إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين

خاتمة


أما بعد فهذه محاضرة ((الإسلام برسالته الأولي لا يصلح لإنسانية القرن العشرين)) .. منقولة عن الشريط الذي سجلت فيه يوم أقامتها، بدار الحزب الجمهوري .. فهي لم تكتب للطبع، وأنما نقلت عن الشريط .. وهي أول كتاب يصدر عن الحزب الجمهوري بلغة ((الكلام)) .. وهي تعالج مسألة في أصل الدين .. ونحن نحب أن نتابع أثرها علي القاريء السوداني .. أي موقع تقع من نفسه؟؟ فلقد كانت، كمحاضرة ناجحة .. ولكنها، كمحاضرة، غيرها ككتاب، لا سيما وأنها لم تكتب باللغة الدارجة لتنشر .. وإنما قيلت باللغة الدارجة قولا .. وفرق بين القول والكتابة.. فالقول يعان علي الافهام بمواقف القائل .. وباشاراته، وبضغطه علي الكلمات، مما لا يتوفر للكاتب، ولقد حاولنا، بالترقيم، أن نجعل الكتابة تحمل تحديد الكلام، وقوته، ووضوحه ..

العنوان


عنوان المحاضرة – الإسلام برسالته الأولي لا يصلح لإنسانية القرن العشرين – عنوان مقصود بالذات، ولا يغني غيره غناءه .. وهو لم يقصد لغرابته، ولم يقصد ليثير الاهتمام، وإنما لأنه هو العنوان الدال على المحتوى الذي قيل تحته .. ونحن نعلم أن المحتوى الذي انبنت عليه المحاضرة غريب .. غريب على الشريعة الإسلامية، ولكنه ليس غريبا على الإسلام وهو إنما لم يقل من قبل لأن وقته لم يجئ .. وإنما جاء الآن .. والغرابة في الدين مدعاة صحة، أكثر مما هي مدعاة خطأ .. ليس معنى هذا أن كل غريب في الدين يجب أن يكون صحيحا، ولكن معناه أن كل غريب في الدين يجب أن يثير اهتمام العلماء بالدين حتى تتبين صحته من خطئه وإنما كان ذلك كذلك لأن موعود نبينا بعودة الدين يبشر بالغرابة .. فانه قد قال: ((بدأ الدين غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها ..)) .. والغرابة إنما تكون في التوحيد، دائما، لأن النفس البشرية لا حظ لها، في التوحيد .. فهي إنما تدرك بوسائل الحواس، والحواس متعددة، وتعطي التعدد، ولا تعطي الوحدة .. وإنما كان الاستغراب في بداية الإسلام منصبا على التوحيد .. فلقد خرج نبينا ذات يوم على قومه وهم جلوس بفناء الكعبة، وبداخلها، وفوقها، وحولها، ثلاثمائة وستون صنما، فقال: ((يا أيها الناس، قولوا لا اله إلا الله تفلحوا.)) فنفروا من قولته واستغربوها .. فجاء القرآن يحكي عن استغرابهم هذا: ((وعجبوا أن جاءهم منذر منهم، وقال الكافرون هذا ساحر كذاب* أجعل الآلهة الها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب.)) أي عجيب .. أي غريب .. ودعوة الحزب الجمهوري إلى الإسلام اليوم غريبة .. وإنما جاءت غرابتها من هذا الباب أيضا .. فالحزب الجمهوري يدعو إلى رفع عمود التوحيد إلى مستوى جديد، ليس له في ماضي أمتنا من قدوة غير المعصوم .. فهو يدعو إلى أن يسير الناس من مرتبة الايمان، التي كانت حظ الأمة الماضية – أبي بكر فمن دونه – إلى مرتبة الأمة المسلمة التي لم يمثلها من سلفنا غير المعصوم .. وهذه تتمثل في دعوة الحزب الجمهوري إلى السير في مدارج الإسلام الذي يبدأ بالإسلام الأول، ثم الايمان، ثم الاحسان، ثم علم اليقين، ثم علم عين اليقين، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام الأخير، الإسلام من جديد .. وهي المرتبة التي عناها الله حين قال ((إن الدين عند الله الإسلام)) وهي هي المرتبة التي كان يعيشها النبي وحده حين كانت أمته – أبو بكر فمن دونه – يعيشون مرتبة الايمان، من هذا الدين العظيم ..
وتتمثل دعوة الحزب الجمهوري، في هذا الباب، في الدعوة إلى تحقيق الفردية، لدي كل فرد، وذلك بفتح الطريق أمام الناس ليرتقوا بتقليد المعصوم، في عبادته، وفيما يتيسر من أسلوب عادته، حتى يفضي بهم إتقان التقليد إلى سقوط التقليد – إلى الاصالة – فهم يقلدون النبي في أعماله ليقلدوه في حاله .. بيد أن حاله الأصالة، وليس في الأصالة تقليد ، وإنما فيها تأس .. فهو عمدة تقليدنا بعمله، وهو عمدة أصالتنا بحاله .. وهذا هو المعني بإحياء سنته التي وردت الاشارة اليها في الحديث آنف الذكر .. ومن أجل إحياء سنة المعصوم أخرج الحزب الجمهوري، منذ عدة سنين، كتيب ((طريق محمد)) وفيه يدعو إلى العودة إلى تقليد محمد في عمله في خاصة نفسه، ويقول ((بتقليد محمد، تتوحد الأمة ويتجدد دينها)) وهذه الدعوة إلى ((سنة محمد)) مع الغرابة التي اتسمت بها آراء الحزب الجمهوري، كان من الواجب أن تدعو قومنا إلى الحذر، وإلى الخوض في آراء هذا الحزب بالتوقير الذي تمليه المعرفة بأمر الله، والتعظيم لشأنه، حتى يتبين للناظر فيها حقها من باطلها .. ولكن قومنا لم يهتدوا إلى شيء من هذا، وإنما أعجلوا أنفسهم بصورة مؤسفة، سنتعرض لبعضها في هذه الخاتمة ..