إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
فى الاحتفال بذكرى الأستاذ محمود محمد طه بدار الحركة الشعبية
اتيم قرنق : محمود نادى بالفيدرالية قبل الجنوبيين
رصد : علاء الدين بشير
نقلا عن صحيفة الصحافة الجمعة ١٩ يناير
فى الاحتفال بذكرى الأستاذ محمود محمد طه بدار الحركة الشعبية
اتيم قرنق : محمود نادى بالفيدرالية قبل الجنوبيين
عرمان : الفكر الجمهورى مهم لوحدة السودان ونهضته
اسماء محمود : الاستعلاء بالايمان قاعدة للاستعلاء العرقى
امين مكى مدنى : وجم الجميع وتصدى الاستاذ وحده للارهاب المايوى
رصد: علاء الدين بشير ala-4506@hotmail.com
نظمت اللجنة القومية للاحتفال بالذكرى الثانية والعشرين لاغتيال الاستاذ محمود محمد طه ويوم حقوق الانسان السودانى ، بالتعاون مع سكرتارية الشباب والطلاب بالحركة الشعبية قطاع الشمال ، امس يوما مفتوحا بدار الحركة بالمقرن ، احياء للذكرى , وشهد الاحتفال جمهورا غفيرا من الناء والرجال غلبت بينهم الاجيال الجديدة , وتمظهر ذلك فى كم الاسئلة التى انهالت على القيادى الجمهورى الاستاذ خالد الحاج فى ورقته التى قدمها فى الندوة المصاحبة الاحتفال , وعرضت اللجنة المنظمة شريط الفيديو الذى يبين وقائع المحاكمة للاستاذ محمود وتلاميذه , بينما انشد رهط من الجمهوريون بقيادة (كرومة) و المهندس عبد الله فضل الله قصيدة مؤثرة شدت الحضور الى درجة الانفعال .
اتيم قرنق ، نائب رئيس المجلس الوطنى ، قال فى كلمته امام الاحتفال ان السودانيين يعيشون فى ظلام منذ الاستقلال وحتى اليوم ، واضاف : اذا كنا نريد النور لما قتلنا الاستاذ محمود محمد طه ، واوضح ان الاستاذ محمود فكر من داخل الفضاء الاسلامى ولكن رؤاه استوعبت غير المسلمين لآنها غير منحازة للعروبة ولا للدين بشكل متعصب وانما كانت للمواطن السودانى من حيث انه سودانى ، مشيرا الى انه - الاستاذ محمود- طالب بتطبيق الحكم الفيدرالى قبل ان ينادى به حتى الجنوبيون لانه نظر ببصيرته الثاقبة فرأى ان التنوع الموجود فى السودان لايمكن ادارته بمركزية قابضة ، وقال اتيم قرنق ان القوى السياسية رفضت فيدرالية الاستاذ محمود وتحاول اليوم تطبيق فيدرالية كسيحة حيث قسم الجنوب الى عشر ولايات يريدون ادارتها من القصر الجمهورى ، وتابع ايضا ، نادى الاستاذ محمود باحترام التنوع الاثنى والدينى وحسن ادارته قبل ان تنادى بذلك الحركة الشعبية .
وقال قرنق، انه كان فى مصر ابان نشاط الجمهوريين وسمع المصريين يتحدثون عن ظاهرة اسمها محمود محمد طه فى السودان تدعو للتجديد الاسلامى ، مشيرا الى انه كسودانى كان فخورا بذلك لان المصريين لا يعيرون اية فكرة تجديد اسلامى اهتماما الا ان تكون صادرة عن الازهر..
وقال نائب الامين العام للحركة الشعبية لقطاع الشمال ، ياسر عرمان ، ان احياء ذكرى الاستاذ محمود تهمهم من نواحٍ عدة ، لانها تأتى فى وقت يحتاج فيه السودان والعالم اكثر من اى وقت مضى لافكاره المستنيرة ، واضاف : تظل مكانة الجمهوريين فى الساحة السودانية شاغرة لم يملأها اى تيار سياسى او فكرى ، واردف «كم رغبنا ان يساهم الجمهوريون فى تبصير الناس بحقائق الاسلام السمحة» ، واوضح عرمان ان بلادنا شهدت حربا طويلة نتيجة للانسداد فى البصائر لذلك فانها ومعها الحركة الشعبية تحتاج الى افكار الاستاذ محمود لانها مهمة جدا لجهة وحدة السودان ونهضته ، وطالب عرمان كل القوى السياسية بأن تصمد فى الدفاع عن حق الجمهوريين فى التعبير عن ارائهم وافكارهم ، مشيرا الى انه لم يسمع او يقرأ موقفا لتلك القوى مدافعا عن هذا الحق ، وقال عرمان انه باسم الحركة الشعبية يؤيد الحق الدستورى لتلاميذ الاستاذ محمود فى التعبير عن افكارهم ورؤاهم ، مؤكدا على ان الراحل الدكتور جون قرنق كان يكن تقديرا عميقا للاستاذ محمود محمد طه .
وخاطبت الاحتفال عبر الهاتف من الخليج انابة عن اسرة الاستاذ محمود، ابنته اسماء ، مشيرة الى ان استضافة الحركة الشعبية للاحتفال بذكرى الاستاذ محمود دلالة مهمة ، لانه ظل دوما يقول ان حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال ، ورفض الاستعلاء بالايمان عبر دعوته لتطوير التشريع الاسلامى، مشيرة الى ان التطوير عنده لم يكن قانونيا فقط وانما كان اجتماعيا ايضا لان الاستعلاء بالايمان عند الاستاذ هو الخلفية الفكرية التى يستند عليها الاستعلاء العرقى والذى ناضل الاستاذ من اجل نشر الوعى المضاد له ، حيث رأى انه لن تكون هناك مفاهيم اجتماعية وقانونية ودينية لحق المواطنة الا عبر تطوير التشريع الاسلامى ، واشارت اسماء الى ان الاستاذ محمود طالب بحقوق الاقاليم وعلى رأسها الجنوب ، وقالت ان التحالف الذى قتل الاستاذ محمود هو نفسه الذى همش اقاليم السودان وكرس للاستعلاء العرقى والدينى .
وتحدث فى الاحتفال الناشط الحقوقى المعروف الدكتور امين مكى مدنى ، كاشفا ابعاد ما اسماها بالمؤامرة فى محاكمة الاستاذ محمود ، لانه انبرى للتصدى لقوانين سبتمبر التى استنها نظام مايو وهو يحتضر بعد موجة العصيان المدنى التى انتظمت كافة القطاعات المهنية فى البلاد وعلى رأسهم القضاة، والذين قال نميرى انه سيجعلهم يطبقون القوانين التى لايعرفونها ، واضاف مدنى انه وبتطبيق تلك القوانين بدأ عهد ظلامى لا علاقة له بالدين ولا الاخلاق ولا القانون وانما كان محض ارهاب ، وقال مكى انه وفى خضم هذه الاجواء وحينما وجم الجميع تصدى الاستاذ محمود لذلك وعرى الاوضاع القائمة من اىة صلة لها بالدين الاسلامى ، الامر الذى جعل النظام بشقيه «الهوس الدينى والطغمة الديكتاتورية» يدبرون المحاكمة بليل للاستاذ من اجل اسكاته ، مشيرا الى ما وصفها بالمحكمة المهزلة حيث اخذت القضية الى محكمة سميت بمحكمة الاستئناف فى مخالفة صريحة لما جرت عليه العادة فى ان ترفع القضية الى المحكمة العليا من محكمة الموضوع ، مضيفا بأن محكمة الاستئناف حولت القضية الى قضية ردة ولم تكن مثل تلك التهمة موجودة فى القانون الجنائى وغير معروفة للقضاة السودانيين ، موضحا ان القاضى بفعلته تلك اجتهد رأيه ونصب نفسه مكان المشرع . واكد مكى بأن المحاكمة كانت مليئة بالاخطاء من اجهزة الدولة المختلفة والقضاة والمستشارين بالقصر الجمهورى ومن رئيس الجمهورية وقتها ، واردف ان جريمة الردة لم يكن مقصودا بها الانتصار لحد دينى ، اذ ان هناك اختلافا بين الفقهاء والمفكرين حول اصلها الدينى ، وانما كان مقصودا بها اسكات المعارضين السياسيين ومصادرة حرية التعبير . وكشف مكى عن ان قوانين سبتمبر تسببت فى قطع يد اكثر من 200 شخص من الابرياء والفقراء والمساكين ، موضحا ان المحاكم اليوم تصدر احكاما بالقطع فى جرائم السرقة ولكنها لا تنفذ ، مبينا ان عدم تنفيذها راجع الى ادراك القائمين على الامر ان ذلك صار غير مقبول انسانيا ، مشيرا الى انه اذا وضعت قوانين وصدرت بموجبها احكام ولم تنفذ فان ذلك يمثل اهانة كبرى للقضاء !! .
وتحدث انابة عن اللجنة القومية للاحتفال بالذكرى ، الاستاذ شمس الدين ضو البيت ، موضحا ان احتفالهم اليوم هو احتفالان، الاولى بالذكرى ، والثانية بقدرة اللجنة القومية على تنظيم الاحتفال الذى فشلت فى تنظيمه فى المرات السابقة بسبب رفض السلطات اقامته ، ورأى ضرورة ان يمثل الاحتفال انعطافا نحو السلام والحرية والنضال من اجل اخذ الحقوق والتشديد على ألا يضار احد من السودانيين بسبب ارائه ومعتقداته .
وقال الاستاذ ابراهيم يوسف فى كلمته انابة عن الجمهوريين ، بأن الاستاذ محمود وبعض تلاميذه كانوا قد اعتقلوا لاكثر من عام ونصف العام بسبب اصداره لكتاب «الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة» ، واكد ان الاستاذ محمود حاكم المحكمة والقوانين التى تعمل بها قبل ان تحاكمه ، فى كلمته الشهيرة امامها ، معددا بعض من مآثر الاستاذ محمود الشخصية ومواقفه فى الدفاع عن حقوق السودانيين .
وبعد ذلك قدمت فى الاحتفال ورقتان الاولى ، بعنوان «السلام فى الفكر الجمهورى» قدمها الاستاذ خالد الحاج ، وعقب عليها الاستاذ الحاج وراق ، والثانية بعنوان «كيف نجعل من اتفاقية نيفاشا اطارا للسلام الشامل» قدمها الدكتور حيدر ابراهيم على ، وعقب عليها الدكتور عبد الرحيم بلال . حيث قال الاستاذ خالد ان اية دعوة للحرب اليوم هى دعوة غير علمية ، وان اقامة السلام تبدأ بعدم النظر للاخر كنقيض وانما هو مكمل لنا ، مؤكدا ان الحوار هو الذى يشيع السلام لانه اذا ما استغنينا عن السلاح يعنى هذا تلقائيا استعانتنا بعقولنا ، وبذلك توضع اللبنة الاولى لثقافة السلام ، مشددا على تفعيل اتفاقية السلام والتأسيس لفكرة الاتفاق على ان نختلف دون عنف حتى نعرج بذلك الى ان نتفق على ان نتفق .
وشدد وراق فى تعقيبه على ان ذكرى الاستاذ محمود هى عنوان لنهضة السودان ، لان الحد الفاصل بين الازمنة المظلمة والانوار هو حرية الفكر والتعبير وهو ما اكدت عليه تجربة اوربا فى عصر النهضة والتنوير ، وقال لا يمكننا ان نتعايش فى ظل تبايننا الفكرى والدينى الا بكفالة حرية الفكر والتعبير .
ووصف الدكتور حيدر فى ورقته السودانيين بانهم يبخسون اشياءهم ، ففى حين يكتب ويتحدث البعض اليوم عن ثبات صدام امام المشنقة ، لم يذكر احد ثبات الاستاذ محمود ولا ابتسامته ولا ثبات عبد الخالق محجوب ولا كل المناضلين الاخرين الذين ثبتوا فى لحظات الاعدام ، ورأى حيدر ان اتفاقية نيفاشا ايضا عمل عظيم ولكن يبخسه السودانيون بجعلها سببا للخلاف بينهم ، مؤكدا على امكانية تطوير نيفاشا عبر ممارستها ، واصفا الاتفاقية بانها تعتبر الاستقلال الثانى للسودان باعتبارها استدراكا لما لم يستدركه جيل الاستقلال حول مهام بناء الدولة الوطنية الحديثة .
ورأى الدكتور عبدالرحيم بلال امكانية تغيير موازين القوى عبر نيفاشا بتضامن القوى الديمقراطية والتفافها حول الاتفاقية والضغط من اجل جعلها اتفاقية للشعب السودانى .