إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعلموا كيف تصلون

بسم الله الرحمن الرحيم
((حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم، وأبصارهم، وجلودهم، بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا ؟؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء، وهو خلقكم، أول مرة، وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم، ولا أبصاركم، ولا جلودكم.. ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم، الذي ظننتم بربكم، أرداكم، فأصبحتم من الخاسرين))

صدق الله العظيم


المقدمة


هذا أول كتاب يصدر من سلسلة: ((تعلموا كيف))، وهي السلسلة التي سنوالي إصدارها حتى نشيع في الناس الأسلوب العلمي لإنجاز كل عمل يرمي إلى خدمة الناس، وإلى إخصاب حياتهم، وإلى تيسير طرق كسب عيشهم. وهذا الأسلوب العلمي نفسه سيعنى، في المقام الأول، بخدمة غرض الفرد بإعانته على توحيد القوى المودعة في بنيته، وذلك بتقريب المسافة بين فكره، وقوله، وعمله، حتى يصبح يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة قوله، ولا عمله، إلا براً، وخيراً، بالأحياء والأشياء.. هذا الكتاب اسمه: ((تعلموا كيف تصلون)).. والصلاة أفضل، وأهم، عمل العبد، ذلك بأنها أسرع عمل يفضي إلى توحيد البنية البشرية.. وقد تحدثنا عنها في هذا الكتاب على مستويين: مستوى العمل للمعاد، ومستوى العمل للمعاش، وهما ما أسميناهما: بحضرة ((الإحرام)) وحضرة ((السلام))..
نحن نعيش اليوم في أخريات الثلث الأخير من ليل الوقت، وقد آذن الصبح بانبلاج.. والثلث الأخير من ليل الوقت، كالثلث الأخير من ليل اليوم منصوص على مدحه وتفضيله.. فكما أن الثلث الأخير من ليل اليوم برزخ بين الليل والنهار، فكذلك الثلث الأخير من ليل الوقت، فإنه برزخ بين الدنيا والآخرة، وفيه قربت المسافة بين الماضي والمستقبل، لأنه وقت ((اللحظة الحاضرة)) إذ فيه يتمكن الإنسان، بفضل الله، ثم بفضل تأدبه بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة، أن يعيش ((لحظته الحاضرة))، غير موزع بين الأسف على الماضي، ولا الخوف من المستقبل.. وهذا ما ذكرنا أن الصلاة، بحضرتيها، موظفة لتحقيقه للمصلي المجود..
اليوم لم تعد الدنيا والأخرى ضرتين كما كانتا في الماضي، وإنما هما اليوم شقيقتان، تختلفان اختلاف مقدار. وتؤدي إحداهما للأخرى فوراً، وعلى التو.. ولذلك فإنه يجب على العابد أن يترقب الجزاء على عبادته في التو.. أجر الله على العبادة اليوم ((هاك بهاك)).. هذا يوم تحقيق: ((أدعوني أستجب لكم))، فليس بين العبادة والاستجابة مسافة.. ومعرفة العارفين، اليوم تقول: إن الله أكرم من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة.. تعبده اليوم ويؤتيك أجرك غداً في الآخرة.. ألم يأمر هو في شريعته بأن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه؟؟ فكذلك أجر الله على العمل، فإنما هو على الفور، والتو.. هو ((هاك بهاك)).. فإن أنت لم تجد ثواب صلاتك، حين تصليها، طمأنينة، وبرد رضا يغمر قلبك، ويسعده، في توه فأعلم أن صلاتك باطلة. ولا تظنن أن أجرك عليها مكتوب في مكان آخر.. ألم يقل المعصوم، في حديثه المشهور: ((حبب إليّ من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة))؟؟ بلى، قد قال!! ((وقرة عيني)) يعني طمأنينة نفسي، ورضا بالي.. وهذا هو ما عنيناه بأن أجر الله على العبادة المجودة إنما هو ((هاك بهاك)).. ليس معنى هذا بالطبع، إنكار الآخرة، وإنما معناه أن الآخرة هنا، واليوم.. فما يكون تمامه هناك، يبدأ اليوم.. قال تعالى، في هذا المعنى: ((يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي، والذين آمنوا معه، نورهم يسعى، بين أيديهم، وبأيمانهم، يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا.. إنك على كل شيء قدير)).. قولهم: ((ربنا أتمم لنا نورنا)) يشير إلى أنهم قد بدأت أنوارهم في الدنيا، وهم إنما يطلبون تمامها في الآخرة.. وحكم الوقت يجعل هذه الآية تطالب بمعناها، في سرعة تحقيق الأجر، اليوم بأكثر مما كان عليه الشأن في الماضي.. المراد من هذا الحديث أن يحاسب العابد نفسه ليكون على بيّنة من صحة صلاته.. فإنه إذا كان المراد من الصلاة هو الرضا بالله رباً، ومدبراً لأمورنا، فإنك، إن أنت صليت ركعتين، وانصرفت من مصلاك، ولم يكن قلبك أرضى بالله، منه قبل أن تصلي، فيجب أن تعلم أن صلاتك باطلة، وأنها لا تستحق، ولا تستوجب أجراً.. واحذر أن تظن أن أجرها مكتوب لك في مكان آخر، تعطاه في الآخرة.. ولما كانت الصلاة وسيلة إلى الرضا فإن الرضا هو أيضاً وسيلة إلى طمأنينة النفس، وتحرير العقل من الخوف.. وبتحرير العقل من الخوف يتم كمال الحياة.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.. ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله.. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء.. ومن يضلل الله فما له من هاد))..
كتاب الله، في الأصل هو الأكوان جميعها.. وهو الإنسان، في المكان الأول، لأن في الإنسان - جسمه وعقله - اجتمعت آيات الظاهر، وآيات الباطن.. يقول تعالى، في ذلك: ((سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟))
جسم الإنسان هو كتاب الله.. والقرآن، المحفوظ بين دفتي المصحف، والمقروء باللغة العربية، إنما هو صورة لفظية، وصوتية، وعلمية، لهذا الكتاب العظيم.. و((المثاني))، في هذا الكتاب العظيم، إنما تعني الزوجين.. قال تعالى: ((ومن كل شيء خلقنا زوجين، لعلكم تذكرون)).. وأعلى الزوجين النفسان: نفس الرب، ونفس العبد الكامل.. كما أن ((المثاني)) في القرآن تعني: المعنى البعيد عند الرب، والمعنى القريب الذي تنزل، وتدنى، لتفهيم العبد..
ثم قال: ((تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم))، إشارة إلى الخوف ((العنصري)) الذي جاء به الكتاب الأول. هذا الخوف الذي حجر الجلد، وكثفه، وجعله درعاً واقياً للحي.. هذا، في المكان الأول.. ثم هو، في المكان الثاني، إشارة إلى هذا الخوف ((العرفاني)) الذي جاء به القرآن في وعيده.. وهو الخوف المشار إليه بالعبارة الحكيمة: ((رأس الحكمة مخافة الله)).. ثم قال: ((ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله)).. وإنما يجيء لين الجلود بطمأنينة النفس، بعد انقباضها بفعل الخوف.. وما طمأنينة النفس إلا نتيجة العلم بالله.. قال: ((إلى ذكر الله)).. هذا في هذه الآية.. بعد أن قال: ((لعلكم تذكرون)) في تلك.. عنى لعلكم تذكرون أنكم عبيد، وأن الله ربكم.. وهذا إقرار قد شهدتم به، وأذعنتم له، في عالم الأرواح، ولكنكم نسيتموه في عالم الأجساد.. وإنما مقصود القرآن أن يذكركم ما نسيتم.. هذه هي وظيفة القرآن: ((ولقد يسرنا القرآن للذكر، فهل من مدّكر؟؟)) وعن ذلك الإقرار الذي نسيناه، وهو مطلوب منا اليوم، ودائماً، جاء قوله تعالى: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم، من ظهورهم، ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟؟ قالوا: بلى!! شهدنا!! أن تقولوا، يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟؟ * وكذلك نفصل الآيات، ولعلهم يرجعون)).. إنما جاء القرآن يرسم لنا طريق الرجوع إلى هذا العهد الذي شهدنا فيه بعبوديتنا، وربوبية ربنا. الغرض من شهادة: ((لا اله إلا الله))، التي وظف القرآن لتحقيقها، إنما هو أن تسوقنا إلى هذه الشهادة ((وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟؟ قالوا: بلى!! شهدنا!!)) فإذا تمت لنا هذه الشهادة، بأن تذكرناها، حق التذكر، يتم لنا قوله تعالى: ((ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله)).. ولين الجلود والقلوب إنما يعني اتساع حياة الفكر، وحياة الشعور، وتلك هي الحياة الكاملة.. فلين القلوب، والجلود يعني انتشار وظيفة ((الإحساس)) في الجسم كله، بدلاً من تمركزه في مواضع بأعيانها من الجسم، هي الحواس الخمس المعروفة.. وقد تحدثنا عن ذلك في مقدمة كتابنا ((رسالة الصلاة)) فليراجع..
المهم عندنا، هنا الآن، هو الجسم البشري، وجوارحه وأعضاؤه.. ولقد صدرنا هذه المقدمة بآيات تدل على أن أعضاءنا مسئولة، وأنها تشهد علينا بما نفعل في هذه الحياة، وأن شهادتها مقبولة عند الله.. وفي شريعة الله لا تقبل إلا شهادة العدول. يقول تعالى: ((وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله)). يقول تبارك وتعالى: ((وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم، ولا أبصاركم، ولا جلودكم، ولكن ظننتم: أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون)) ثم هو يقول، بعد هذه الآية الغريبة حقاً، يقول: ((وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم. أرداكم فأصبحتم من الخاسرين))..
والحقيقة التي يجب أن نعلمها، لنخرج من هذا الظن الفاسد، الذي جلب علينا الخسران، هي أن كل ذرة من ذرات أجسادنا إنما هي مشروع إنسان كامل، ومسئول، له عقل، وله قلب، وله جسد - هو نموذج مصغر منا.. وهذا كلام غريب!! ولكننا لا نقف عنده الآن، وإنما يكفينا أن نعلم أن حواسنا، وجوارحنا، مسئولة.. ونحن، عن تهذيبها، وعن تعليمها، وعن تسديدها، مسئولون.. وهذا ما من أجله أوردنا لك هيئة الوضوء، بالطريقة التي ذكرناها من محاسبتك لأعضائك، وجوارحك وحواسك، أثناء الوضوء، لأنها هي الأبواب التي تدخل على القلب الظلام، إن كان تصرفها تصرف جهال.. أو النور، إن كان تصرفها تصرف عقال.. وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: ((وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم.. أفلا تبصرون؟؟)).. ويقول المعصوم: ((إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره، ألا وهي القلب)). وفي هذا المعنى جاء قولهم:
إذا حلت الهداية قلباً * نشطت للعبادة الأعضاء..
فيجب أن نروض أعضاءنا، وجوارحنا، على الطاعة، وذلك بحفظ عقولنا وقلوبنا، من الغفلة، وبمحاسبة حواسنا، وجوارحنا على المعصية، وبالمجاهدة حتى نحفظها في حظيرة الطاعة: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم.. ذلك أزكى لهم.. إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن، إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، أو آبائهن، أو آباء بعولتهن، أو أبنائهن، أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن، أو بني إخوانهن، أو بني أخواتهن، أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهن، أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.. ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن.. وتوبوا إلى الله، جميعاً، أيها المؤمنون، لعلكم تفلحون))..
من لطائف إشارات العارفين في القرآن قولهم، في قوله تبارك وتعالى: ((يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين)) قالوا: إن الذين يلوننا من الكفار إنما هم جوارحنا، وحواسنا.. فيجب عليك أن تجاهد عينك فلا تنظر إلى محرم، ويجب أن تجاهد سمعك، ولسانك، ويدك، ورجلك، وفرجك، وبطنك، وأن تحفظها جميعاً، بقوة، وبشدة.. وثق أن الله ناصرك، ومؤيدك، ما دمت على ذلك: ((واعلموا أن الله مع المتقين)).. وجهاد هذه هو ما أسماه المعصوم بالجهاد الأكبر، وذلك حين كان يقول، في غير مرة، عند عودته من غزوات الجهاد في سبيل الله: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)).. يجب أن يكون واضحاً فإن الجهاد بالسيف منسوخ، منذ اليوم، وأن الجهاد الأكبر معلن، منذ اليوم.. فإن الله بمحض فضله، ثم بفضل حكم الوقت، إنما يريد للناس، منذ اليوم، أن يعيشوا في سبيله، لا أن يموتوا في سبيله.. وهذا، لعمري!! هذا أصعب، مئات المرات، من ذاك، وهو ما من أجله أسماه المعصوم بالجهاد الأكبر.. قال تعالى، يأمر ((نبيه)) ويأمر كل واحد من ((المسلمين)) الذين هم إخوانه، من ورائه: ((قل إنني هداني ربي إلى سراطٍ مستقيم، ديناً قيماً، ملة إبراهيم، حنيفاً، وما كان من المشركين * قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين)).. حياة كلها لله، متقلبها، ومثواها.. منشطها، ومكرهها.. فإن كنت تريد أن تحيا لله فإن قانونك الذي يجب أن يكون دائماً بين عينيك إنما هو قوله، تبارك من قائل: ((فمن يعمل، مثقال ذرةٍ، خيراً، يره * ومن يعمل، مثقال ذرةٍ، شراً، يره)).. ((يره))!! من يعمل خيراً يره، ومن يعمل شراً يره.. يره ((اليوم)) بل يره ((اللحظة))، لا غداً.. ولا يمنعه من الرؤية ((الناجزة))، ((الحاضرة))، للتو، وللحظة، إلا الغفلة.. ولكن الحاضرين، غير الغافلين، يرون: هم يرون نتائج ما يعملون للتو، وللحظة.. قال أحد العارفين: ((ما عصيت الله تعالى معصية إلا وجدتها، في نفسي، أو في ولدي، أو في زوجتي، أو في دابتي))..
أعلم أنك: ((كما تدين تدان)) ثم افعل، بعد ذلك، ما شئت، فإنما هي أعمالك ترد عليك..
يقال إن الإمام علياً بن أبي طالب قال مرةً: أنا، منذ زمنٍ بعيد، ما أحسنت لأحدٍ قط، ولا أسأت لأحدٍ قط.. فاستغرب الناس هذه القولة.. وقد علموا أن أفعال الإمام كلها إحسان للناس.. فلما رأى استغرابهم قد طال، وأنهم لم يهتدوا إلى وجه القول، قال لهم: ما أحسنت إلا لنفسي، ولا أسأت إلا لها.. دونكم القرآن!!: ((من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها.. وما ربك بظلامٍ للعبيد)).. أو قال: ((إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها)).. أما أنت فاجعل هذا دليلك. وحدث به نفسك كثيراً. وأشعرها أنها إن قصرت في واجب الحق، ثم أخذت حقاً، فإنه يعود على الجسم بالمرض، وعلى العقل بالجهل، وعلى القلب بالظلام.. وإن هي قصرت في واجب المروءة فإن التقصير يعود عليها، وعلى التو، بنقص في المروءة.. إن أنت مثلاً كنت شاباً، جلداً، وكنت تجلس على مقعد في المركبة العامة - في البص - ودخل رجل شيخ، أو امرأة شيخة، أو حتى امرأة شابة، ولم يجد مقعداً، فظل هو قائماً، ممسكاً بأطراف المقاعد، وظللت أنت جالساً مكانك، لا تعيره انتباهاً، ولا تأبه له، فاعلم أن مروءتك قد أخذت تنقص، من تلك اللحظة، وسيجيء الوقت، وسريعاً، حيث تشعر بنقصها هذا شعوراً مادياً، وملموساً.. فإن هذا قانون المعاوضة: ((ومن يعمل، مثقال ذرةٍ شراً، يره))..