إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
سرد تاريخى لوضع المرأه منذ حضارة مروى ومرورا بالاستعمار حيث نشأت المحاكم الشرعيه وحتى قانون الاحوال الشخصية عام ١٩٩١ مع تحليل علمى وتوضيح لوض
كانت وضعية المرأة السودانية متميزة وحاضرة وفاعلة في الشأن العام منذ حضارة مروي التي تميزت ببروز المرأة الملكة وظهور دور المرأة في الجوانب الدينية والسلمية والحربية والاجتماعية. واذا كان هناك من يقف ضد حقوق المرأة إلى الآن باسم الاسلام فإن اسلام السودانيين الصوفي المتسامح الذي ينظر للقيمة الإنسانية قد جعل المرأة خليفة في بقعة المسيد بعد والدها كما ان الشيخ خوجلي نفسه قرأ القرآن على بنت القدال. وبما ان تدين التصوف يقوم على التربية والتوجيه فإن المهدية لما انزلقت إلى السلطة اخذت تفرض رؤيتها قسراً ورفعت السوط لجلد النساء. ولما جاء الاستعمار على انقاض حركة دينية اقام محاكم سماها (محاكم شرعية) ليحتكم اليها اصحاب الملة المغلوبة في احوالهم الشخصية. وفي الاحوال الشخصية كان السائد في الخلافة الاسلامية المذهب الحنفي، وبما انه مذهب اهل الرأي فإنه خالف الفقه التقليدي واعتبر للمرأة حقها في الاهلية لعقد زواجها واورد ادلته النقلية والعقلية ورد على آراء جمهور الفقهاء ولكن لما خلص الأمر إلى القضاة الشرعيين كانت النكسة والتراجع من المذهب الحنفي لدرجة اقرار اكراه الفتاة على زوج لاتريده. كانت هذه المأساة قد بدأت عام 1933م وهم اذا كانوا يتذرعون لذلك بالمذهب المالكي فإن الامام مالك في كتابه الشهير (الموطأ) قد اورد الاحاديث الشريفة التي تنص على استشارة الفتاة واخذ رأيها في زواجها. وقد استمرت هذه المأساة حتى سنة 1960م حيث كان بعض الفتيات اخترن القبر (منتحرات) بدل بيت القهر فضج الناس من هذا المصيرالمفروض على المرأة باسم الشريعة والشريعة بريئة من ذلك. وفي سنة 1960م افاق القضاة الشرعيون واصدروا منشوراً جديداً لم يزد على ان الفى اجبار الفتاة على زوج لاتريده ولكنه اقر الولاية عليها واستمر سلب اهليتها لعقد زواجها التي اسسها لها المذهب الحنفي. وفي الوقت الحديث تمكن الرجل العصامي الشيخ بابكر بدري من انشاء اول مدرسة للبنات برفاعة متغلباً على نظرة رجال الدين المعارضة وعلى التقاليد المتخلفة. ودخل تعليم الفتاة في الصورة وقامت نقابات ومجموعات نسوية وقام الاتحاد النسائي. وكما اعتبرت الحضارة السودانية المروية المرأة السودانية واعتبرها التصوف فقد تمخضت البيئة السوداناوية عن تولي المرأة للقضاء من بين كل الدول العربية. وفي عام 1954م كانت فرصة المشاركة في الانتخابات لخريجات الثانوي. اما ثورة اكتوبر فقد اعلنت واقرت مساواة المرأة السياسية كناخبة ومرشحة ونائبة برلمانية وذلك لبروز المرأة في مقاومة السلطة العسكرية ولبلائها في ثورة اكتوبر. وقد انطلقت المرأة بحماس لممارسة حقها السياسي فكان مجموع من صوتوا 72% نساء و74رجال. وهكذا اعترفت بها الاحزاب ولكن لم تتمكن المرأة بعد من التحرر من استغلال الاحزاب لها كناخب لتظهر البرلمانيات في مواقع الترشيع والقرار، وهذه تصبح الآن هي مسؤولة المرأة بعد اتفاق السلام والدستور الذين كانت مركزيتما حق المواطنة المتساوية وحق المرأة في المساواة كنص الدستور. ولكن هذه الحقوق الدستورية لن تطبق في الواقع مالم تظهر المرأة في مواقع القرار كنائبات برلمانيات خاصة ان الاسلام السياسي الذي اصدر قانون الاحوال الشخصية عام 1991م المميز ضد المرأة والمخالف للدستور الانتقالي لايزال هو الذي يحكم حقوق المرأة في مجال عطائها الحقيقي (بيتها) مملكتها. ويكفي ان نذكر ان بيت الزوجية بيت المودة والرحمة هو في ذلك القانون بيت (حبس) الزوجة ومكان اقامتها (الجبرية) ولذلك من حق زوجها ان يمنعها من الخروج ولو للعمل والمشاركة في التنمية وممارسة حقها الدستوري في العمل وان خرجت تعد (ناشزة) ومخلة بواجبها الزوجي ويمكن ان ترد إلى (المحبس) بحكم الطاعة. كل هذا يجري في ظل حق المواطنة المتساوية وفي بيت المودة والرحمة كما هو في الشريعة، ومجموعات النساء لا تظهر جهودهن ولاينهضن لمقاومة هذا القانون المخالف للشريعة وللدستور، وفي السودان الرأي الاسلامي المستنير للاستاذ محمود محمد طه الذي يعلن ان تطوير حقوق المرأة لايقوم على الذكورة والانوثة وانما الحقوق تتجدد بتجدد الواجبات. قال تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ومعلوم ان المعروف عندنا اصبح هو تعليم الفتيات إلى أعلى المستويات وقد تبع ذلك توليهن لواجبات جديدة مساوية لواجبات الرجل ان لم تتفوق عليه فاستحقت الحقوق المتساوية كما في القوانين الوضعية. اما في القوانين المنسوبة للشريعة ليس هناك اجتهاد وتجديد وانما نحكم على المرأة المعاصرة بالموروث الفقهي الذي لم يعاصر قامتها الانسانية الجديدة وحسبنا هذا تنكر لقامة المرأة وتشويهاً للدين لتبحث المرأة عن مساواتها في الحضارة الغريبة على قصورها.
صحيفة الايام اليوميه العدد رقم: 9010 السبت 2008-01-19