لقاء صحفي مع الأستاذ محمود محمد طه زعيم الأخوان الجمهوريين
صحيفـــة المطــرقة (حائطية) - معهد تدريب معلمات الثانوي العام
أجرى اللقاء محمد الحسن محمد أحمد
١٤ يناير ١٩٧٩م - مدينة الثورة - الحارة الأولي - منزل الأستاذ محمود محمد طه
كمدخل لهذا اللقاء أرجو أن يحدثنا الأستاذ عن أبعاد فلسفة الجمهوريين "دينيا و إجتماعيا".
الأستاذ : هي بعث الإسلام من جديد ، في مستواه العلمي ، الذي أشير إليه بالفطرة "فطرة الله التي فطر الناس عليها" .. الحديث: "الإسلام دين الفطرة" .. وفي الفطرة تلتقي البشرية من حيث هي بصرف النظر عن ألوانها و ألسنتها و معتقداتها .. الدعوة الجمهورية "الدعوة الإسلامية الجديدة" دعوة لبعث الدين في المستوى العلمي .. علم النفس وهذا المستوى يتسامى فوق العقيدة و هو مضمن في أصول القرآن - القرآن المكي- هذا المستوى من الإسلام ليس دينا بالمعنى المألوف عن الأديان ، و إنما هو خلاصة وتتويج للمجهود البشري في جميع الحقول و بخاصة في حقل الدين - في هذا المستوى التركيز علي الحرية الفردية في مكان الغاية ، والحرية الجماعية في مكان الوسيلة - بمعنى آخر الفرد هو وحده الغاية من وراء كل الوسائل بما في ذلك وسيلة الإسلام ، و القرآن ، والمجتمع. ففي هذا المستوى من الإسلام المجتمع ينظم بطريقة تجعله الوالد الشرعي للإنسان الحر الكامل ، و هذا التنظيم عندنا يقوم علي ثلاثة مستويات:
مستوى العدالة الإقتصادية (الإشتراكية).
مستوى العدالة السياسية (الديمقراطية).
مستوى العدالة الإجتماعية (المساواة بين الرجال والرجال وبين الرجال و النساء من غير وصاية تقع من فرد علي الناس).
هذه المستويات موجودة في أصول القرآن "المكي" وليست موجودة في فروع القرآن "المدني" .. وجوهر الدعوة الإسلامية الجديدة يقوم علي تطوير التشريع من الآيات المدنية التي تنظم الإقتصاد علي أساس الزكاة ، وتنظم السياسة علي أساس الوصاية - إما بالسيف علي المعترضين ، أو بالقانون علي المؤمنين - وتنظم الإجتماع علي أساس وصاية الرشيد علي القصر ، و قد كان النبي وصيا على كل الناس ، و الرجال أوصياء علي النساء ، والمؤمنون أوصياء على أصحاب الملل و التحل الأخرى.
الرسالــــة الثـــانية ؟
أصول القرآن قامت عليها شريعة هي شريعة النبي في خاصة نفسه وهي ما تسمى عندنا بالسنة ، و فروع القرآن قامت عليها شريعة هي شريعة عامة الأمة. بشريعة أصول القرآن كان محمد نبيا ، و بشريعة فروع القرآن كان محمد رسولا ، و الفرق بين الشريعتين يمثله الفرق بين النبي و بين الفرد من سائر أمته.
شريعة أصول القرآن - السنة - هي الرسالة الثانية ، و شريعة فروع القرآن هي الرسالة الأولي ، و نحن اليوم دعاة إلي الرسالة الثانية بمعنى بعث السنة التي كانت تكليف النبي في خاصة نفسه لتكون شريعة لعامة الناس في المجتمع الذي بشر به النبي وسماه إخوانه في مقابل أصحابه في الحديث المشهور: "وا شوقاه لإخواني الذين لم يأتوا بعد .. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل أنتم أصحابي. وا شوقاه لإخواني الذين لم يأتوا بعد .. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل أنتم أصحابي. وا شوقاه لإخواني الذين لم يأتوا بعد .. قالوا: من إخوانك يا رسول الله ؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم. قالوا:منا أم منهم؟ قال : بل منكم. قالوا: لماذا ؟ قال: لأنكم تجدون علي الخير أعوانا ولا يجدون علي الخير أعوانا." .
الرسالة الثانية هي شريعة الأخوان ، والرسالة الأولي هي شريعة الأصحاب. ونحن نعتقد أن جاهلية القرن العشرين الحاضرة هي الجاهلية التي ينبلج فجر ليلها عن الرسالة الثانية كما إنبلج فجر ليل جاهلية القرن السابع عن الرسالة الأولي.
ماذا يمكن أن يقول الأستاذ حول ما نسب إليه في مجلة صباح الخير المصرية من قول (أنا محمد .. أنا المسيح .. أنا الله) ؟
الأستاذ : مجــرد هــراء.
وماذا كان الرد ؟
الأستاذ: إخراج كتيب - أعد للطبعة الثانية.
بما أن هذا لا يكفي لماذا لم يرفع الأستاذ الأمر للقضاء؟
الأستاذ : عدم الثقة في القضاء المصري أدت للتوقف عن التقدم إليه.
ماذا يقول الأستاذ عن الصلاة كوسيلة وليست غاية ؟
الأستاذ: الصلاة أعظم عمل العبد ، أعلي العبادة اللفظية قولك "لا إله إلا الله" و أعلي العبادة العملية "الصلاة" ، وقد جمعن هذه في العبارة القرآنية "إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه" ، فالكلم الطيب "لا إله إلا الله" و العمل الصالح علي قمته الصلاة وكما سبقت الإشارة في إجابة سابقة أن الفرد هو وحده الغاية من جميع السعي من إنزال القرآن و إرسال الرسول وتشريع الشريعة ، والصلاة الشرعية المعروفة عندنا في الدين بهيئتها و أوقاتها هي أكبر وسيلة لتوصيل الفرد إلي مقام حريته ، و الصلاة تقع علي مستويين كلاهما ورد في الحديث: "الصلاة معراج العبد إلي ربه" .. و هذه هي الصلاة الصغرى التي جاء بها جبريل إلي النبي في مكة. جاءه بأوقاتها و بهيئة وضوئها وبهيئة أدائها. "والصلاة صلة بين العبد وربه" و هذه هي الصلاة الكبرى التي لم يكن جبريل حاضرها لحظة فرضها. كلا مستويين الصلاة وسيلة كما قررنا ، ولكن وسيلة الصلاة الكبرى اقرب إفضاء إلي الغاية ذلك لأن بها تتم الشريعة الفردية.
الصلاة الصغرى هي تكليف النبي بالأصالة و تكليف الأمة بالتبعية والتقليد ، فالنبي فيها أصيل و الأمة فيها مقلدة له. هي وسيلة إذا أحسن التوسل بها و ذلك بإتقان تقليد النبي. توصل إلي الصلاة الكبرى و ذلك بسقوط التقليد و قيام الأصالة. و النبي الكريم هو داعي الصلاة الصغرى بقوله ، وعمله .. وهو داعي الصلاة الكبرى بقوله ، وعمله ، وحاله. فإذا سار المقلد بإتقان فإنه يصير إلي حال يشبه حال النبي من صدق التوجه إلي الله و حضوره معه وفراغ باله عما سواه وهذه الحال هي الأصالة في مقابل التقليد .. فالتقليد المتقن يفضي إلي الأصالة و هذا ما نقول به .. نحن لا نقول بإسقاط الصلاة ، و إنما نقول بإسقاط التقليد حتى يفضي إلي الأصالة و يسقط التقليد .. و تقوم الأصالة تأسيا بالنبي الكريم .. وعند الأصالة يأخذ الأصيل صلاته بلا واسطة .. فهو إذن علي صلاة و لكن شريعته فيها شريعة فردية و ليست شريعة جماعية.
نسب إليكم (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر و أنا لا أفعل الفحشاء والمنكر لذلك لا أصلي) ما رأيكم ؟
الأستاذ: فالقول المنسوب لي بأني قد إنتهيت عن الفحشاء والمنكر ولذلك لا أصلي ، قول خطأ .. جاء من عدم الدقة في فهم ما أقول. فإن غرض الصلاة ليس فقط أن تنهي عن الفحشاء و المنكر و إنما غرضها الأعظم من هذا ، و الأبعد مدى هو الذي يجعلها لا غنى عنها لأحد ، إنما هو إنشاء العلاقة بين العبد و الرب وهى علاقة دائما و أبدا "سرمدية" تحتاج إلي إعادة ومراجعة.
ما رأيكم في توفير جو الإختلاط في التعليم كي لا تكون الشقة بعيدة بين الرجل و المرأة و كي لا يحدث فساد فيما بعد ، فكل ممنوع مرغوب ؟
الأستاذ: الإختلاط في الشريعة ممنوع و المرأة مكانها البيت و القرآن يقول :" وقرن في بيوتكن" فالحجاب هو خلف الباب و لكن لدى الضرورة يستبدل حجاب الباب المقفول بالثوب المسدول. و هو أن تخرج المرأة كاسية بالثياب الساترة و لا يبدو منها غير وجهها و راحتا كفيها و ظهرا قدميها وهي لا تخرج إلا لدى الضرورة. و الضرورة حددت بألا يكون لها عائل يكسب عليها قوتها. فرؤي أن تخرج لتكسب قوتها بالعمل الشريف. وهي في الشريعة لا تتعلم من العلم إلا أمور دينها. تتعلم ما لا تصح العبادة إلا به ، و تعلمها إمرأة ، أو يعلمها رجل من وراء حجاب . والتعليم في المدارس لا يعتبر في الشريعة سببا من أسباب خروجها من منزلها .. هذا هو الموقف في الشريعة .. و لكنه في الدين يختلف إختلافا كبيرا ، لأن الشريعة قد جاءت لمجتمع متخلف قد كان يئد البنت حية و من النص "و إذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت" .. فأصبحت الشريعة في مثل هذا المجتمع مشدودة إلي رواسب الماضي فلم تعط المرأة حقها كاملا و إنما وضعتها تحت وصاية الرجال و آية ذلك من كتاب الله "الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و أهجروهن في المضاجع و اضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا" .. هذه هي الآية التي قامت عليها الشريعة ، و أما آية الدين فهي "و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، و للرجال عليهن درجة" ، فإذا تطور التشريع من مستوى آيات الفروع إلي مستوى آيات الأصول فإن المرأة يصبح لها كامل الحرية في أن تفكر و تقول وتعمل علي شرط أن تتحمل مسئولية قولها وعملها أمام القانون الدستوري "قانون الرسالة الثانية" .. فلا يكون هناك عليها وصي غير القانون و لا يكون هناك وصي علي الرجال غير القانون.
ما رأيكم في معلم و معلمة اليوم ؟
الأستاذ: المعلمة الحاضرة إذا ما قيست بالمعلمة الماضية مؤهلة أكاديما أكثر. و المعلم الحاضر إذا ما قيس بالمعلم الماضي تأهيله أقل.
بإختصار أجب ..
من هو المسلم؟
الأستاذ : مثاله النبي "فقد كان المسلم الوحيد بين أمته"
من هو المؤمن؟
الأستاذ : مثاله أبو بكر "فقد كان قمة المؤمنين".
إلي أين وصل الإسلام ؟
الأستاذ : تنصل عنه الناس فلا وجود له إلا بين دفتي المصحف.
ما هو الطريق ؟
الأستاذ : بعث لا إله إلا الله من جديد لتكون خلاقة في صدور الرجال و النساء و يكون ذلك ببعث السنة.
كلمة أخيــرة …
الأستاذ: لا كرامة لأحد علي هذه الأرض إلا إذا انبعث الإسلام في مستوى الرسالة الثانية لأن به تحرير العقول من الأوهام و الجهالات ، و سلامة القلوب من التمزق و الإنقسام.
أوصي بهذا أبنائي و بناتي من المعلمين و المعلمات في مجمعهم هذا الميمون ، و أوصي به بشكل خاص المعلمات لأنهن و بنات جنسهن أكبر من استضعف في الأرض ، و ببعث الإسلام في مستوى الرسالة الثانية يتحقق لهن موعود الله بالنص :
(و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين).
أنتهي اللقاء