(المن عقدوا ما نقضوا) هذه قولة يرددها الصوفية عندنا في السودان ، ويقصدون بها تجميد وعي الحيران، والتلاميذ، المخلصين لشيوخهم الذين لم يشكوا أو يتشككوا يوماً في جدوي الطريق الذي سلكوه، بل لم يقوموا بمراجعة مسيرتهم .. الأستاذ محمود يردد هذه المقولة (المن عقدوا ما نقضوا) ويقصد بها تمجيد الجمهوريين الذين لم يعيدوا النظر في الفكرة، وبالطبع، فإن عدم إعادة النظر ليس فضيلة .. ولكن الأسوأ من هذا الوضع هو قول أحد الأتباع (لم أخالف شيخي طوال حياته، فكيف أخالفه بعد مماته) ، هذا التابع المسكين الذي جمد عقله، وسلم كل أموره لشيخه طوال حياة الشيخ، ثم ظل بعد ذلك محكوماً بشيخه في قبره، مدى حياة التابع المسكين، لأن ملكة الاستقلال قد ماتت فيه، وفقد ذاته إلي الأبد
في السنين الأخيرة، تحولت الحركة إلي نشاط دراويش، حيث تخرج مسيرات الذكر العصر، بالإسم المفرد (الله ، الله ، الله) إلي أن تصل منزل الأستاذ بالحارة الأولي بالمهدية، ثم يستمر الذكر حتى أذان المغرب، يهتز الأخوان والأخوات في حركة ثلاثية (الله ، الله ، الله) في عمل غير مقنع لقطاع كبير من الجمهوريين، ولكن لا يستطيع الإعتراض لأن الأستاذ كان حريصاً علي الذكر
أتي أحد القياديين ، بنص من الأستاذ بأن الدعوة التي لا تنتصر في حياة صاحبها ، هي دعوة (ناقصة) ، وفي رواية أخري هي فتنة
أروي للقراء هذه السابقة التي لها مدلول كبير: سأل أحد الطلاب الجنوبيين مقدم ركن النقاش الجمهوري بقهوة النشاط بجامعة الخرطوم: هل يجوز لي إذا صرت مسلماً بالفهم الجمهوري أن أصلى، وأتلو القرآن في صلاتي بلغة الباريا؟ لف مقدم الركن ودور، ولكن السائل حاصره، فلم يجد مقدم الركن بدأً من الإجابة بلا، فقال له السائل الجنوبي بالحرف، هذا ليس دين الله، هذا دين العرب!! أنا بكل تواضع، لا أتفق، مع إجابة مقدم الركن، لأني لم أجد في الفكرة ما يمنع ذلك والأصل في الأشياء الحل والإباحة، ولكن إجابة مقدم الركن لها مدلول هام هو أن الفكرة، ليس لها مشروع صريح ومحدد المعالم للجنوبيين يعترف لهم بحقهم الثقافي في تطوير لغاتهم المحلية