من آية أو ننسها» يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها. وقال مجاهد: عن أصحاب ابن مسعود أو ننسأها نثبت خطها ونبدل حكمها. وقال عبد بن عمير ومجاهد وعطاء ننسأها نؤخرها ونرجئها.. قال ابو العالية «ما ننسخ من آية أو ننسأها» نؤخرها عندنا.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خطبنا عمر رضي الله عنه فقال يقول عز وجل «ما ننسخ من آية أو ننسأها أي نؤخرها» «تفسير ابن كثير -الجزء الأول ص143 طبعة دار الحديث القاهرة». هل كان راشد يعرف أن من علماء السلف من فسّر النسخ بالإرجاء والتأخير؟ لقد ذكرت أن الاجتهاد، يجب أن يكون فيما فيه نص، وذلك بمعرفة الحكمة وراء النص، ولكن راشد رفض هذا الفهم، وأعاد علينا رأي الفقهاء بأنه لا يجوز الاجتهاد في ما ورد فيه نص. وكنت قد ذكرت أن الأشياء التي لم ترد فيها النصوص، لا أهمية لها عند الله ورسوله إذ لو كانت مهمة لوردت فيها النصوص.. ولكن راشد يرى (أن الإجتهاد يكون في التحسينات وليس في الواجبات والضرورات) (الصحافة 28/2/2008م). ثم يذكر راشد أطفال الأنابيب، واستنساخ الأعضاء، والصلاة في مركبة الفضاء، والتأمين.. إلخ، ثم يقول «فهل ما سبق له أهمية عندك أم لا؟ فإن قلت بأهميته فأين تجد صريح ذلك في القرآن؟ فإن لم تجد ظهر الفساد في رأيك وإن قلت ليس له أهمية عندي انكرت التقدّم وبذلك كنت عائقاً للحضارة والتقدم» «المصدر السابق». أنني لا أواجه الإشكال الذي ورّط فيه راشد نفسه، فأنا أرى أن هذه الأمور ليست من الضرورات، التي لها أهمية من حيث التشريع الديني، ولهذا لم يرد فيها نص صريح.. ونحن يمكن أن نتعامل معها، كأمور دنيوية، نختلف اأو نتفق حولها، دون اقحام الدين.. ولكن السؤال الذي يواجه راشد هو: هل يقبل الاجتهاد في هذه النماذج التي أوردها؟! فإن أجاب بنعم، فهذا يعني أنه يعتبرها من التحسينات، وليس من الضرورات، وذلك لأنه قال «إن الاجتهاد يكون في التحسينات وليس في الواجبات والضرورات» (المصدر السابق). وبذلك يكون قد اتفق معي، ويكون مثلي عائقاً للحضارة!! أما لو أجاب بأنه لا يقبل الإجتهاد فيها، وهي أشياء لم يرد فيها نص، فإنه يكون قد رفض الاجتهاد فيما فيه نص، وفيما ليس فيه نص، فلم يبق له إلا النقل من السلف رغم دعاوى الاجتهاد!!

خاتمة:


لقد كان من الممكن، أن استمر في التعقيب على السيد راشد ابو القاسم أكثر، حتى لا أترك جملة من كتابته دون تعليق.. ولكن لم يكن همي تفنيد كل ما قاله، بقدر وضع يده على حقيقة أنه يتصدى لنقد فكرة، لم يطلع عليها إلا من خصومها، دون صدق، ودون منهجية علمية.. وهو لا يعلم أنني بدأت مثله، معجباً بفهم السلف، حافظاً لآرائهم، ثم بعد دراسة متأنية انتقلت لمستوى متقدّم في فهم الإسلام، فما يقدّمه راشد لي معلوم عندي، وما أقدمه له، جديد عليه، ومفاجئ له.. وكل ما أرجوه من راشد، أن يقدم ما يقع في قلبه من الحق، على حظ نفسه في الغلبة. ويقرأ الفكرة بتمعن، من مصادرها بعقل محايد، ويسأل الله صادقاً، أن يريه الحق من الباطل، فإنه إن يفعل ذلك، يحمد عقباه، إن شاء الله.

[url]http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=45908[/url]